هكذا ينظر الأمريكيون للمقاومة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 7 أغسطس 2025 5:54 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

هكذا ينظر الأمريكيون للمقاومة

نشر فى : الأربعاء 6 أغسطس 2025 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 6 أغسطس 2025 - 9:22 م

بينّا فى مقالة الأسبوع الماضى كيف يتلاعب الاستعمار المركب الغربى ــ الصهيونى بالعقول الجماهيرية العربية من خلال فتح معارك جانبية، من كل الأنواع وعلى كل المستويات وبمسمّيات خادعة مضلّلة، تتنقل من قطر إلى قطر ومن موسم إلى موسم، وذلك من أجل إبعادها عن التفكير فى والتبنى لأيديولوجيات واستراتيجيات عربية تحليلية وتشخيصية وعلاجية متكاملة شاملة.

‎وها هو يلعب اللعبة إياها بالنسبة لموضوع المقاومة العربية للغزو الصهيونى الاستئصالى لفلسطين كلها ولأجزاء من لبنان وسوريا والأردن بمسميات وادعاءات كاذبة ووهمية.تتألف المحاولة الجديدة من مطلبين:اعتبار المقاومة ضد الكيان الصهيونى إرهابًا وبالتالى فإن مقاوميه بالسلاح يجب أن يجردوا من سلاحهم بل وينتهى وجودهم السياسى.وبالاسم يشار إلى تجريد حماس فى فلسطين وكل الفصائل الفلسطينية فى لبنان، وحزب الله فى الجنوب اللبنانى وقوى الحشد الشعبى فى العراق، والحوثيون فى اليمن، تجريدهم من سلاحهم واعتبار تنظيماتهم إرهابية خارج القانون.

‎وتُغلّف تلك المطالب الاستعمارية وتُفعّل بابتزازات اقتصادية أو مالية أو أمنية، وبلىّ موجع انتهازى لذراع هذا المسئول أو ذاك، وبمنعٍ لأية جهة عربية من أن تساعد وتنتشل هذا القطر أو ذاك، وبتجييش لكل الأسرار الكاذبة التى يملكها الموساد الصهيونى والسى آى إيه الأمريكى والاستخبارات الغربية المطيعة.

‎هكذا لا تكتفى الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم المساعدات المالية والتسهيلات الاقتصادية والتكنولوجيا المتطورة الحربية، ومنع مجلس الأمن من اتخاذ قرارات رادعة، والدخول نيابة عن الكيان الصهيونى فى معركة مع المحاكم الحقوقية الدولية المختلفة، والدفع ليل نهار إلى مزيد من التطبيع مع هذا الكيان.لا تكتفى بذلك وإنما تريد منع كل أنواع المقاومة لهذا الكيان الاستيطانى الدموى.

‎هذا الغرب بالفعل محير.فعندما احتلت ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية فرنسا وتكونت مقاومة فرنسية شعبية مسلحة عنفية لذلك الاحتلال سمّيت تلك المقاومة بشتى النعوت البطولية الشرعية والحقوقية الرافعة للرأس.أما أن تقوم مقاومة شعبية عربية ضد غزو واحتلال كامل أو جزئى صهيونى لعدد من البلدان العربية فإن ذلك ليس إلا إرهابًا ضد دولة مسالمة.

‎وعندما مارس النّازيون الألمان الهولوكوست ضد اليهود فى أوروبا فإنه ارتكب جريمة إنسانية أثيرت باسمها حرب عالمية كبرى، أما عندما يمارس المستوطنون الصهاينة الهولوكوست ضد شعب فلسطين فإن الاعتراض عليه يعتبر معاداة للسامية.

‎وعندما تحاول إيران أن تطور قدراتها النووية لحماية نفسها من القدرات الهائلة النووية الأمريكية والصهيونية تعتبر دولة تهدد السلام العالمى، أما أن تمتلك أمريكا والكيان الأطنان من القنابل الذرية فهذا من أجل ردع الاعتداء عليهما وعيشهما فى سلام.

‎هذا ليس بمستغرب إذ إن الإمبريالية الغربية الصهيونية مارست مثل هذه المواقف عندما صنفت فى الماضى حركات التحرر الجزائرية والمصرية والخليجية، على سبيل المثال، بأنها حركات إرهابية.

‎هذا التخريف ليس بمستغرب صدوره على الأخص من دولة تحرك سياستها الخارجية مشاعر دينية غامضة كأمريكا.يذكر ذلك التأثير الدينى فى السياسة الخارجية الأمريكية الكاتب الإنجليزى جون جرى الذى يقول بأن لا يمكن فهم السياسة الخارجية الأمريكية إلا من خلال التعرف على قوة المشاعر الدينية فى الثقافة الأمريكية التى تجعل البيت الأبيض والكونجرس لا يرون فى أحداث العالم إلا من خلال فكرة تقابل الخير والشر.وعليه فما دام رؤساء أمريكيين من أمثال بايدن وترامب يعتبرون أنفسهم صهيونيون فإنهم لا يمكن إلا أن يتبنّوا الأساطير الدينية كخلفيات ومحركات للسياسة فى الداخل والخارج.فالمقاومة هى الشر وحكومة نتنياهو هى الخير.

‎يبدو ذلك واضحا فى خطابات وتعليقات الرئيس ترامب:إنها خليط من ظواهر أمراض نفسية جامحة وهلوسات دينية فى شخصية تحاول أن تستعيد ما تخيله الأمريكيون الأوائل من أنهم أمة قادرة على خلق عالم جديد ومن أن نوعية الحياة فى أمريكا التى جاءوا بها لم يرَ أحد مثلها، إنها عالم جديد فذٌّ، كما قال مفكرهم توماس بين، وأن الشعب الأمريكى هو الشعب المختار أى، إسرائيل الأزمنة الحديثة، كما قال الكاتب هيرمان ملفيل.

‎من يقول كل ذلك، هل يعقل أنه يصنف الوجود الصهيونى بغير تعابير الخير والشر، وهو ما تفعله أمريكا بحق المقاومة العربية انسجامًا مع نفسها وخدمة لربيبتها الصهيونية.

‎يبقى أخيرًا ما يجب أن نقوله بكل صراحة وشعور بالأسى:كيف تسمح بعض الحكومات العربية والإسلامية أن تساير نفس المنطق وتنادى بأن الوقت قد حان لأن يكون السلاح فقط فى يد الدولة، والدولة فقط، أى أن تجرّد المقاومة العربية ضد الكيان الصهيونى، أينما تكون، من سلاحها، بالرغم مما يفعله النظام الرسمى الصهيونى والمستوطنون الصهاينة من جرائم إبادة واعتداءات متوحشة حقيرة بحق شعب فلسطين وكل شعب عربى يحدث أن يقع تحت سلطتهم فى أى بقعة من الوطن العربى.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات