فى إدارة الاختلاف - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى إدارة الاختلاف

نشر فى : الثلاثاء 6 أكتوبر 2015 - 8:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 6 أكتوبر 2015 - 8:10 ص

ما أكثر الملفات التى فتحت... وما أكثر الجدل الذى أثير خلال سنوات الانتقال الديمقراطى حول قضايا متعددة، منها ما يتعلق بالفساد فى قطاعات مختلفة: الإعلام والطاقة والأمن والتعليم والإدارة والمؤسسات وغيرها، ومنها ما له صلة بالهوية، وشكل النظام السياسى، ونمط المجتمع، والمصالحة الاقتصادية وغيرها. بيد أن السؤال المطروح إلى أى مدى كان التونسيون مستعدين للتمحيص فى كل هذه القضايا؟ وهل يملكون الأدوات التى تمكنهم من تحليل الظواهر والنفاذ إلى كنه المسائل؟ وهل قادهم هذا الجدل إلى صياغة مواقف تتلاءم مع السياق الحاضر وتتماشى مع متطلبات المواطن فى هذا العصر؟

ما اعتدنا عليه خلال هذه السنوات: الصراخ والعويل والبكاء والتشنج والصراع والتراشق بالتهم وإتقان أداء الأدوار خاصة على «الركح الإعلامى» وقلة أولئك الذين عقلنوا مواقفهم وروضوا ذواتهم وسيطروا على انفعالاتهم، وقدموا قراءات طريفة ومعمقة تؤكد الثقافة المتينة التى حصلوها وتثبت مدى اطلاعهم على تجارب الأمم وقدرتهم على البحث عن الخلفيات المتعددة والأبعاد الخفية والأسباب المضمرة. ولعل سبب هذا «الضجيج» المصاحب لكل قضية تثار هو عدم تعود التونسيين على الإصغاء والمناظرة والنقاش والحوار والمحاججة وإدارة الاختلاف. فقد كانوا منذ عهود يتهامسون ويكتمون آراءهم مخافة أن يدانوا فيعاقبوا. وما إن أزيحت الموانع حتى انطلقوا فى الهرج والمرج بلا ضوابط إلا من عصم ربك.

***
نسوق هذه الملاحظات بناء على طريقة التعامل مع المثلى الذى زج به فى السجن بعد الحكم عليه بعقوبة سنة، وذلك بسبب ميوله الجنسية وإخضاعه لفحص شرجى؛ فوفق المادة 230 من قانون العقوبات يعاقب المثلى من سنة إلى 3 سنوات. ولئن قبل المتهم بإجراء الفحص حتى يثبت أنه اكتفى بممارسة الجنس مع صديقه ولم يقتله فإن أصوات الناشطين ارتفعت لتنعت هذا الفحص «بفحص العار» ولتدين انتهاك كرامة مواطن، وهو فعل يتعارض مع الحقوق التى كفلها الدستور الجديد. فالدستور حفظ حق المواطنين فى الحياة الخاصة الحميمة وضمن المساواة بين جميع المواطنين وما معاقبة المثليين إلا علامة على التمييز بين التونسيين. كما أن إجراء الفحص الشرجى يعد اعتداء على حرمة الجسد وشكلا من أشكال التعذيب.

ولم يتوقف الأمر عند التشهير والفضح والتنديد والاستغراب بل عمد أحد قيادى النهضة على شتم وزير العدل، وذلك بعد إقراره بضرورة تعديل قانون العقوبات، إذ أنه ما عاد مقبولا تجريم فئة من الناس لكونهم مثليين. فكتب هذا القيادى فى صفحته على «الفيس بوك»: «أيها العبد المفسد وزير العدل أنت حر فى مؤخرتك تفعل بها ما تشاء ولكن ليس فى العلن» .وهو دليل آخر على أن ثقافة الحوار لم تتأصل وأن القبول بالآخر المختلف عسير. قد يستغرب البعض ما يصدر عن أتباع حزب النهضة من شتم ولعن، ومرد ذلك أنهم لازالوا يحافظون على الصور النمطية، فيتصورون أن «شعب النهضة» شعب مختار متميز بمجموعة من الفضائل وعلى رأسها دماثة الأخلاق فلا يجوز أن يمارس النهضاويون الرياء والنفاق والسرقة، كما لا يُتصور أن يعبر هؤلاء عن مشاعر الكره والحقد والبغضاء، وأن يلتذوا بما يصيب الناس من شرور.

لا يختلف أنصار هذا الحزب ذى المرجعية الإسلامية عن سواهم من المنتمين إلى ثقافة بطريكية تؤمن بهوية جنسية محددة وثابتة قائمة على الثنائيات المتضادة الأنثى- الذكر، الرجل- المرأة، الكامل -الناقص، القوى- الضعيف، الصلب - الرخو، الأعلى - الأسفل، ثقافة حددت سياسيات الجندر وصاغت نظاما ينتج العزل والفرز والتمييز، وأسست الفروق وبررتها بسردية تحتفى بالنظام التراتبى الهرمى وتشيد بالهيمنة الذكورية التى لا تكتفى بانتهاك حقوق النساء بل تتعمد سحق سائر الذكوريات الأخرى التى تأبى ممارسة الهيمنة والتسلط.

من قال إن مجتمعنا التونسى مجتمع حداثى بامتياز قد تحرر من ثقل الموروث ونزع جلباب المحافظة وقطع أشواطا فى التقدم وتأقلم مع مقتضيات فكر التنوير وتعلم فن الحوار وكسب معركة الألسنة؟ نعم ربحنا معركة الدستور ولكن علينا أن نتخطى عقبات كثيرة حتى نثبت أننا متمدنون.

التعليقات