كله عند العرب مؤسسات - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كله عند العرب مؤسسات

نشر فى : الأربعاء 7 يوليه 2010 - 10:14 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 يوليه 2010 - 10:14 ص

 انشغل العاملون فى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية خلال الشهور الماضية بإعادة النظر فى أوضاع العمل العربى المشترك، وبوجه خاص دور الأجهزة العاملة على المستوى الشامل (القمة، ومجلس الجامعة والمجلس الاقتصادى والاجتماعى). وبعد لقاءات ومناقشات ومداولات حول مقترحات تقدمت بها عدة دول، أعلن السيد الأمين العام أن الرأى استقر على عدم إلغاء الميثاق القائم للجامعة العربية أو تعديله بإلغاء بعض نصوصه أو تغييرها، واللجوء إلى إضافة ملاحق وبروتوكولات تحدث الميثاق وتطوره وتضيف إليه ويكون من شأنها أن تحل عمليا محل الميثاق كليا أو جزئيا مع بقاء الميثاق كوثيقة تاريخية ذات ثقل قومى.

ذلك أن الخيار الداعى لإجراء تعديل جذرى وشامل يستحدث مؤسسة جديدة تماما، رغم مزاياه، له عيوبه التى تكاد تجعل منه فرضا مستحيلا، لعظم تكاليفه وما يحدثه من شلل العمل العربى (النشيط!!)، دون ضمان لأن تكون النتيجة إيجابية. فلا مفر إذن من إجراء تعديل تدريجى فى إطار خطة شاملة وإطار زمنى واقعى يجعل من الممكن اتخاذ عدد من الخطوات الفعالة فى مجال التطوير، تطبق على أساس جدول زمنى تقرره القمة العربية المقبلة وتتابعه القمم التالية فى ظرف 3 إلى 5 سنوات مثلا.

والمشكلة أن الأمر لا يقتصر على جهاز الجامعة ذاتها، فهناك إلى جانبها 16 منظمة متخصصة، و12 مجلسا وزاريا عربيا. فهل نبقى على هذا النمط، المشابه لمنظومة الأمم المتحدة، رغم اختلاف التكوين والأهداف. وهل يدعو التعقيد المتزايد فى أمور الحياة الإنسانية إلى إضافة تنظيمات جديدة، مثل الإضافة الحديثة لمجلس وزراء المياه العرب؟ وفى كل الأحوال يظل السؤال قائما حول الجهة المسئولة عن دفع القرارات إلى حيز التنفيذ لكيلا تبقى كما هو معهود حبرا على ورق.

وفى هذا المجال يبرز اسم «مجلس جامعة الدول العربية» الذى كان الجهاز الوحيد الذى أقره بروتوكول الإسكندرية (أكتوبر 1944)، واعتمدته المادة الثالثة من ميثاق الجامعة، بينما دعت مادته الرابعة إلى أن يعاونه عدد من اللجان، يختص بأحد أوجه التعاون، ومنها لجنة للشئون الاقتصادية والمالية. وكان من الطبيعى أن تكون عضوية المجلس لوزراء الخارجية بحكم أن الجامعة كانت جهازا ينظم العلاقات البينية بين دول مستقلة.

ثم ظهر المجلس الاقتصادى بعد ذلك بخمس سنوات بموجب مادة فى معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى (1950)، التى رأت تعزيز الأمن العربى بالنص فى مادتها السابعة على تنظيم وتنسيق النشاط الاقتصادى للدول الأطراف والعمل على رفع مستوى المعيشة فيها.

وأوكلت عضويته للوزراء المختصين بالشئون الاقتصادية، أو من يمثلونهم عند الضرورة، لكى «يقترح» على حكومات تلك الدول ما يراه كفيلا بتحقيق تلك الأغراض، وما يلزم لذلك من اتفاقيات (وفى هذا السياق عقدت اتفاقية الوحدة الاقتصادية). ويبدو أن الشعور بعدم امتلاك المجلس بصورته تلك القدرة على إدارة دفة الشئون الاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة بعد استشراء قانون باركنسون، دعا مجلس الجامعة لإصدار قراره رقم 3552 فى 25/3/1977 بتحويله إلى «مجلس اقتصادى واجتماعى» يضم وزراء الدول الأعضاء المختصين ووزراء الخارجية أو من ينوب عن هؤلاء، لتمتد صلاحياته إلى أوجه النشاط المختلفة. وحددت مهامه بتحقيق الأغراض الاقتصادية والاجتماعية للجامعة وما يتصل بها مما نص عليه ميثاق الجامعة ومعاهدة الدفاع المشترك. وعهد إليه بمهمة الموافقة على إنشاء أى منظمة عربية متخصصة، والإشراف على حسن قيام المنظمات الحالية بالمهام الموكلة إليها.

وفى 22/05/2005 عدلت القمة السادسة عشرة فى تونس المادة الثامنة مرة أخرى بالاستعاضة عن وزراء الخارجية بوزراء تحددهم حكومات الدول الأعضاء أخذا فى الاعتبار طبيعة مهام المجلس وأهمية استمرارية التمثيل وفاعليته، كما وسعت نطاق الأغراض الاقتصادية والاجتماعية لتشمل ما يتعلق بأى اتفاقيات أخرى معقودة فى إطار الجامعة، ومنها اتفاقية مجلس الوحدة الاقتصادية العربية.

يذكر أن هناك مباحثات تجرى بين السيد محمد إبراهيم التويجرى الأمين العام المساعد للجامعة، والسفير محمد محمد الربيع الذى خلف الدكتور أحمد جويلى فى أمانة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، للتنسيق بين المجلسين (وهى قضية تناولناها 11/4/2009 بعنوان «بين مجلسين»). كذلك نظرت تلك القمة فى «وثيقة العهد» التى طرحتها عليها المملكة السعودية، وتعهد الرؤساء فيها بالالتزام بـ«تطوير الأجهزة والهيئات الإقليمية العربية المتخصصة وبرامج خطط عملها لضمان أداء دورها وفقا لمتطلبات واحتياجات الدول العربية». وأدخلت قمة الجزائر، مارس 2005 بعض التعديلات على ميثاق الجامعة، منها إنشاء البرلمان العربى، وتعديل أسلوب اتخاذ القرارات فى مجلس الجامعة، والمجلس الاقتصادى والاجتماعى، والمجالس الوزارية الأخرى العاملة فى إطار الجامعة.

وكالعادة غطت الجامعة فى نوم عميق، يبدو أنها بدأت تفيق منه بعد أن واجهت صعوبات جمة فى تنفيذ ما أقرته قمة الكويت التى خصصت للأمور الاقتصادية والاجتماعية والتنمية، فى أوائل 2009. وكما فعلت ليبيا فى محاولة نفخ الروح فى الجسد الأفريقى المتشرذم، أيدت اقتراحا يمنيا بإنشاء ما يدعى «الاتحاد العربى»، أهم ما يميزه رفع مستوى اتخاذ القرار إلى مجلس تنفيذى أعلى، يضم رؤساء الحكومات (لعلهم يتحركون فى نطاق حكوماتهم القطرية).

غير أن خبراء الأمانة العامة رأوا أن هذا يمكن تحقيقه عن طريق رفع هيبة المجلس الاقتصادى والاجتماعى، بعقده على مستوى رؤساء الحكومات ــ وحرصا على وضع رئيس الوزراء المصرى على مستوى أقرانه العرب ننصحه أن يغير عبارة «معالى» التى سبقت اسمه فى اللوحة الضخمة التى أعلنت رعايته للتقرير المحبط للشباب فى 27/6، إلى «دولة الرئيس»، بعد استصدار قانون بإعادة الألقاب، بما فيها صاحب المقام الرفيع.. أو الطويل ــ ولا بأس من أن يواصل السادة وزراء الخارجية أعمالهم حرصا على استمرار العمل فى مسائل سياسية حساسة، خاصة أن مجلس السلم والأمن العربى يتبعه.

وبناء عليه اقترحت ورقة العمل التى أعدتها الأمانة العامة حول تطوير منظومة العمل العربى المشترك للعرض على الدورة الاستثنائية للقمة العربية المقرر عقدها فى أكتوبر المقبل فى مدينة سرت الليبية، تغيير اسم جامعة الدول العربية إلى اتحاد الدول العربية (الاتحاد العربى)، مع تغيير اسم «القمة العربية» إلى «المجلس الأعلى للاتحاد»، وجعل التمثيل فى المجلس الاقتصادى والاجتماعى على مستوى رؤساء الحكومات أو من فى حكمهم، بالإضافة إلى إعادة تأهيل مجلس السلم والأمن العربى. ولما كان فوق كل رئيس رئيس، فعلينا أن نوجد ما يشغل السادة الملوك والرؤساء (حرصا عليهم من نجاسة اليد البطالة) بعقد دورتين سنويا للمجلس الأعلى للاتحاد (القمة)، مع إمكان عقد دورات نوعية. كما اقترح إقرار مبدأ تعيين مفوضين لملفات محددة يتولونها.

لكن تبقى الحاجة إلى قائد عام.. فلا بد من أن يتعاظم دور الأمين العام (أمين لأى شىء؟!) ليصبح «بوابة» للمقترحات والمشاريع، وللأقوال كمتحدث رسمى. وما دمنا بصدد التطوير فلابد من تعزيز البرلمان العربى وإنشاء محكمة عدل. كما يجب أن نعيد الحديث عن منطقة التجارة الكبرى والاتحاد الجمركى، وبالمرة بنك مركزى عربى.

على أن الغريب أن وزير الخارجية المصرى نسب إلى الرئيس مبارك رفضه مسمى «الاتحاد العربى» وفضل تسميته «اتحاد جامعة الدول العربية» تأكيدا لأهمية الحفاظ على مسماها الأصلى «باعتباره جزءا من إرثها التاريخى ومكونا من مكونات هويتها التى تشكلت عبر عقود»، إن لفظ اتحاد يعنى تنظيما يضم عددا من المكونات المتشابهة، على غرار اتحاد الطلبة، أو الاتحاد الجمركى، وهى فى حالتنا دول عربية، وهو نفس ما تعنيه كلمة «جامعة». هل هو تمسك بالقديم ولو على حساب التعبير العلمى السليم لمجرد تطبيق مبدأ «ادى له حاجة» على المستوى العربى، بعد المصرى؟ ألم نقل «كله عند العرب اتحاد.. شريطة ألا يكون عربيا»؟ (الشروق، 19/8/2009).

إن القضية ليست حشد أو إعادة تسمية مؤسسات، ولنا فى ذلك حديث آخر.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات