استعمالات السياسةوالدين والإعلام لتمزيق الأمة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استعمالات السياسةوالدين والإعلام لتمزيق الأمة

نشر فى : الخميس 6 فبراير 2014 - 6:30 ص | آخر تحديث : الخميس 20 مارس 2014 - 9:25 ص

كنا فى الماضى نعتقد بأن هناك جهتين تؤجّجان الاختلافات المفتعلة، ومن ثم الصراعات العبثية، بين مكوّنات أمة العرب. الأولى كانت تتمثّل فى رجالات السياسة. فإذا كانوا فى الحكم كان تأجيج الاختلافات والصّراعات يهدف إلى المحافظة على بقائهم فى الحكم كحلّ وسط يمنع تسلُّط فئة مجتمعية على فئة أخرى. والنتيجة هى بقاء الامتيازات المادية والمعنوية حكرا على رجالات الحكم، يوزَّعون الفتات منها على الأقارب والأزلام والموالين ويحيلونها إلى ثروات هائلة يتوارثونها جيلا بعد جيل. هكذا وجد مجتمع الرَّاعى والرعّية المبنى على أسطورة الأب المستبد الحكيم الذى بدونه يتصارع الأبناء والذى تحتاجه الأمة لحلّ صراعات مكوناتها.

الجهة الثانية تمثَّلت فى رجالات الدّين. هؤلاء ساهم الكثيرون منهم فى تأجيج الخلافات والصٍّراعات المجتمعية من خلال طريقين. الطريق الأول بنى على ادّعاء بأن قراءة معانى الدين وفهم مقاصده وتفصيلات تطبيقاته فى الواقع يجب أن يكون حكرا عليهم، إذ هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ سؤال حقّ أجاب البعض عنه بالباطل. وكان الباطل هو ممارسة البعض لقراءات خيالية عرفانية باطنية غير عقلانية لهذه الآية أو تلك من آيات القرآن الكريم، أو ممارسة وضع وتحريف لألوف الأحاديث النبوية، وذلك كله من أجل دعم مطالب وطموحات هذه الجماعة أو تلك. وكان الباطل هو إلباس الفقه، وهو فهم إنسانى للرسالة الإلهية، لباس القدسية ووضع أقنعة تخلُّف وتزمّت وضيق صدر من قبل بعض الفقهاء، وهكذا مزّقت الأمة إلى جماعات متناحرة باسم القرآن والسنّة والفقه.

أما الطريق الثانى فكان استعمال الدين لتبرير ودعم قباحات السياسة، لإقناع الناس بالطاعة العمياء لولى الأمر خوفا من الفتنة المتوهّمة، لدعم سياسات هذه السلطة الحاكمة أو تلك، وذلك كلٌّه من أجل المال أو الجاه فى بلاطات السّلاطين. بعض رجالات الدين، بوعى أو بدون وعى، مارسوا إذن مافعله بعض رجالات السياسة من تأجيج الخلافات والصّراعات بصور انتهازية لا حصر لها ولا عدّ عبر تاريخ هذه الأمة.

<<<

اليوم، تنضمُ إلى تلك الجهتين السابقتين جهة ثالثة تتمثُّل فى رجالات الإعلام. إنها جهة تمتاز بانتشار وسائلها الواسعة، بعمق وقوة وخطورة وتنوع تأثيراتها فى عقول وقلوب وأرواح الناس، وبالتالى بالأضرار الهائلة التى يمكن أن تلحقها بكيان مجتمعات الأمّة.

فى الماضى كان وجود رجالات الإعلام يتركّز فى وسائل الإعلام المحتكرة إلى حدُّ كبير من قبل سلطات الحكم. لقد كانت مهمتهم تكاد تقتصر على تلميع صورة الحكم وكيل المديح لسياساته وذمّ أعدائه. وكنا نشتكى من قلة وسائل الإعلام غير الحكومية.

اليوم انقلبت الصورة، إذ ليست الشكوى فقط من كثرتها وتوفُّرها فى يد كل سوقى ودجّال وصاحب مصلحة خاصة، وإنما أصبحت الشكوى مضاعفة بسبب عدم اقتصار أغلبها على مدح الحكم وتلميع صورته، ففى ذلك مضار مجتمعية محدودة، وإنما لأنها أصبحت أيضا أحد أهم وسائل تمزيق المجتمعات وتفتيتها من خلال تأجيج الخلافات والصّراعات بوسائل وكلمات وترميزات وإيحاءات شيطانية مليئة بالحقارات والابتذال.

<<<

بعد محنة بعض رجالات السياسة والدين نواجه اليوم محنة بعض رجالات الإعلام. إنها محنة إنخراطهم اليومى، بدون عقل أو ضمير، فى تأجيج صراع مذهبى سنّى ــ شيعى عبثى من أجل توازنات إقليمية ومصالح سياسية لهذه الجماعة وتلك. إنها محنة قبولهم لأن يكونوا أدوات حملات إقصاء أو اجتثاث أو تشويه ظالم لهذه الجماعة أو لتلك الشخصية وذلك من أجل تبرير ممارسات غير ديمقراطية وغير عادلة ترتكبها هذه السلطة أو تلك. إنها فى محنة السير، بقصد أو بدون قصد، فى ركاب المشاريع الصهيونية ــ الامبريالية لتمزيق هذه الأمة على أسس عرقية ودينية ومذهبية من جهة وللتشكيك فى رابطة العروبة الموحّدة وفى إمكانية الوحدة العربية حتى تبقى أمتنا أمة مجزّأة ضعيفة غير قابلة للنهوض الحضارى من جهة أخرى. وفى فترة الربيع العربى الأخيرة فى تشوية وحرف الثورات والحراكات وإلصاق التُّهم بشبابها وذلك من أجل منع أى تغيير مجتمعى جاد.

وفى سبيل إنجاح أهداف التمزيق وإذكاء الصٍّراعات الفرعية وتشوية الثورات والحراكات تلك تستعمل أساليب إعلامية ملتوية. فهناك أسلوب طمس الكلمات، إذ تصبح الثورات شغبا والمطالب العادلة شروطا غير واقعية وتعجيزية والمظاهرات السلمية عنفا والدفاع عن النفس إرهابا والوحدة العربية مراهقة سياسية والعدالة الاجتماعية مؤامرة على الاقتصاد وطردا للاستثمارات.

وهناك البرامج الحوارية التى تدفع بالمشاهد أو السامع لأن يختار بين أن يكون «مع» أو «ضد» وإقناعه باستحالة التوافق بين وجهات النظر. وهناك اسلوب انتقاء الأحداث وتضخيمها واستعمالها بانتهازية للتدليل على أن هذه الأمة مصابة بأمراض الاختلافات والصّراعات الداَّئمة، وبالتالى لا تستطيع ممارسة الديمقراطية. وهناك بناء مشاعر الهروب من المشكلات والاستسلام من مثل عبثية الصّراع العربى ــ الصهيونى وعدم القدرة على الخروج من النفوذ الأجنبى وهزلية كل تفكير وفعل توحيدى لهذه الأمة. وهناك أيضا إدخال المواطن فى عوالم التسلية البليدة والثقافة المسّطحة من أجل نسيان كل ثوابت الأمة وكل مطالب الناس العادلة.

من خلال استعمال فاحش مقيت للسياسة والدٍّين والإعلام يريد البعض إبقاء هذه الأمة فى جحيم الضعف والتخلف.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات