نوبل - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 6:08 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نوبل

نشر فى : السبت 7 أكتوبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 7 أكتوبر 2017 - 9:50 م

في مثل هذا الوقت من كل سنة تعلن لجنة نوبل عن الفائزين بهذه الجائزة الرفيعة ومن يستقبل مكالمة سكرتير اللجنة قبيل الفجر بقليل (بتوقيت الساحل الشرقي الأمريكي حيث أن أغلب من حصدوا هذه الجائزة يقيمون في أمريكا في العصر الحديث) تتغير حياته للأبد ... ومن القصص الطريفة هنا والتي كنا قد ذكرناها في مقال سابق في سياق آخر أن الفيزيائي الفذ ريتشارد فاينمان حين جاءته تلك المكالمة ظن أن أحد الطلبة يداعبه، حدث ذلك مرتين ومع المكالمة الثالثة أدرك فاينمان أن الخبر حقيقي! من الطريف أيضاً ومع الفارق الشاسع بين الموقفين عندما جائتني مكالمة في منتصف الليل أثناء دراستي للدكتوراه من أحد زملائي وكان يحضر مؤتمراً في الساحل الغربي (3 ساعات فارق توقيت عن الساحل الشرقي الأمريكي) وقال أن بحثاً لي حصل على جائزة أفضل بحث في ذلك المؤتمر (وكان أستاذي المشرف في المؤتمر وقدم البحث) ... فما كان مني إلا أن أغلقت الهاتف في وجهه!!

مقالنا اليوم عن نوبل ... ما لها وما عليها وما لنا بها ...

 

نشر مقال بتاريخ 3 أكتوبر 2017 في مجلة The Atlantic  العريقة عن جوائز نوبل، هذا المقال مثير للجدل (بالمعنى الطيب للكلمة) وأحببت أن نناقشه هنا، عنوان المقال هو

"The Absurdity of the Nobel Prizes in Science" أو بترجمة غير حرفية (التأثير السئ لجوائز نوبل على العلم)!

 

يناقش الكاتب أن حصر تلك الجوائز في عدد قليل من الأفراد (ثلاثة كحد أقصى في كل فرع) يبخس الأخرين حقهم، مثلاً من حصلوا على الجائزة هذا العام في الفيزياء كانوا ضمن فريق كبير في LIGO Project  استغرقت كتابة أسماء المشاركين في البحث ثلاث صفحات! قد تقول ولكن هؤلاء الثلاثة هم الأساس، هنا (والكلام لي وليس لكاتب المقال) يجب أن نتذكر أننا في عصر أصبح فيه العلم من التعقيد بحيث أن شخص واحد يكتشف شيئاً عظيماً أصبح شيئاً نادراً جداً فاليوم العلم هو عمل فرق بحثية وفرق بالمعني الحرفي وليست إمبراطورية على رأسها شخص واحد (لقد تجاوزنا تلك الحقبة أيضاً)، إذا كان هناك بحث  عن إكتشاف عظيم وعلى البحث إسمان: الأستاذ المشرف والطالب فهل ستعطي نوبل للأستاذ بإعتبار أنه صاحب الفكرة وتتجاهل الطالب؟ من أدراك أنها لم تكن فكرة الطالب من الأساس ولكن الأستاذ المشرف عن طريق نفوذه حصل على الترشيح ثم الجائزة؟ فمثلاُ حصل سلمان واكسمان (Selman Waksman) على جائزة نوبل في الطب عام 1952  لإكتشافه المضاد الحيوي ستريبتوميسن ولم يحصل عليها طالبه لدراسات ما بعد الدكتوراه ألبرت شاتز (Albert Schatz) صاحب الإكتشاف الأصلي وهناك الكثير من هذه الحوادث (ومن حاصلين على نوبل وأرادوا أن يحصلوا عليها مرة ثانية) حيث يحاول بعض الأسماء الكبيرة الحصول على الفوز الكبير ويأتي الكاتب بعدة نماذج عن باحثين وصلا لنفس الإكتشاف معاً ولكن أحدهما فقط حصد الجائزة ... ويقترح كاتب مقال مجلة The Atlantic  أن تعطي اللجنة الجوائز لمجموعة بحثية أو مؤسسة (مثلما يحدث في بعض الأحيان في جائزة نوبل للسلام) وأنا أضم صوتي لصوت كاتب المقال في هذا الإقتراح... بل وأزيد أن يحصل عليها من مات أيضاً فقد حصل جيمس واطسون وفرانسيس كريك على نوبل لإكتشاف تركيب الDNA ولم تحصل عليها روزالين فرانكلين لأنها ماتت قبل حصولهم على الجائزة بأربع سنوات ولكنهم لم يكونوا ليصلوا لإكتشافهم بدون مجهوداتها.

 

قد يقول قائل أن اللجنة تنفذ قرارات وصية ألفريد نوبل نفسه ولكن الوصية تقول أن الجائزة تُعطى للشخص (وليس الأشخاص) الذين وصلوا لإكتشاف كبير في السنة الماضية (وليس منذ سنوات عدة) إذا فاللجنة قد عدلت في الوصية عندما تعطي الجائزة لعدة أشخاص (ثلاثة على الأكثر) على إكتشافات قد يكون مر عليها أكثر من عشرون عاماً ... فلنغيرها مرة أخرى إذا!

 

نقطة أخرى ناقشها المقال أن الحصول على نوبل يجعل الحاصل عليها مقدساً ويقبل كلامه بدون مناقشة وتقبل أغلب أبحاثه في الدوريات العلمية ويعطي الكاتب عن أمثلة من الحاصلين على جوائز نوبل صنعوا أشياء لو صنعها آخرون لدخلوا السجن! وحل ذلك ليس في يد لجنة نوبل ولكن في يدنا نحن فلا يجب أن نقدس أحداً ... أينشتاين عندما أصبح عضواً في Institute of Advanced Studies كان قد مر على حصوله على نوبل أكثر من ربع قرن وأصبح غير مطلع على أحدث الأبحاث (كما يقول معاصروه)  وهو نفسه يقول أن تعيينه كان لإعطاء مكانة للمكان فقد قال عنه فريمان ديسون في هذه المرحلة "كنا نحترمه ونجله ولكن لم يعد هناك ما نتعلمه منه" ... إذا فالعلم الحقيقي لا يعترف بالجوائز.  

 

ماذا نفعل نحن في مصر في عصر جوائز نوبل هذا؟ أعتقد أننا إذا تعهدنا مجموعة من شباب الباحثين بالرعاية ووضعنا هدف الحصول على نوبل نصب أعينهم وسميناهم جيل نوبل أو مشروع نوبل فذلك ليس هو الطريق الصحيح ...  لعدة أسباب ... الأول أن العالِم أو الباحث الحقيقي يعمل من أجل كشف الحقيقة فهو باحث عن الحق كما كان يقول أستاذنا الدكتور مشرفة في كتابه "العلم الحياة" وليس من أجل الجوائز ... الجائزة قد تأتي بعد ذلك لتتوج مجهوداته أو قد لا تأتي في حياته ويتوجه التاريخ (كما حدث مع نيكولا تسلا الذي مات فقيراً وتمتع توماس إديسون بثمار إختراعاته!) ولكن إذا كنا نعلمهم من البداية أنهم إنما يعملون من أجل الجائزة فذلك "بيزينس" وليس علم ... بعد أن يتوصلوا إلى إكتشاف كبير موثق ومنشورفي دوريات دولية كبيرة وتم التأكد من هذا الإكتشاف من مجموعات بحثية مختلفة عندئذ فقط يمكن أن نجند مجموعة علاقات عامة لتساعد في التعريف بهم وترشحهم للجائزة (فالجوائز الكبرى لا تأتي هكذا وتحتاج ترشيح وعلاقات حتى وإن كانت علمية) إذا فالكلام عن الجوائز يأتي بعد وليس قبل وللتحفيز أساليب أفضل، قد تقول ولكننا نفعل ذلك مع الفرق الرياضية عندما نضع بطولة أو حدث معين كهدف لهم، الوضع هنا مختلف لأن الفرق الرياضية تلعب أساساً من أجل الجوائز وتُعتبر من أدوات الترفيه والحماس للشعوب (لا تقول لي أنك تلعب رياضة عندما تشاهد مباراة لكرة القدم ... أنت فقط "بيتحرق دمك!!")  فالهدف مختلف: العلماء يبحثون عن الحق والرياضيون يبحثون عن الجوائز.

السبب الثاني ضد فكرة "جيل نوبل" أنه إن لم يحصل هؤلاء الشباب على جائزة كبرى فستحدث لهم صدمة كبيرة قد لا يستطيعون استكمال مسيرتهم بعدها.

السبب الثالث هو ما هي أولوياتنا في مصر الآن؟ الأولوية للتعليم بجميع مراحلة وللثقافة ثم تأتي مرحلة الجوائز للأجيال القادمة ... جوائز نوبل تُعطى في العلوم الأساسية وتحويلها إلى تكنولوجيا نافعة يحتاج سنوات عديدة وأموال طائلة ونحن حالياً ليست عندنا تلك الرفاهية فالأولوية لتحسين التعليم والثقافة ثم دفع عجلة التكنولوجيا عن طريق تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة والأبحاث المتعلقة بالعلوم التطبيقية ثم بعد ذلك تأتي العلوم الأساسية...

 

ما رأيك أنت؟

 

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات