ناجى العلى - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ناجى العلى

نشر فى : الجمعة 8 سبتمبر 2017 - 10:25 م | آخر تحديث : الجمعة 8 سبتمبر 2017 - 10:25 م

فى 22 يوليو عام 1987 أطلق مجهول رصاصة على ناجى العلى ــ فنان الكاريكاتير العربى الفلسطينى ــ وهو فى طريقه إلى مكتب صحيفة «القبس» الكويتية بلندن؛ فأصابته فى صدغه نُقل على أثرها إلى المستشفى وتوفى فى 29 أغسطس من العام نفسه عن عمر يناهز الخمسين متأثرا بجرحه ولقد مر على اغتياله ثلاثين عاما.
لقد كان ناجى العلى ــ لمن لا يعلم ــ رسام كاريكاتير من الطراز الأول، كانت رسوماته ممنوعة تماما من النشر فى مصر ــ فى أيام حكم السادات وحسنى مبارك ــ وفى معظم الدول العربية رغم أنه كان يدافع عن القضية الفلسطينية إلا إنه وهو يدافع عن القضية الفلسطينية كان يدين الاستبداد العربى من الحكام العرب ويدين مهادنة إسرائيل.
فى عام 1948 بعد هزيمة العرب أمام إسرائيل واحتلال إسرائيل لفلسطين، هاجرت أسرة ناجى العلى ومعهم طفلهم ناجى إلى جنوب لبنان وعاشوا فى مخيم عين الحلوة وكان عمره حينئذ عشر سنوات، ومن يومها لم يعرف الاستقرار طوال حياته فقد اعتقلته السلطات الإسرائيلية وهو صبى صغير بتهمة مقاومة الاحتلال لكنه لم يخف أو يرتعب وعاش طوال حياته يرسم على جدران زنزانته الإسرائيلية، كما يرسم على زنزانته العربية لأن الجيش اللبنانى كان دائم الاعتقال له. حصل على شهادة ميكانيكا السيارات من طرابلس، وتزوج من وداد صالح نصر الفلسطينية من بلدة صفورة وأنجب منها أربعة أولاد هم خالد وأسامة وليال وجدوى.
فى عام 1959 انضم ناجى العلى إلى حركة القوميين العرب لكن قيادات الحزب رفدته أربع مرات خلال عام لعدم التزامه الحزبى بين عامى 1960 ــ 1961، وفى أثناء وجوده مع الحركة بدأ جريدة سياسية حررها بخط يده وأطلق عليها «الصرخة». فى عام 1960 التحق بأكاديمية الفنون فى لبنان لكنه لم يُكمل دراسته لأنه كان يُسجن كثيرا بسبب أنشطته السياسية المتنوعة وجراءته فى النقد وتناول موضوعاته، فى تلك الأثناء قام غسان كنفانى ــ الفلسطينى الأديب والكاتب الصحفى الشهير ــ بزيارة مخيم عين الحلوة ورأى بعض رسومات ناجى العلى فأعجب بها جدا، وقام بنشرها فى جريدة الحرية ببيروت فى 25 سبتمبر 1961 حيث كان المحرر الأدبى لها، وهكذا ظهرت رسومات ناجى العلى فى الصحافة العامة. وفى عام 1963 رحل ناجى العلى إلى الكويت على أمل أن يدخر بعض المال يسمح له بالدراسة فى القاهرة أو روما، فعمل كمراجع ومدقق ومصمم ورسام كاريكاتير فى جريدة الطليعة.
فى عام 1968 عمل فى صحيفة السياسة وخلال تلك الفترة عاد عدة مرات إلى بيروت. فى عام 1974 بدأ العمل فى صحيفة السفير اللبنانية حيث سنحت له الفرصة أن يعود إلى لبنان لفترة طويلة. عندما قامت إسرائيل عام 1982 بغزو لبنان تضامن ناجى العلى وتعاضد مع قاطنى مخيم عين الحلوة ضد الاستعمار الإسرائيلى.
فى عام 1983 عاد مرة أخرى إلى الكويت ليعمل مع جريدة القبس. فى عام 1985 انتقل إلى لندن ليعمل على النسخة الدولية للجارديان حتى وفاته عام 1987، وقد وصفته جريدة الجارديان بأنه «أكثر وأقرب من عبر عن الرأى العام للعالم العربى».

***

كتب ناجى العلى فى حياته ثلاثة كتب وضع فيها معظم رسوماته الكاريكاتورية 1976، 1983، 1985، وكان يعد للكتاب الرابع لكنهم اغتالوه قبل أن يصدره إلا أن خالد الابن الأكبر له أعاد إنتاج رسوماته فى عدة كتب من مصادر مختلفة وتم ترجمة العديد منها إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى.
فى عام 1979 انتخب ناجى العلى كرئيس لاتحاد فنانى الكاريكاتير فى العالم العربى. فى عام 1980 فاز بالجائزة الأولى فى مهرجان الكاركاتير العربى فى دمشق وجائزة القلم الذهبى للحرية من الاتحاد العالمى لناشرى الصحف.
رسم ناجى العلى فى حياته أربعين ألف رسم كاريكاتورى معظمها يتعامل مع القضية الفلسطينية بدءا من الآلام واللجوء والمقاومة للشعب الفلسطينى الحر منددا بالاستعمار اليهودى الصهيونى الإسرائيلى، وقادة فلسطين والعالم العربى. وقد كان موقفه من قادة فلسطين (منظمة التحرير وباقى المنظمات) والحكام والرؤساء العرب يسبب لهم حرجا واضحا أمام شعوبهم والعالم بسبب تخاذلهم معبرا عن نفسه بمنتهى الوضوح والصراحة والحدة، فهو لم يكن يساوم على قضيته بأى شكل من الأشكال، بل كان يكشف تواطؤ الحكام العرب والقيادات الفلسطينية مع إسرائيل وأمريكا، وقد تلقى تهديدات كثيرة بالقتل ليس من أفراد لكن من مخابرات دول لكنه لم ينثن أو ينحن أمام أموال أو وظائف ولم يهادن إطلاقا. لذلك كان كل إنتاجه ممنوعا من النشر فى مصر بأى شكل من الأشكال بل ومطاردا، وجاء فيلم ناجى العلى 1990 بطولة وإنتاج نور الشريف الذى انفعل بحياة وكفاح واغتيال ناجى العلى وتفاعل معه المخرج عاطف الطيب والمؤلف وليد الحسينى ليعيده حيا إلى المشهد وبقوة، ولقد جسد نور الشريف دور ناجى العلى بحرفية شديدة وكان الفيلم فيه أكثر من جزء يدين ياسر عرفات وقادة حماس ورؤساء عرب ويظهرهم خائنين للقضية الفلسطينية. يقول نور االشريف عن الفيلم: «قدمت ناجى العلى فى فيلم هو فى الحقيقة فيلم عن الوطن والحرية وأنا مرتاح الضمير»، وبمجرد أن سمع ياسر عرفات عن الفيلم ركب الطائرة وجاء لمبارك وطلب منه ألا يُعرض الفيلم فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى، وكانت دول الخليج قد أعلنت مقاطعة الفيلم وكذلك رؤساء الدول وهذا يعنى خسارة ضخمة لنور الشريف. وانهار نور الشريف واعتبر أن هذه هى نهايته وفكر أن يهاجر من مصر لكن مبارك أنقذ نور الشريف ورفض طلب ياسر عرفات وعرض الفيلم فى افتتاح المهرجان ولاقى قبولا جماهيريا؛ لأن الجماهير كانت ضد كامب ديفيد ومع القضية الفلسطينية، ثم طلب مبارك من الرؤساء وملوك الخليج أن يرفعوا الحظر عن اسم نور الشريف وهو ما حدث بالفعل.

***

قرأت مؤخرا من أكثر من مصدر أن هناك محاولة بريطانية هذه الأيام لفتح تحقيق جديد فى الحادث حيث تشير أصابع الاتهام إلى عدة جهات من أهمها الموساد الإسرائيلى ومنظمة التحرير الفلسطينية، كانت شرطة إسكتلنديارد اعتقلت وقتها على اسماعيل صوان وكان باحثا فلسطينيا من القدس، وعمره 28 سنة ويعمل فى جامعة «هل» وقد وجدت الشرطة فى منزله أسلحة ومتفجرات للقيام بأعمال إرهابية إلا أنهم لم يستطيعوا ربطها باغتيال ناجى العلى ووجهت له تهمة امتلاك أسلحة. وجدت الشرطة بعد ذلك أن الاستخبارات الإسرائيلية «الموساد» كان لها عميلان مزدوجان فى بريطانيا يعملان أيضا لمنظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل فى نفس الوقت، لم تثبت علاقات الموساد المباشرة بالاغتيال. لكن مارجريت تاتشر ــ لتى كانت رئيسة وزراء بريطانيا حينئذ ــ طردت ثلاثة دبلوماسيين إسرائيليين كانوا يعملون فى السفارة بينهم ملحق عسكرى اعتبر مسئولا عن العميلين المزدوجين، وترى إسكتلنديارد أن هناك أدلة جديدة تستحق إعادة فتح التحقيق منها مقابلة تمت بين أحد قادة منظمة فلسيطينية هامة يطلب منه التوقف لكنه تركه ومضى.

***

من أهم ما أبدع ناجى العلى بل الأهم شخصية «حنظلة» وقد أبدعها يوم 5 يونيو 1967، يقول ناجى العلى عن حنظلة أنه بمثابة الأيقونة التى تمثل الانهزام والضعف فى الأنظمة العربية، وقد أبدع أيضا شخصية «فاطمة» المرأة الفلسطينية التى لا تساوم بعكس زوجها. يعبر ناجى العلى عن حنظلة الذى رسمه ابن عشر سنوات ويظهر دائما بظهره وليس بوجهه ويداه منعقدتان للخلف وكأنه يخاصم ويقاطع العالم كله، يقول: «ولد حنظلة فى العاشرة من عمره وسيظل دائما فى العاشرة، ثم يبدأ فى الكبر بعد أن يتحرر فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء»، أما عن سبب تكتيف يديه خلفه فيقول ناجى العلى: «كتفته بعد حرب 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة. وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة فى حلول التسوية الأمريكية فى المنطقة فهو تأثر وليس مطبعا».
عندما سئل ناجى العلى عن موعد رؤية وجه حنظلة، أجاب: «عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربى شعوره بحريته وإنسانيته».
عزيزى القارئ: هل تحس أن هذا اليوم الذى تحدث عنه ناجى العلى يقترب أم يبتعد خاصة بعد ثورات الربيع العربي؟!

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات