«الجد القذر».. يبتهج بالحياة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 6:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الجد القذر».. يبتهج بالحياة

نشر فى : الإثنين 8 فبراير 2016 - 10:05 م | آخر تحديث : الإثنين 8 فبراير 2016 - 10:05 م
لفت نظرى امتلاء صالة العرض بشباب حديث السن، وفاجأنى تجاوبهم مع الفيلم، وإعجابهم بشخصية الجد، ديك كيلى، بأداء المخضرم الموهوب، المتجدد، روبرت دى نيرو.. طبعا، اسلوب دى نيرو الساحر، بحساسية ملامح وجهه الذى يعبر بها عن الانفعالات المتباينة والمركبة، المكبوتة والمنطلقة، من أسباب الاعجاب بالعمل، لكن الانبهار به، فى تقديرى، يرجع إلى ابعاد الشخصية التى يجسدها، والتى أبدعها كاتب السيناريو، جون فيليبس، المتفهم لروح الكوميديا، والذى نسف، بجرأة، الصورة الراسخة، المتداولة للجد، وعلاقته مع حفيده، جيسون كيلى «راك إفرون».

عادة، يظهر الجد، فى السينما الأجنبية، وعندنا، كرجل طيب، وديع، يحنو على الجميع، متمسك بالمبادئ والقيم الأخلاقية، متعفف، رقيق الحاشية، يقدم نصائحه لأبنائه، خاصة الشباب، حيث التهور، والجموح، والميل للتمرد على السائد والمألوف.
هنا، تنقلب الأوضاع تماما، وبالتالى، تتدفق المفارقات الكوميدية: الحفيد، جيسون كيلى، شاب هادئ، ملتزم، مهذب، يحتكم للعقل، متطهر.. وهو فى كل هذا، يتناقض تماما مع خصال جده، الصاخب، المتهور، فالت العيار، ويستسلم لرغباته ونزواته بحماس، لا يقيم وزنا لعواقب الأمور، لا يتورع عن الإتيان بتصرفات صبيانية، مغامر، لا يخلو من نزعة مراهقة، يخفق قلبه إزاء الجنس الناعم.. وأظن أن هذه السمات هى التى جعلت الشباب المتابع للفيلم، لا يعجبون به وحسب، بل يهيمون بخصاله، ذلك أنه يماثلهم على نحو أو آخر.

تحاشى كاتب السيناريو، بذكاء، تدشين سلوك الجد، وفى ذات الوقت، لم يدنه.. لكنه فسر سلوكه، برحابة، وبالتالى، أنقذ الفيلم من اهتمام بالترويج لقيم غير أخلاقية، فضلا عن منحه لمسة إنسانية رقيقة، ايجابية.

الجد، رحلت زوجته حديثا، بعد زواج ناجح طوال أربعة عقود، تركته وحيدا، فيما عدا ابنه الوحيد الذى لا نكاد نراه سوى مرة واحدة أو مرتين، ذلك أن العلاقات بينهما لم تكن على ما يرام، بسبب اعتراض الجد على زواج المصلحة الذى أقدم عليه ابنه منذ زمن، الأمر الذى يحاول بطلنا على ألا ينزلق فيه حفيده المحامى، الطامح للزواج من ابنة صاحب المكتب الذى يعمل به، أملا فى أن يغدو شريكا فى المؤسسة، وليس مجرد أحد موظفيها.. الزواج، عند الجد، علاقة إنسانية، قائمة على المحبة والإخلاص، وليس صفقة، وهو يؤكد، المرة تلو المرة، أنه لم يخن زوجته أبدا، وقبل رحيلها، أوصته أن يعيش حياته، وان يبتهج بما تبقى له من سنوات.

الحفيد، بمصاحبة الجد، يذهبان إلى كاليفورنيا، حيث يكتشف الحفيد المحافظ، ما تنطوى عليه عبارات جده من بذاءة، اكتسبها، فيما يبدو، من سنوات انخراطه مجندا، فى «قشلاقات» الجيش، بالإضافة لمتابعة بنيانه، واستجابته الفورية للتحدى، والمواجهة.
المخرج، دون مازرن، ينتهز فرصة الوصول إلى شواطئ كاليفورنيا، وفنادقها، وملاهيها، ليقدم عشرات المشاهد للجميلات، بملابس البحر، يمرحن، يتقافزن، كأنهن يحتفلن بالحياة.. تتوالى المواقف، من دون أحداث، ومع تزايدها، يشعر المرء أن المخرج يتجه بفيلمه اتجاها تجاريا، حيث يسرف فى تقديم ما يرضى عين المراهقين من الشباب.

موقف واحد، عميق ومؤثر، لكن، سريع ومتعجل، يتجلى حين يزور الجد، مع حفيده، أحد زملاء الجيش القدامى، يجده قعيدا فوق كرسى متحرك وقد فقد الذاكرة.. إنه ذات الموقف القوى الذى طالعنا، بين عادل إمام وسعيد صالح، فى «زهايمر» لعمرو عرفة ٢٠١٠، وأظن ــ وليس كل الظن إثم ــ أن الموقف، فى الفيلم الأمريكى، منسوج على منوال الفيلم المصرى، والحق، بدون مغالاة، أرى درجة الإشباع فى «زهايمر»، بالنسبة لهذه النقطة بالتحديد، أفضل من «الجد...».
قلب «الجد..» عامر بعشق الحياة، يخفق حبا وإعجابا بشابة سمراء.. ومع ظهور عناوين وأسماء النهاية، يظهر روبرت دى نيرو، ومعه السمراء، يحملان طفلا وليدا، ويطلب من حفيده مصافحة «جدته».. أى أنه تزوجها، وأنجبت له، محطما، بإرادة من فولاذ، حطام الشيخوخة، مؤكدا فكرة الفيلم الذى يبدأ بصلاة على راحلة داخل صندوق، وينتهى بوليد جديد.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات