خروج من الأزمة أم استقطاب جديد؟ - سيف الدين عبدالفتاح - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 5:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خروج من الأزمة أم استقطاب جديد؟

نشر فى : السبت 6 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 6 يوليه 2013 - 8:00 ص

أتى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة المنتظر فى مشهد يتصدره الفريق أول عبدالفتاح السيسى وهو على المنصة وعدد من قادة القوات المسلحة بالإضافة إلى شيخ الأزهر وبابا الكنيسة والدكتور البرادعى، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء والأستاذة سكينة فؤاد والمهندس جلال مرة من حزب النور ومحمود بدر ومحمود عبدالعزيز من قادة حملة تمرد وبدا هذا المشهد مُخرجا بعناية، إن الرسالة التى أريد لها أن تبرز فى هذا المشهد أن ما يقوم به الجيش ليس «انقلابا» وأن هؤلاء جميعا بما يمثلونه من رمزية يضفون من خلال كلماتهم القصيرة التى أتبعت بيان الفريق أول عبدالفتاح السيسى لعمل غطاء لما تضمنه البيان من إجراءات ومبادئ لخريطة طريق.

 

●●●

 

هذا المشهد ليس لأحد أن يصادر على رأى الناس فيه فهناك من أمضاه واحتفل به، وهناك من انتقده ووجه السهام إليه، وكأننى بذلك استدعى ذلك البيان الذى صدر قبل ذلك ممهلا الجميع 48 ساعة، بما يمكن تسميته «بيان الإمهال»، وفى حقيقة الأمر أن ذلك البيان قد صيغ بعبارات بعضها محكم وبعضها الآخر يمكن تأويله بالانحياز لفئة دون غيرها، وأحس الناس أن تلك الطائرات التى مرت على ميادين التحرير والاتحادية وبعض الميادين الأخرى فى القاهرة والمحافظات تلقى عليهم الأعلام قد اختصت ميادين دون ميادين، فصار البعض يتحدث عن تفرقة بين أطراف وأفراد من الشعب تجمعوا هنا أو هناك، نحن إذن أمام مشهد يجب أن نتوقف عنده ونتلمس المعنى الذى يتعلق بتساؤل مهم: هل نحن حقا نريد أن نخرج من دائرة الاستقطاب البغيض ومن دائرة الاستبعاد أو الإقصاء؟ كنا ومن كل طريق نوجه لمن يحكم أو يتحكم «إخوان» كان أم غيرهم نقول له إن مشروع الجماعة الوطنية مشروع يجب أن يحافظ على لحمته وتماسكه من دون إبعاد أو إقصاء من دون نفى أو استثناء، من دون انحياز أو محاباة فى إطار وحدة من القواعد لا ازدواج المعايير، إنه قانون الجماعة الوطنية الماضى والقاضى لا يمكنه أن يتخلف فى أثره من خلال أى عمل يقوم به من ينظر إلى هذا الوطن بخرائطه العامة وتنوعاته التامة، إنه قانون الجماعة الوطنية الذى يجب أن يتذكره كل من أراد أن يحكم أو يسير أو يدير، إن التقاط العبرة من تلك الخبرة أو الخبرات التى فشلت فى استيعاب ذلك القانون أمر فى غاية الأهمية، وهو ما يجعلنا نطلق بعض الإشارات والتنبيهات:

 

أولها: إن الشأن الذى يتعلق ببيان الإمهال وتفسيره من أنه تحيز إلى فئة دون فئة أمر يجب أن نأخذه مأخذ الجد حينما يجد الجد ونفتح صفحة جديدة غرضها الجامعية لا الإقصائية.

 

ثانيها: ضرورة وجود ميزان للخطاب والبيان حتى لا ينصرف الأمر إلى مآلات الانقسام والتفريق لأن الفرقة تتسرب فى الجماعة كدبيب النمل ونخر السوس قد لا يشعر به، «فإن معظم النار من مستصغر الشرر».

 

●●●

 

ثالثها: إن البداية التى أعقبت هذا البيان وكأنها كلمة «دلسيبس» فى خطاب عبدالناصر فأحدثت مداهمات لوسائل إعلام إسلامية، فإن ذلك يعبر عن إقصاء كان من الواجب ومن الممكن تجنبه، إلا أن الاختيار صار فى طريق آخر فى إرادة غير بريئة لإبراز إعلام يفرح بما تم وتكميم آخر فى مداهمات ليس فقط للأبنية أو الكاميرات ولكن للأشخاص عاملين وضيوفا.

 

رابعها: إن الأمر الخطير أن الإعلام الذى كان يصرخ من أنه قد يتعرض لاستثناءات هو ذات الإعلام الذى يبرر ذلك، معللا بأن تلك القنوات قد ارتكبت الكثير من التجاوزات والأخطاء، وأنه ليس من حقهم أن يعبروا عن رأى مخالف، وهذا لعمرى بداية إقصاء واستثناء وإبعاد ونفى لا يمكن بأى حال من الأحوال قبوله فى مفتتح إجراءات أخطر ما فيها أنها تقيم الأفراح هنا وتكمم الأفواه هناك، حتى لو كانت مؤقتة.

 

خامسا: إن بناء خريطة الجامعية غير سلوك مسالك الاستقطاب، إن هؤلاء الذين يتجمعون فى ميادين قد تدعم الرئيس محمد مرسى ولا توافق على عزله من حقهم ذلك ومن حقهم أن يأمنوا فى التعبير أو الفعل الاحتجاجى، طالما كان سلميا ومقبولا ومعقولا فى إطار القواعد المرعية والإجراءات المقضية.

 

●●●

 

سادسا: من الأفعال التى أولها البعض فى سكة الاستقطاب والذى بدا مبكرا تمثل فى فعل كنت وانا أشاهد التلفزيون لا أرى نقلا لهذا الأمر فى «تليفزيونات الفرح»، «مجزرة» كانت خالية من أى تأمين مات فيها ستة عشر مواطنا أيا كانت انتماءاتهم إن هذه نفوس يجب أن تُؤمن، أرواحهم مسئولية من ادعى التأمين والتى تقع عليه، خاصة أن الأمر فيه من بعض اتهامات التباطؤ وفيه كذلك بعض من اتهامات التواطؤ، وجريمة تعتيم إعلامى وسكوت مريب.

 

إن هذا المشهد الخطير إنما يعبر عن حالة انتقائية حتى فى متابعة العنف وتأمين الميادين، إننى أطالب الجيش والداخلية ومؤسسات الدولة بأكملها أن تفتح تحقيقا جادا وفوريا فى هذه المجزرة لأنها لا يمكن أن تمر بلا حساب أو عقاب، لهؤلاء الذين روعوا الناس وساعدوا فى ترويعهم، إن حركة التأمين لم تكن بالسرعة الواجبة، بينما نرى فى اليوم التالى تأمينا للميادين أقرب ما يكون إلى التحفظ أكثر من كونه تأمينا، هذه من الأمور التى قد تشعر كل هؤلاء بممارسة استقطاب، ولا تدخل فى سكة الخروج من أزمة الوطن.

 

●●●

 

إن كنا من الباحثين فى كتابة صفحة جديدة فيجب أن تكون هذه الصفحة ناصعة بيضاء نظيفة لا تبدأ بتكميم الأفواه، ولا بانتقائية تشعر بعض أبناء هذا الوطن بالظلم وعدم العدالة «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».

 

 

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات