احتقان سياسى تونسى يبحث عن مخرج - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احتقان سياسى تونسى يبحث عن مخرج

نشر فى : السبت 6 يونيو 2020 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 6 يونيو 2020 - 9:50 م

تعيش تونس منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة حالة من الاحتقان السياسى المكتوم أحيانا، والصاخب أحيانا أخرى. ولم تسفر نتائج الانتخابات عن حصول أى من الأحزاب أو الكتل السياسية على أغلبية تتيح لها تشكيل حكومة متجانسة يقودها الحزب أو الكتلة الحاصلة على أعلى الأصوات. ورغم أن حزب حركة النهضة قد حظى بأعلى عدد من المقاعد فى البرلمان (54 مقعدا) إلا أن الكتل السياسية والأحزاب الأخرى لم تقبل أن يكون رئيس الوزراء من حركة النهضة وقد أدى ذلك إلى استغراق وقت طويل لتشكيل الحكومة بعملية قيصرية من ائتلاف عدة أحزاب مع حزب حركة النهضة، وهو ما أدى إلى أن يكون الائتلاف بين فرقاء جمعتهم مصالح واعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية ضاغطة، وهو ما جعل حالة التوافق والانسجام داخل الحكومة ظاهرية وعند حدها الأدنى.
وقد صعدت أحزاب المعارضة التونسية من حدة انتقاداتها لكل من رئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان حيث يرأسه زعيم حزب حركة النهضة راشد الغنوشى، وتتهم المعارضة حزب النهضة بالسعى إلى السيطرة على كل من الحكومة والبرلمان عن طريق ما أسمته ببعض التعيينات المشبوهة فى وظائف حكومية، ومحاولة تمرير اتفاقيات مالية وتجارية مثيرة للجدل مع كل من تركيا وقطر واستغلال الفترة الاستثنائية التى تعيشها تونس فى ظل جائحة كورونا.
ودعت أحزاب يسارية تنتمى لتحالف الجبهة الشعبية إلى ضرورة المحافظة على حق الاحتجاج السلمى ضد مؤسسات الدولة، وضمان الحق فى المطالبة بإسقاط الحكومة وحل البرلمان باعتبار أن ذلك من صميم الممارسة الديمقراطية، ويتزامن ذلك مع دعوات من بعض الأطراف التونسية إلى إسقاط الحكومة وحل البرلمان وتغيير النظام السياسى من نظام برلمانى معدل إلى نظام رئاسى معدل. ودعوة الحكومة إلى اتباع مزيد من الشفافية فى إدارة الأموال العامة، والهبات، والقروض، والتبرعات التى تحصل عليها لمواجهة جائحة كورونا، وكذلك تفادى مضايقة القطاع الخاص عن طريق ضغوط الجباية؛ حيث إن الدولة حصلت على تبرعات وهبات من الداخل والخارج، إضافة إلى قروض كافية لتجاوز تبعات جائحة كورونا.
وتعمل ما يسمى «جبهة الإنقاذ الوطنى» على تنظيم مظاهرات تقول إنها خارج إطار الأحزاب التقليدية، وترفع عدة مطالب منها تنحية رئيس البرلمان، راشد الغنوشى عن منصبه، وهو رئيس حزب حركة النهضة، بدعوى أنه لم ينتخبه الشعب. والمطالبة بالإسراع بتشكيل المحكمة الدستورية، وتعديل قانون الانتخابات لإتاحة تمثيل برلمانى أوسع، وتعديل النظام السياسى الحالى، ويوضحون ذلك بأنهم لا يطالبون بحل البرلمان وإنما فقط تنحية رئيسه لأنه اختار الاصطفاف خلف معسكر معين فى النزاع الليبى، وكذلك يطالبون بنظام رئاسى معدل، وتعديل للصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
***
ويلاحظ أن الرئيس قيس سعيد، حذر من أنه لن يسمح بالفوضى، وإعادة ما حدث من قبل، وهو يقصد ما تردده بعض الجماعات عن تكرار أحداث 2013 وما فيها من مظاهرات أسقطت الحكومة، ويرفعون شعار «الرحيل٢» باعتبار أن «الرحيل 1» كان فى 2013.
ودافع مؤيدو الائتلاف الحكومى التونسى عن أداء الحكومة برئاسة الياس الفخفاخ، وأنها لم يمض على تسلمها السلطة إلا نحو مائة يوم فقط، وأنها واجهت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية بنجاح مقارنة بدول أخرى لديها إمكانيات أفضل من تونس. وانتقدت الدعوات المريبة لإسقاط الحكومة والتى تنشر على وسائل التواصل الاجتماعى، ووصفتها بأنها دعوات لا معنى لها. واستنكرت بعض الأحزاب المشاركة فى الائتلاف الحكومى موقف حزب حركة النهضة من الوضع السياسى الحالى لأنه يغذى الخلافات ويربك العمل الحكومى، ويضعف جهود الدولة فى السيطرة على وباء كورونا وتحقيق الاستقرار الاقتصادى، وأشارت إلى أنه رغم انضمام حركة النهضة إلى الائتلاف الحكومى، إلا أنها تتزعم تحالفا برلمانيا تضغط من خلاله على الحكومة وتنتقد توجهاتها، وهذا التحالف يتشكل من حزب قلب تونس بزعامة نبيل القروى (29 مقعدا فى البرلمان)، وائتلاف الكرامة بزعامة سيف الدين مخلوف (له 29 مقعدا)، هذا إلى جانب نواب حزب حركة النهضة (54 مقعدا)، ومن ثم فإن حزب حركة النهضة يمارس تأثيرا مزدوجا، من خلال مشاركته فى الائتلاف الحكومى، ورئاسته للبرلمان والكتلة البرلمانية الموالية له.
هذا ويتناقل ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعى دعوات إلى ما أسموه «ثورة تصحيحية» وتشكيل هيئة إنقاذ وطنى، والإعداد لثورة جياع، والمطالبة بتطبيق الديمقراطية المباشرة، وتصعيد المظاهرات السلمية، وتنظيم تجمعات شعبية للتنديد بالفساد، وعرض البدائل المقترحة من جانبهم. وقد لاحظ المراقبون للشأن التونسى أن مضمون هذه المطالب قد سبق أن ورد فى البرنامج الانتخابى للرئيس الحالى قيس سعيد.
وقد قلل وزير التجارة التونسى من شأن هذه المظاهرات، وممارسة بعض أعمال العنف التى سجلت خلال النصف الثانى من شهر مايو 2020 فى بعض المدن التونسية، وأنها لا يمكن أن تؤدى إلى إسقاط الحكومة لأنها تعتبر حكومة الفرصة الأخيرة لتحسين مناخ الاستثمار والمشاركة مع أوروبا والدول العربية، وإنقاذ البلاد من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة خلال أكثر من عشرة أعوام، وأنه يوجد تنافس بين أغلبية الحكومة وأغلبية البرلمان، ولكن الحكومة قادرة على اتخاذ مشروعات طموحة وإصلاحات لصالح البلاد والشباب خاصة المتعطلين عن العمل. وسبق أن قدم رئيس الحكومة التونسية وثيقة للتضامن مع الحكومة للتوقيع عليها من قبل رؤساء الأحزاب والكتل السياسية المشاركة فى الائتلاف الحكومى الحالى ومن يرغب من الأحزاب، ولكن لم يتم التوقيع عليها فى التاريخ الذى كان مفترضا أن توقع فيه وهو 20 مايو 2020 وذلك لرفض حزب حركة النهضة التوقيع إلا بعد الاستجابة لمطالبه ومنها توسيع دائرة الائتلاف الحكومى، وإعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حليفه فى البرلمان حزب قلب تونس. وهو ما رفضته عدة أحزاب مشاركة فى الائتلاف الحكومى وفى المعارضة لوجود شبهات فساد مالى وتهرب ضريبى تطارد قيادات حزب قلب تونس. واتهمت بعض القوى السياسية حركة النهضة بمحاولة إرباك العمل الحكومى.
***
ومن ناحية أخرى فقد أثارت اتصالات رئيس البرلمان راشد الغنوشى بالرئيس التركى أردوغان، واتصاله التليفونى برئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج لتهنئته على سيطرة قواته ــ بمساعدة عسكرية تركية فعالة ــ على قاعدة الطيران العسكرية الليبية ــ الوطنية (قاعدة عقبة بن نافع)، غضبا شديدا لدى الأحزاب اليسارية ولدى الحزب الدستورى الحر بزعامة عبير موسى، مرشحة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التى طالبت بعقد جلسة برلمانية خاصة يوم 3 يونيو 2020 لمساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشى حول دعمه لأحد أطراف الصراع فى ليبيا والانخراط فى سياسة المحاور، واعتبار أن ذلك يمثل تجاوزا لمؤسسات الدولة وتوريطها فى النزاع الليبى إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، وأن رئيس البرلمان لم يتشاور مع البرلمان ولا مؤسسات الدولة الأخرى قبل القيام بهذه الاتصالات خاصة وأن السياسة الخارجية ليست من اختصاص رئيس البرلمان، وأدى هذا الموقف إلى تصريح الرئيس قيس سعيد بأن تونس لها رئيس واحد.
وكان التلويح بأن مساءلة رئيس البرلمان قد تنتهى بسحب الثقة منه واستبداله بآخر أمر غير ممكن التحقيق على ضوء توازنات القوى السياسية داخل البرلمان والحكومة من ناحية، وأن المشهد السياسى التونسى وما فيه من توتر واحتقان لا يحتمل الدخول فى تغييرات سياسية فى ظل أزمة اقتصادية واجتماعية ومطالب شعبية متصاعدة من جراء الآثار والتداعيات التى أحدثتها جائحة كورونا.
وقد أصدر المكتب التنفيذى لحركة النهضة بيانا فى أوائل مايو 2020 أدان فيه ما أسماه الحملات المشبوهة الداعية للفوضى والتى تستهدف رئيس البرلمان راشد الغنوشى وتسعى لإرباك المسار الديمقراطى التونسى، وإضعاف مؤسسات الدولة فى ظل تحديات صحية واقتصادية واجتماعية استثنائية تتطلب توحيد الجهود.
إن الواقع السياسى فى تونس يتطلب التعايش والتوافق بين القوى السياسية المختلفة، سواء ذات الاتجاهات المدنية، أو ذات الاتجاهات الإسلامية، ذلك لأن عمليات الفرز السياسى والتفاعلات الاقتصادية والاجتماعية على مدى الفترة من 2011 حتى الآن قد أوجدت واقعا سياسيا لا تستطيع فيه قوة سياسية واحدة أيا كان اتجاهها أن تكون لها اليد العليا فى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا يتطلب، بل يحتم التعاون بين جميع الأطياف السياسية التونسية للاستمرار فى المسار الديمقراطى الذى يعطى للشعب حقه فى الاختيار فى حدود الظروف والإمكانيات المتاحة.
مساعد وزير الخارجية الأسبق

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات