محاولة تحليل ظاهرة - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاولة تحليل ظاهرة

نشر فى : السبت 7 يناير 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 7 يناير 2017 - 9:50 م
إذا تتبعنا حياة العلماء المصريين في النصف الأول من القرن العشرين (وقد تحدثنا عن بعضهم في هذه المقالات) وقارنا حياتهم بنظرائهم المصريين في النصف الثانى من القرن العشرين لوجدنا ظاهرة تستوجب التحليل ومحاولة الفهم.

العلماء في النصف الأول من القرن العشرين كانوا يسافرون إلى الخارج للدراسة ثم يعودون إلى مصر ليبدعوا في الداخل كما أبدعوا في الخارج، أما علماء النصف الثانى من القرن العشرين فأغلب الذين يسافرون منهم للخارج لا يعودون ومن يعود منهم للوطن لا يبدع (إلا القليل منهم)، فلماذا؟ لماذا كان الرعيل الأول من علماء القرن العشرين المصريين يبدعون حين يعودون للوطن ولكن في النصف الثانى من القرن العشرين لم يكن الأمر كذلك خاصة أن الإمكانيات ووسائل الاتصالات أصبحت أكثر تقدماً بكثير؟

لا أدعى أنى أملك الإجابة الصحيحة أو الكاملة ولكنى أحاول في هذا المقال التفكير في كل الأسباب الممكنة والموضوع مطروح للتفكير في الأسباب ثم الحلول.
هناك عدة أسباب تتداعى إلى الذهن.

أولاً إتساع الهوة بين الدول المتقدمة علمياً والدول النامية نتيجة زيادة تعقيد العلم وإحتياجه لأجهزة باهظة الثمن قد لا يجدها العلماء عندما يعودون.

ثانياً العلم نفسه أصبح أكثر تعقيداً والإكتشافات العلمية تحتاج الآن إلى فرق عمل من العلماء وشخص بمفرده لا يستطيع المنافسة.

ثالثاً كثرة الأعباء المالية التي تثقل كاهل العلماء حين يعودون إلى أرض الوطن تجعلهم يعملون في عدة وظائف مما لا يترك لهم وقت كاف للبحث العلمى والذى يحتاج إلى تفرغ.

رابعاً كثير من الباحثين يريدون فقط لقب الدكتور ولا يكترثون بالبحث العلمى ولا ينشرون إلا في مؤتمرات محلية فقط من أجل الترقي في الجامعة وكفى وهذا كان بدرجة أقل في الرعيل الأول من القرن العشرين لأن السفر كان أصعب ومن يسافر ويتحمل تلك المشقة كان يريد العلم.

خامساً تكدس الطلاب في الجامعات جعل التعليم والبحث العلمى أصعب بكثير من النصف الأول من القرن العشرين حين كان عدد السكان أقل بكثير وإنعكس ذلك على جميع مناحى الحياة بما فيها الجامعة.

الآن وبعد أن استعرضنا أهم الأسباب لهذه الظاهرة فما هي الحلول الممكنة؟

فيما يتعلق بالتمويل فيجب أن يتدخل القطاع الخاص بالمشاركة مع الحكومة، الشركات تحتاج البحث العلمى لتطوير منتجاتها أو خدماتها وهنا يستطيع العلماء أن يساعدوا في هذا التطوير، وهذه هي المرحلة الأولى، المرحلة الثانية هي استخدام أبحاث الجامعة لإنشاء شركات تدر دخلاً بعضه يصب في البحث العلمى، هذا طبعاً غير التمويل الحكومى وهذا يستلزم زيادة ميزانية التعليم والبحث العلمى.

التعليم والبحث العلمى جزء مهم من الأمن القومى وليسا مجرد رفاهية! فالتسليح والخطط الحربية علم وتخطيط الطرق علم والصناعات بجميع أنواعها علم والزراعة واستصلاح الأراضى علم والصحة والتداوى علم والعلاقات بين الدول علم والإقتصاد علم بل والتخطيط لأى شيء علم ... فهل يوجد أهم من العلم للأمن القومى؟

النقطة الأخرى هي أن يتعلم العلماء كيفية العمل كفريق، معظم ما نراه هو الأستاذ المشرف ومجموعة من الطلاب ونادراً ما نرى مجموعة من الأساتذة تكون فريق علمى.

هذا يستلزم أولاً التدرب على كيفية العمل كفريق وثانياً نبذ حب الظهور لأن في العمل كفريق سينسب الفضل في أي إكتشاف علمى للفريق وليس لفرد.

إختيار الموضوع البحثى من أهم النقاط، الموضوع البحثى يجب أن يكون ذي أهمية للشركة الممولة أو ذي أهمية في حياة الناس في مصر وأيضاً يجب ألا يحتاج أجهزة باهظة الثمن، تحقيق هاتين الشرطين ليس سهلاً ويحتاج الكثير من التفكير و التخطيط.

طبعاً لن نتكلم عن من يريدون فقط لقب دكتور للحصول على مناصب أو مستوى إجتماعى مرتفع فهؤلاء ليسوا في زمرة العلماء من قريب أو بعيد حتى لو كانوا من أساتذة الجامعة!
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات