نبوءة الأبنودى - محمد موسى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبوءة الأبنودى

نشر فى : الأحد 6 يونيو 2010 - 1:31 م | آخر تحديث : الأحد 6 يونيو 2010 - 1:31 م

 «فى الخمسين سنة اللى جاية حنشتغل خدامين عند إسرائيل وأمريكا».
نبوءة قاسية أدلى بها شاعر مصر عبدالرحمن الأبنودى، وهو يصب الشاى لضيوفه فى منزله الريفى بالإسماعيلية قبل 7 سنوات.كانت صدمة الغزو الأمريكى للعراق مازالت ساخنة، والضيوف يتساءلون عن مستقبل الشعوب العربية، وجرائم الحكام من المحيط إلى الخليج. وكان أن ألقى متنبى الشعر العامى بعبارته الخطيرة، ثم غير الموضوع.

الأبنودى من جيل تفتح على وعود الأربعينيات باسترداد فلسطين من أيدى العصابات، وأحلام الخمسينيات بعالم من الشعوب التى تنتفض على الاستعمار، وخطط الستينيات لبناء مجتمع الكفاية والعدل من كوبا إلى الكونغو والوادى الجديد.ونحن من جيل صحا على حصار بيروت المخزى بداية الثمانينيات، واختطاف قادة فلسطين وذبحهم فى تونس وروما وبيروت. شاهدنا كل مجتمعاتنا، دون استثناء واحد، تغرق بالتدريج فى الفساد والجوع والتوريث.

وأصبحت العلامة الإكلينيكية الوحيدة على أننا أحياء هى مقالات الإدانة، والوقفات الاحتجاجية الذليلة على سلالم أى نقابة، وهتافات الغضب على ديكور الجامع الأزهر، أو مسجد القائد بالإسكندرية. يتكرر المشهد المؤلم كلما ارتكبت إسرائيل الجرائم أو انتهكت المقدسات، أو مارست القرصنة المجرمة ضد أسطول الحرية، على طريقة العصور الوسطى.

يتعب المحللون فى إدانة المجازر الإسرائيلية كل عدة أيام، وفى شجب التخاذل العربى وتواطؤ الحكومات كل مرة، لكنهم لا يكلفون أنفسهم عناء البحث فى السياق التاريخى المهين الذى وصل إليه العرب، فى سياق أصبح مقفولا ومأساويا، مثل نهاية دراما إغريقية.

أضاع العرب فرصة التقدم نحو المستقبل منذ قرون، عندما تحولوا إلى غنيمة مطيعة فى أيدى عائلات حاكمة، تغتصب حقوقهم فى الحياة والاختيار، وتحرمهم مما يتمتع به أبناء شعوب الزولو والتوتسى.ورفضت الثقافة العربية بعناد نادر أن تنظر إلى المستقبل، عندما وقفت كل المدارس الكبرى فى الدين والسياسة والتعليم ضد التطور.

فى القرن التاسع عشر، مثلا، أرسلت وزارة المعارف إلى الأزهر تسأله عن «شرعية تدريس مادة الرياضيات فى المدارس». وفى بداية الألفية عندما أنعم علينا الغرب الكافر بتكنولوجيا الإنترنت والفضائيات، أغرقناها فى جدل الفتاوى الجاهلة وحروب كرة القدم واللب والفشار و«القرمشة على الفاضى».

الأبنودى اعتذر بقسوة عن أوهام الستينيات فى اعتراف نادر بإحدى قصائده، طلب فيها المغفرة من القاتل. «أدعى يصالحنى عدوى، ويغفر لشهدائى».

محمد موسى  صحفي مصري