حكومة العراق المقبلة توافقية أم أغلبية.. وبرئاسة من؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكومة العراق المقبلة توافقية أم أغلبية.. وبرئاسة من؟

نشر فى : الإثنين 7 فبراير 2022 - 9:55 م | آخر تحديث : الإثنين 7 فبراير 2022 - 9:55 م
نشر موقع 180 مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان، تناول فيه مشكلة اختيار رئيس الوزراء العراقى لتشكيل الحكومة الجديدة، مشيرا إلى أن المعضلة الحقيقية هى إنهاء معاناة الشعب العراقى الذى همه الأوحد وجود حكومة ترعى مصالحه بدون تمييز... نعرض من المقال ما يلى.
منذ انتهاء العملية الانتخابية العراقية فى 10 أكتوبر 2021 وإعلان النتائج، دار جدل وانفتح نقاش وثار سجال بشأن الوجهة التى ستتمخّض عنها الاتفاقات والتقاطعات السياسية والتى على أساسها يتم تشكيل الحكومة، وبالتالى كيف يمكن رسم الخريطة السياسية الجديدة؟
بدأ الحوار داخل ما أطلق عليه ﺑ«المكونات» على الرغم من وعورته والحساسيات الخاصة بكل مجموعة، لكن السنيّة السياسية استطاعت أن تحرز تقدّما بتوحيد مسارها واختيار شكل جديد لوحدتها بعد صراعات واتهامات دارت بين أطرافها، بدأت بما هو سياسى ووطنى وانتهت بما هو شخصى وعائلى.
النجاح الذى أحرزته فى المقاعد الانتخابية دفع كتلتى العزم والتقدم للاتفاق على أن يكون محمد الحلبوسى رئيسا للبرلمان مرشّحا عن الكتلة، ويكون خميس الخنجر رئيسا للكتلة، وهو ما حصل، حيث فاز الحلبوسى بنسبة أصوات عالية فى البرلمان بتأييد من كتلة الصدر (سائرون) والحزب الديمقراطى الكردستانى (حدك)، فى حين قاطع الجلسة جزء من الشيعية السياسية والتى سمّيت لاحقا «جماعة الإطار»، وكذلك جزء من الإثنية السياسية الكردية المتمثّلة بالاتحاد الوطنى الكردستانى (أوك)، وهكذا تمكنت السنية السياسية الجديدة من تجاوز السنية السياسية التقليدية.
وإذا كان الخلاف قد ثار بشأن ما حصل فى الجلسة الأولى للبرلمان، فإن المحكمة الاتحادية حلّت هذا الإشكال وحسمت الأمر بقرارها يوم الثلاثاء 25 يناير 2022، وهو قرار قانونى وفنى ينبغى أن يخضع له الجميع، بردّ الدعوى واعتبار ما حصل فى جلسة افتتاح البرلمان قانونيا.
وبصدد التحالفات الشيعية ــ الشيعية، فقد برزت إلى السطح محاولات اتخذت عنوان إحياء ما سمّى بـ«البيت الشيعى» الذى تصدّع على نحو كبير، وكان أحمد الجلبى هو من دعا لتأسيسه لتكريس نظام المحاصصة والغنائم والزبائنية، واستمر الحال على ما هو عليه بين شدّ وحل حتى برز فى الساحة دور السيد مقتدى الصدر الذى دعا إلى أغلبية سياسية بعد فشل حكومات التوافق جميعها منذ العام 2003 ولحدّ الآن.
ومهّد الصدر قبل الانتخابات إلى اتفاقات أولية مع مسعود البارزانى (رئيس حدك) ومجموعة الحلبوسى (تقدم)، إضافة إلى انحياز كتل صغيرة وبعض المستقلين إلى جانبه، وهو ما يدعوه للتمسّك بفكرة الأغلبية السياسية.
ودخل الصدر فى حوارات حركية مكوكية مع الإطار الذى ضمّ كتلة نورى المالكى (دولة القانون) وهادى العامرى (كتلة الفتح) وحيدر العبادى (كتلة النصر) وكتلة السيد عمار الحكيم، إضافة إلى جماعات من الحشد الشعبى أو قريبة منه عملت فى كتلة الإطار الشيعية، لكن الخلاف ما يزال مستمرا حول فكرتين أساسيتين: حكومة التوافق أم حكومة الأغلبية؟ ومن هو رئيس الوزراء؟ لأن كتلة الإطار ترفض على نحو قاطع استمرار مصطفى الكاظمى رئيسا للوزراء، فى حين أن الصدر يمكن أن يقبل به أو يستبدله فى حال الاتفاق بشأن حكومة الأغلبية، والأمر عائد إلى توافقاته مع حدك ومع العزم والتقدم.

اختيار رئيس الوزراء
المعضلة الأساسية هى اختيار رئيس الوزراء، فعدا الكاظمى ليس هناك مرشّح مطروح على الساحة من جانب السيد الصدر، حتى وإن تردّدت أسماء بعض الشخصيات، لكن الحسم يتمّ بعد قطع الأمل بشأن توافق شيعى ــ شيعى، حينها سيتم الاختيار مع ملاحظة لرأى حدك والسنية السياسية (عزم والتقدم)، ولكن الثقل الأكبر سيكون فى الاختيار للسيد الصدر.
وإذا كان هذا أحد وجوه الصراع، فهناك وجه آخر إقليمى ودولى، إذْ ينبغى على المرشح أن يكون مقبولا إيرانيا وأمريكيا، ففى جميع الوزارات التى تم تشكيلها كان هذا الشرط حاضرا، بل معلنا أحيانا ولا يخفيه الفرقاء، لأن العراق منذ العام 2003 واقع بين محورين متصارعين ومتوافقين، هما إيران وأمريكا، تختلف مصالحهما وتلتقى فى نقاط محدّدة، لعلّ أهمها هو أن يبقى العراق ساحة لهما يلعبان بها حسب ما يروق لهما، فتارة يتّفقان وأخرى يختلفان، سواء حصل الأمر فى فيينا أو على الملف النووى أو دخل الحوثيون فيها أو كان لسوريا ولبنان ثقل فى المعادلة، مثلما من جهة أخرى هناك وزنٌ مؤثر لدول الخليج، ولا سيّما السعودية وقطر والإمارات وتركيا بحضورها أو غيابها، لكن ما هو معلوم هو أن الحسم يتم بينهما على اختيار رئيس الوزراء بتراضٍ من جانب القوى المشاركة فى العملية السياسية، ويقال عنه عبر مرجعية السيد السيستانى، التى لها هى الأخرى رأى نافذ فيما حصل، خصوصا عند عدم توافق الفرقاء من الشيعية السياسية.
هل هذا هو الهمّ الحقيقى للناس؟

يعانى الشعب العراقى منذ 19 عاما من انعدام الأمن أو من اختراقاته العديدة آخرها مجزرة ديالى، ناهيك عن معضلة الكهرباء المعتّقة، على الرغم من أن ما يزيد عن 80 مليار دولار قد صُرفت عليها دون جدوى، ويستمّر نقص الخدمات الصحية التى زادتها انكشافا لحد الفضيحة المدوّية ما حصل خلال اجتياح وباء كورونا، ونقص الخدمات التعليمية، حيث انحدر التعليم إلى درجة مريعة بانحطاط المستوى التعليمى، فضلا عن نقص الخدمات البلدية وكلّ ما يتعلّق بالبنية التحتية، واستمرار تفشّى البطالة وانتشار الأمية، وتفاقم ظاهرة الفساد المالى والإدارى وعمليات التزوير التى طالت جميع مفاصل الدولة، ناهيك عن المشاريع الوهمية والموظّفين الفضائيين «الوهميين» وانتشار السلاح والاحتكام إليه فى حلّ الخلافات السياسية، بل وقصف السفارات فى المنطقة الخضراء.
كلّ ذلك يجرى فى ظلّ نظام يشجّع دستوره القائم على ما يسمى بالمكونات على التقاسم الوظيفى الطائفى ــ الاثنى الذى يغطّى على مظاهر الخلل والأخطاء والعيوب والنواقص والثغرات والمثالب، لأنها جزء من الانحيازات المسبقة بالانتماء الطائفى أو الاثنى أو العشائرى أو الحزبى أو غير ذلك، فالكل يدافع عن مكوّنه حتى وإن كان فاشلا أو فاسدا، بالحق أو بالباطل.
وقد ورد مبدأ المكونات فى الدستور فى المقدمة (مرتان) وفى المواد 9 و12 و49 و125 و142، وهكذا اعتُبر المواطن جزءًا من مكوّن بدلا من مبدأ المواطنة الحرّة المتساوية حين يُفترض فى إشغال المواقع العليا فى الدولة «الوطنية» و«الكفاءة»، إلّا أن العكس هو السائد حين يُعتبر الانتساب إلى المكوّن الذى يقوم على «التبعية» و«الولاء» هو الأساس، فثمّة فروق كبيرة بين نظام يقوم على المواطنة والكفاءة وبين نظام يقوم على الزبائنية والمغانم.
تلك هى معضلة العراق الحقيقية وليس فى حكومة توافقية أم تشاركية أم تضامنية أم أغلبية سياسية أم أغلبية وطنية، فلا يهم المواطن أو المواطنة من يحكم، لكنه يريده نزيها وكفوءًا، لا يعنيه من أى دين أو طائفة يتحدّر ولأى عشيرة أو حزب ينتمى، متديّن أو غير متديّن، لكن عليه أن يراعى مصالح الناس ويضع خدمة بلده فى الصدارة، خارج دائرة الاستقطابات الإقليمية أو الدولية.
المواطن العراقى يريد حكومة لا تميّز بين المواطنين والمواطنات على أساس انتماءاتهم، بل أنها موجودة لحماية الجميع باحتكارها حق امتلاك السلاح واستخدامه، ولن يتم ذلك دون استعادة هيبة الدولة ونزع السلاح من القوى والعشائر خارجها وتحت أى مسميات، وفرض القانون على الجميع. ولعلّ تلك المعادلة ستبقى قائمة الآن وفى المستقبل إلّا أن استمرارها دون أن ترسو على حلّ سيفجّر الشارع مجدّدا كما حصل فى العام 2019 فى حركة تشرين الاحتجاجية، والتى راح ضحيّتها أكثر من 600 شهيد ونحو 20 ألف جريح دون محاسبة أو مساءلة أو أى محاكمات للقتلة أو من أوعز لهم القيام بذلك.
وهكذا كان المسئولون يتصرفون على هواهم طالما يشعرون أنه لا يوجد رادع لهم وأنهم مصونون غير مسئولين ويستطيعون الإفلات من العقاب، فى حين أن مجرّد إقامة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون حفلةً فى قصره فى فترة الحجر الصحى وتجاوزا على قواعد السلامة الصحية عرّضته لسيل من الانتقادات قد تؤدى إلى استقالته، فى حين أن من هاجم النجف والفلوجة والبصرة ومدينة الصدر (الثورة) والناصرية وكربلاء والعمارة وحركة تشرين وغيرها وقتل أعدادا من المتظاهرين السلميين ما يزال خارج دائرة المساءلة.

النص الأصلى:

التعليقات