تزكية الإنسان 1- التواضع العملى - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تزكية الإنسان 1- التواضع العملى

نشر فى : الجمعة 7 نوفمبر 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 نوفمبر 2014 - 8:45 ص

قلنا إن التزكية تمر بأربع مراحل، هى: التطهير والتغيير ثم التكميل والتحسين، والإنسان مُكون من جسم ونفس وعقل، فكما يُنظف الإنسان جسده مما يناله من غبار الجو وعرق الحر فيزيلهما بالماء، فلابد للإنسان من تطهير نفسه مما يزحف إليها من قصور وغرور.

فالغرور يملأ النفس زهوا حتى تظن قدرتها وصلاحيتها وسموها فوق الآخرين، فهذا يسبب القعود عن تعديل الخطأ أو استكمال الصواب، وحالما تنتهى النفس المغرورة إلى فراغ وضياع، فها هو المغرور قد استعلى على من حوله وها هو لا يرى حقيقة نفسه فأصبح لا يدرى ماله وما عليه ولا يعرف كيف يخرج مما هو فيه.

لهذا يُلهم الله جل جلاله «نفس الإنسان» من القوى والقدرات ما يستطيع بها تغيير حاله، لكن القوة الممنوحة والموهوبة تجعل الإنسان قادرا على فعل ما ينفع وعلى ما يضر.

-2-

فالبصر قوة إدراك ترى بها كل ما يخصك فتراجعه وتصححه فتكون على نفسك بصيرا، وأيضا تستطيع أن تختلس النظر إلى ما ليس لك من عورات الناس أو خصوصياتهم، وعندئذ تسول النفس لصاحبها أن يعتدى ويقتنص ما رآه رغم أنه لا يملكه ولا حق له فيه، وهنا تتهاوى دركات السقوط من مجرد اختلاس النظر إلى الشىء إلى محاولة اختلاس الشىء نفسه وامتلاكه، إلى محاولة العدوان على من يحول بينك وبين ما تريد، ومع ذلك وفى نفس الوقت تكون النفس قد أهملت وتناست ما عليها لأنها قد انشغلت بما ليس لها، وتتابع دركات الهبوط من تناسى ما عليك إلى إهماله ثم الاستهانة به، إلى الاحتياج لمن يؤدى واجبك بدلا منك، إلى نسيان مهاراتك وعدم تطويرها ثم إلى ضياع دائم.

ثم تزداد المهالك فتنزلق من العدوان على الناس إلى العدوان على شريعة رب الناس إلى التمادى فى معصية الله إلى التعرض للصدام مع من اعتديت عليهم من صراع إلى تهديد دائم إلى وقوع فيما حذرك الشرع منه!

-3-

لماذا كل هذا؟ لأن الإنسان لم يهذب نفسه؟ وما أيسر تأديب النفس إذ لا يحتاج الإنسان فى تأديب نفسه إلا لمعيار واحد هو أن يضع نفسه مكان الناس فيعاملهم بما يُحب أن يعاملوه به، ويسأل نفسه كثيرا قبل أن يفعل، ماذا لو فعل الآخرون ما تنوى أن تفعله بهم؟!

فأول قواعد تأديب النفس تلقينها وتعويدها أنها «جزء من كل»، وأنها «لا تعلو على احد ولا تتناقص عن أحد» فلا استعلاء على الآخرين، ولا استضعاف أمامهم.

أما القاعدة الثانية فهى قاعدة فطرية أيضا فحينما يقول الإنسان لنفسه هل تستطيع العيش بمفردك؟ هل يمكنك إيجاد وإعداد وتجهيز طعامك وشرابك وملبسك ومسكنك ودوائك بمفردك؟! وسوف تجيب النفس الصادقة: كيف هذا؟ لا أحد فى الدنيا يستطيع الاكتفاء بنفسه والاستغناء عن الآخرين.

وهذا هو المطلوب فما دامت النفس لا تستغنى عن عمل وإنتاج الآخرين فماذا عندك أيتها النفس لتقدميه للآخرين مثلما قدموا لك؟

فإنك أيتها النفس مثيلة لغيرك، فعليك أن تعطى كما تأخذين، وكما تقولين ويسمع لك الآخرون، عليك أن تنصتى لما يقوله الآخرون وتتحاورى معه بجد واهتمام.

-4-

لذلك كثيرا ما وجه القرآن الكريم الإنسان إلى تأديب نفسه وإعدادها لمكانتها (يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)، هل نسيت أنك مخلوق كسائر المخلوقات، لماذا تستعلى عليها؟ هل نسيت أنك تعيش بمجهودات غيرك؟ فأين مجهودك مثلهم حتى تستوى معهم؟

(بَلِ الْإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) مادام لك سمع وبصر تراجع بها الناس، لماذا لا تراجع حقيقة نفسك؟

(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) فما دامت تحب الخير لنفسك فلماذا تُحب الشر للآخرين؟

(إنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعا) فما دامت بعض الظروف تُخيفك وتزعجك فهل تتراجع عن إزعاج الناس؟

(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) لاتحمل غير تبعات تقصيرك وإهمالك، حتى لا يحملك الناس مثلما حملتهم ويتفاقم الإهمال والسلبية وتزول الدول والحضارات.

(.. وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولا) لا تتعجل بل تأنى وتفكر فيما تريد عمله قبل الإقدام عليه، فإن التروى والتفكير يفتح أبواب الصواب والنجاة.

يُتبع.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات