من يربح جولة البرلمان؟ - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من يربح جولة البرلمان؟

نشر فى : الإثنين 7 يناير 2013 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 يناير 2013 - 8:40 ص

فى صدارة المشهد الانتخابى الذى تقترب مواعيده لاعبان رئيسيان. أولهما، إخفاقاته تضغط على أعصابه وحساباته خشية أن يخسر مشروع «التمكين».. وثانيهما، مخاوفه تدعوه للتماسك بقدر ما تسمح تفاعلاته ورهاناته خشية أن يخسر الصراع على المستقبل.

 

المعسكران المتضادان بينهما أسلاك سياسية شائكة، والانقسام الحاد يومئ لهوامش ضيقة فى مناورات السباق الانتخابى.

 

هذه صورة جديدة لم تعهدها مصر من قبل فى أى استحقاق آخر. لسنوات طويلة تلت دستور (١٩٢٣) كان حزب «الوفد» الجسد الرئيسى للوطنية المصرية واللاعب الحاسم فى أية انتخابات نيابية عند توافر شروط نزاهتها. لم يكن هناك حزب آخر ينازع شعبيته رغم التصدعات التى نالت من مكانته. مرة أخرى جسدت الوطنية المصرية نفسها فى «المشروع الناصرى»، وانجازاته نالت منها طبيعة نظامه. التلاعب بالدستور قوض التجربة الأولى وغياب المشاركة أجهض التجربة الثانية.

 

بعد ثورة يناير لاحت فرصة أمام جماعة الإخوان المسلمين أن تكون الجسد الرئيسى للوطنية المصرية، لكنها لم تكن مؤهلة بالتكوين والتوجهات للعب هذا الدور. غلب «التمكين» «الدولة» وغلب «الطبع» «التطبع».

 

المسرح كان مفتوحا أمامها، فالأحزاب القديمة تآكلت وفقدت اعتبارها السياسى، والأحزاب الجديدة لم تأخذ وقتها فى بناء قواعدها واختبار برامجها. كانت الجماعة جاهزة تنظيميا لحصد الأكثرية فى أول انتخابات برلمانية بعد يناير. استخدمت تفاهماتها مع «المجلس العسكرى» فى تمرير ما يناسبها من قوانين وإجراءات، وسعت قيادات فى «العسكرى» لدعم قائمة الإخوان إلى درجة دعت الفريق «سامى عنان» إلى استدعاء رجل الأعمال «نجيب ساويرس» من لندن طالبا منه أمرين. الأول، تخفيض حدة الانتقادات لـ«العسكرى» فى الفضائية التى يملكها.. والثانى، الانضمام إلى «التحالف الديمقراطى» الذى تقوده الجماعة. فى الطلب الأول، رد رجل الأعمال: «اقفلها»، وفيما بعد باع حصصه لرجل أعمال فرنسى من أصل تونسى.. وفى الطلب الثانى، كان رده: «لا أستطيع»، وخاض الانتخابات على قائمة «الكتلة المصرية».

 

تصور «العسكرى» أن الجماعة يمكن أن توفر له «قاعدة سلطة»، والجماعة بدورها أوحت بأنها مستعدة للعب الدور المطلوب، نددت بالتظاهرات الغاضبة ضد «المجلس العسكرى» ودافعت عنه بضراوة، وعندما اختلفت الظروف أطاحت به بلا تردد. فى ظلال التفاهمات بتعقيداتها بين الجماعة و«العسكرى» كان الحضور الأمريكى ماثلا ومؤثرا، فالجماعة لها تواجدها القوى فى الشارع، مستعدة أن تضمن مستقبل المعاهدة المصرية الإسرائيلية، وأن تتبع ذات السياسات الاقتصادية للنظام السابق.

 

الاعتبارات الدولية والإقليمية والداخلية مجتمعة ساعدت الجماعة على حصد الأكثرية فى البرلمان، لكن إخفاق تجربتيها البرلمانية والرئاسية أفقدها صدقيتها وكشف قلة كفاءة وخبرة كوادرها على إدارة الدولة، وأفضت تصرفاتها السياسية إلى تكريس انقسام فى المجتمع المصرى لا مثيل له فى التاريخ الحديث كله.

 

عندما يخفق أى نظام حكم فى تأسيس شرعيته على قاعدة القبول العام، أو يفتقر إلى القدرة على الحكم الرشيد، فإنه يتهم معارضيه بالمؤامرة ويتحرش بالإعلام الحر، باحثا بأى ثمن عن عون الحليف الأمريكى على ما كان يفعل بالضبط الرئيس السابق لكن بطريقة تختلط فيها التعهدات بالترهات تصريحات «عصام العريان» عن عودة اليهود المصريين مثالا.

 

هذه أزمة حكم تداهمه مبكرا أزمات الشرعية، وعنده مخاوفه من خسارة الانتخابات المقبلة.

 

فى نتائج الاستفتاء إشارات إلى المستقبل، فنسبة (٣٦٪) التى حازتها «لا» تومئ فعلا إلى احتمالات خسارة الجماعة السباق الانتخابى النيابى.

 

بالنظر إلى ثلاثة اعتبارات جوهرية فإن الجماعة خسرت سياسيا معركة الاستفتاء، الأول أن ثقافة الاستفتاء غائبة عن المجتمع المصرى، الذى ينظر تقليديا لعمليات الاستفتاء باعتبارها لزوم ما لا يلزم وأن النتائج مقررة سلفا. المعنى هنا أن الذين وقفوا فى الطوابير لساعات طويلة ليقولوا «لا» خرجوا عن سياق المتوقع بدواعى الفزع من الجماعة وسياساتها.. والثانى أن كتلة الاستقرار التى قالت «نعم» لم يكن تصويتها لصالح الجماعة وسياساتها بل أملا فى تحسن الأحوال، وهو ما لم يحدث بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار.. والثالث أن الخروقات الفادحة فى عمليات التصويت تنال من مشروعية الدستور وتكشف فى الوقت ذاته أن الأرقام لا تعبر عن حقيقة التوجهات داخل الرأى العام.

 

الانتخابات النيابية قضية مختلفة، وإذا ما تمكنت «جبهة الإنقاذ» من تجاوز مشكلاتها الداخلية، وحافظت على وحدتها، فإنه يصعب تماما على الجماعة وأنصارها تجاوز حاجز الأغلبية فى أية انتخابات نيابية تخولها تشكيل حكومة لها صلاحيات واسعة وفق الدستور الجديد.

 

الجماعة تراهن على انشقاقات خصومها أكثر من رهاناتها على قدراتها فى كسب الانتخابات وفق قواعد النزاهة. مشكلة الجماعة هنا أن أحدا لا يصدق أنها سوف تجرى انتخابات نزيهة، ومشروع قانون الانتخابات مواده تتصل بما يمكن تسميته «التلاعب الاستباقى».

 

ذات مرة قال عضو بارز فى المجلس العسكرى قبل تسليم السلطة مباشرة للدكتور «محمد مرسى»: «أنتم تهاجموننا، لكننا نتمنى عليكم أن تتذكروا فيما بعد أن هذه آخر انتخابات نزيهة فى مصر». لم تكن الانتخابات الرئاسية نزيهة إلى هذا الحد، لكنها تبدو أفضل بكثير من الاستفتاء على الدستور الذى أشرفت عليه السلطة الجديدة.

 

الجماعة ــ مع ذلك ــ تتهيب الإسراع فى دخول الاستحقاق الانتخابى، فالأزمات الاقتصادية والسياسية المتفاقمة لا تناسب مصالحها الانتخابية، فالتزوير فضيحة والخسارة انتكاسة.. لكنها تقول إنها جاهزة بقوائمها، تلوح بأن تحصص (٤٠٪) لباقى أنصارها فى التيار الإسلامى، ثم تلوح فى التوقيت ذاته باتجاه آخر يدعو للتحالف مع «جبهة الإنقاذ» إن هى قبلت دخول «الحوار الوطنى» فى محاولة لاستنساخ تجربة «التحالف الديمقراطى» فى ظروف جديدة باسم تجنب الاستقطاب المدنى الدينى.

 

الأرجح أن تخوض الجماعة الانتخابات النيابية بتحالف مع بعض الجماعات الإسلامية الأخرى وأن تضع على قوائمها شخصيات يمكن أن تقول إنها مدنية فى رسالة جديدة إلى الغرب بأنها لا تسعى لتأسيس دولة دينية فى مصر!

 

مشكلتها هذه المرة أن هناك مرارات تراكمت عند بعض أنصارها، قد تدعوها لدخول الانتخابات بقوائم خارجها، أو الإصرار على حصص مرتفعة فى قائمتها تبتز أزمة الجماعة فى مواجهة منافسيها الأقوياء. قد يصعب الجمع بين سلفيين متعارضين، وقد يذهب «حازم أبوإسماعيل» للتحالف مع «عماد عبدالغفور» المنشق عن حزب «النور»، أو تدخل الجماعات السلفية المتناحرة فى تحالف مع الجماعة.

 

المصالح تتعارض بفداحة والجماعة يصعب عليها أن تتلاعب بحلفائها على النحو الذى نجحت فيه بالانتخابات النيابية السابقة.. والاحتمالات كلها مفتوحة.

 

اللعبة هنا كـ«الدومينو» أحجارها تتراص بطرق مختلفة وتتساقط بطرق أخرى.

 

المعضلة الكبرى فى المبارزة السياسية أن القوى التى تعارض الجماعة لا تمتلك بدورها حتى الآن مقومات أن تكون الجسد الرئيسى للوطنية المصرية، فما يجمع مكونات «جبهة الإنقاذ» هو الخوف على صورة المستقبل من سيناريو الدولة الدينية أكثر من الاتفاق على برامج ورؤى وتصورات. الشق الأول، يدعو للتوحد فهناك ما يخيف فعلا.. والشق الثانى، قد يفضى إلى تشققات وانشقاقات محتملة.

 

القوى السياسية تحتاج وقتا لإثبات جدارتها بالمستقبل.. و«جبهة الإنقاذ» فكرتها ولدتها الحاجة إلى التوحد السياسى فى معركة الدستور والاستفتاء عليه.

 

لم يكن هناك توجه مسبق لبناء جبهة سياسية موحدة تقارع الجماعة. تداعيات الأزمة وحدت المواقف. الشارع الغاضب استبقها غالبا وتكوينها المتعدد خفض من قدرتها على المبادرة، لكنها وفرت للتيارات المعارضة لأول مرة منذ عقود طويلة مرجعية وطنية عامة، لا ترقى حتى الآن إلى مشروع الجسد الرئيسى للوطنية المصرية.

 

لم يكن يتوقع أحد أن يمتد دور الجبهة إلى ما بعد معركة الدستور. ساد تصور أن تعود بعدها مكوناتها إلى سابق عهدها. لم يكن هناك اتفاق على ما إذا كان الأصح أن نقاطع الاستفتاء أم أن نذهب إليه ونقول «لا». كان هناك اتجاهان رئيسيان فى مداولات «الإنقاذ». أحدهما دعا إلى المقاطعة.. والآخر، دعا إلى «لا». الدكتور «محمد البرادعى» دعا إلى الخيار الأول و«حمدين صباحى» تبنى الخيار الثانى. حسم الخيارات لم تصنعه المداولات بذاتها، فالذى حسم هو نبض الشارع والضغوطات الواسعة من محافظات عديدة رأت فى نفسها القدرة على كسب معركة الاستفتاء، دخلت فى مواجهات وبلورت نفسها ورأت فى المقاطعة مغادرة لميدان التحديات.

 

كانت النتيجة السياسية الأهم فى معركة الاستفتاء تبلور «جبهة الإنقاذ» كقيادة موحدة كلمتها نافذة فى الطبقة الوسطى المدنية وداخل قطاعات الشباب واصلة إلى قوى اجتماعية رئيسية أخرى. لهذا المعنى الاجتماعى الصريح فإن أحدا من مكونات «الإنقاذ» ليس مستعدا أن يتحدث علانية حتى الآن عن إمكانية خوض الانتخابات بقوائم منفصلة، هناك تسريبات خافتة لمثل هذا الاحتمال تحت قاعدة «جبهة سياسية بقائمتين انتخابيتين». وهذا خيار يريح الجماعة ويخفض حظوظ المعارضة فى احداث توازن سياسى كبير داخل البرلمان، أو حصد الأغلبية فيه.

 

الفرصة سانحة حقا أمام المعارضة، فإما أن تدفع تكاليفها وتكون إنقاذا للبلد والديمقراطية معا، وإما أن تغوى نوازع خوض الانتخابات بقوائم منفصلة بعض أطرافها، وتكون الفرصة قد أفلتت