حصاد المرحلة الأولى - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 11:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حصاد المرحلة الأولى

نشر فى : الخميس 8 ديسمبر 2011 - 9:10 ص | آخر تحديث : الخميس 8 ديسمبر 2011 - 9:10 ص

لا أقصد بالحصاد هنا المعنى السياسى فهو معروف للجميع الآن وإن بقدر من عدم الدقة نتيجة الطريقة المعقدة لتحديد الفائزين وفقا لنظام القائمة، ولكننى أقصد معنى أقرب إلى «الحصاد التنظيمى» الذى يشير إلى سلبيات يمكن التسامح مع بعضها فى المرحلة الأولى لقلة الخبرة، ولكن وقوعها فى المرحلة الثانية سيكون دون شك أمرا معيبا، والخطير هنا أنه إن تكرر يشير إلى ثقوب واسعة فى ثوب ديمقراطية الانتخابات فى مصر.المؤكد أن أبطال المرحلة الأولى الذين يوجد إجماع بشأنهم هم الشعب المصرى العظيم الذى لم يقبل على الانتخابات فحسب وإنما ارتفع أداؤه إلى المستوى الحضارى الذى يليق به.

 

 كذلك فإن المجلس العسكرى نجح على نحو لافت فى الانتخابات، فقد أصر على إجرائها فى موعدها رغم أن الكثيرين ــ وأنا منهم ــ كانوا يعتقدون باستحالة ذلك فى ظل الانفلات الأمنى المخيف الذى شهدته مصر قبيل الانتخابات، لكن قوات الجيش نجحت فى تأمينها دون عصبية، فلم تقع حوادث العنف المصاحبة للانتخابات البرلمانية التى تعودت عليها مصر طويلا، وهو ما يعنى أن الدولة قادرة على فرض هيبتها إن وجدت الإرادة، ولعل ما سبق يشير إلى معنى رمزى مهم وهو أن إزالة التناقض بين الشعب والقوات المسلحة هو الطريقة الوحيدة المضمونة للخروج الآمن من المرحلة الانتقالية.

 

 

●●●

 

لكن باقى أطراف المشهد الانتخابى العظيم لم يكن دوما على مستوى الحدث، على الرغم من المحصلة الإيجابية العامة لتجربة الانتخابات فى مرحلتها الأولى، فوزارة الداخلية مسئولة عن تأجيل التصويت فى عديد من اللجان نتيجة تأخر أوراق التصويت أو عدم ختمها، وبالنسبة لشعب حديث العهد بالديمقراطية فإن هذه الظاهرة تثير شكوكه فى أن شيئا ما ربما يكون مدبرا للتلاعب أو التزوير، وقد فاقم من المشكلة أن بعض القضاة رفض توقيع هذه الأوراق على الرغم من أن تعليمات اللجنة العليا تقضى بذلك. كذلك لوحظ فى بعض اللجان أن أوراق التصويت لم تكن مغلّفة بما يسهل الاستيلاء عليها، وربما يفسر هذا ما ثبت من تسرب بعض هذه الأوراق أمام عدد من اللجان وفقا لتقارير موثوق بها ومستندات متوافرة، ومعروف أن هذا التسرب يفتح الباب لعديد من المخالفات على رأسها تكنيك «الورقة الدوارة» الذى يضمن السيطرة التامة على الناخب. وأخيرا فإن تغيير أرقام بعض المرشحين فى اللحظات الأخيرة ظاهرة موروثة عن النظام السابق، ومن الغريب أن تحدث بحق جورج اسحاق والبدرى فرغلى وأولهما اعتبره المفجر الحقيقى لثورة يناير، والثانى مناضل نقابى يسارى من الطراز الأول.

 

 

●●●

 

أما الأحزاب السياسية فقد خالفت جميعها ــ وكذلك المرشحون المستقلون ــ وإن بدرجات متفاوتة قاعدة الصمت الدعائى يوم الانتخابات، وقد شهد بذلك تقرير لجنة الحريات بنقابة المحامين الخاص بمراقبة الانتخابات، ولأن الاتهامات فى هذا الصدد كانت مركزة على حزب الحرية والعدالة فقد نفاها رئيسه بقوله إن ما حدث أمام مقار بعض اللجان من توزيع دعاية للحزب «إما أن يكون مفتعلا من قبل أشخاص يريدون تشويه الصورة الجميلة والرائعة للعملية الانتخابية(!)، أو صدرت عن غير قصد من بعض الأشخاص الذين تم التأكيد عليهم بعدم القيام بهذه المخالفة». كذلك بقيت ظاهرة شراء أصوات الفقراء عينا ونقدا، وهو ملمح يصل بين ثورة يناير وما قبلها.

 

 

من ناحية أخرى فإن ثمة علامات استفهام واجبة تحيط بما يسمى بـ«اللجان الشعبية» التى يفترض أن تشارك فى تنظيم العملية الانتخابية، وقد قام بعضها بهذا الدور، لكن البعض الآخر اتخذ منه منفذا للتوجيه السياسى للناخبين، والسؤال هو: إذا كان الجيش قد نجح بامتياز فى تأمين العملية الانتخابية فما حاجتنا لهذه اللجان؟ تبقى أخيرا مشكلة الدعاية الدينية وهى مشكلة تبدو لى بغير حل طالما وُفِقَ على قيام أحزاب مرجعيتها دينية أصلا. والحقيقة أن الظاهرة لم تبدأ يوم الانتخابات وإنما سبقته بكثير، وبصفة خاصة فى عديد من المساجد. كذلك اتُهِمَت الكنيسة بأنها تروج لقوائم الكتلة الوطنية وللمرشحين الفرديين من حزب المصريين الأحرار. وليست المشكلة أساسا فى التوجيه وإنما فى صدوره عن مؤسسات دينية، وكما نفى محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة الاتهامات الموجهة لحزبه فقد نفت الكنيسة أيضا.

 

 

●●●

 

أما اللجان الفرعية فقد عانت من تأخر أو غياب غير مبرر لبعض القضاة المشرفين عليها، ويتمنى المرء أن يوجد حل لهذه الظاهرة فى المرحلة الثانية. كذلك تصرف بعض القضاة بأسلوب «ديكتاتورى» ربما كان مفيدا أحيانا فى ضبط العملية الانتخابية، لكن بعض التقارير ذكر أن أحد القضاة منع تصويت النساء فى لجنتين بمدينة نصر (!).

 

 

من ناحية أخرى لا يجب أن يمر أداء موظفى اللجان الفرعية دون ملاحظات، وقد كان مشهدا بالغ السخف أن يهدد نفر منهم بالامتناع عن المضى فى أداء مسئولياته فى العملية الانتخابية لأنه لم يصرف مستحقاته المالية، وتخيلت لو أن بعض جنود القوات المسلحة قد رفض المشاركة فى عبور القناة عام 1973 ما لم تُصرَف مستحقاته المالية. وليس هذا استخفافا بحقوق الناس، ولكنه إدانة لسلوك فى غير موضعه، علما بأن جميع الوسائل متاحة أمامهم للضغط من أجل الحصول على حقوقهم بعد الانتخابات، وقد تألمت بشكل خاص لأن هذه الواقعة قد حدثت فى «مصر الثورة»، وكنت أتصور أن الشعور بالمسئولية الوطنية هو وحده الذى يجب أن يسود. كذلك رصدت تقارير قيام بعض موظفى اللجان بتوجيه الناخبين لاختيار قوائم بعينها ومرشحين محددين، وقد رُصِدَ فى مدرسة المقطم للتعليم الأساسى أن أمين اللجنة قال للناخبين:

 

 

«صوتكم للحرية والعدالة عشان تدخلوا الجنة»، وفى لجنة هدى شعراوى بجنوب القاهرة صرف الموظفون الناخبين: «مافيش انتخابات النهارده. فوتوا بكره». والواقع أن موظفى اللجان صندوق مغلق لا نعلم عنه شيئا، وبعض المخالفات لا يمكن بحثه بعيدا عنهم، ولذلك فإن التدقيق فى اختيارهم ومعايير هذا الاختيار مطلوب وإن كان صعبا.

 

 

●●●

 

لم يكن أداء اللجنة العليا للانتخابات لافتا، وقد تبسط رئيسها ــ مع الاعتراف بالعبء الكبير الواقع عليه ــ فى تصريحاته فجاء بعضها غير موفق مثل «اللى خايف على الصناديق ينام جنبها وإن حد حاول يمسها يدبحه»، وهى المرة الأولى فى حياتى التى أسمع فيها قاضيا رفيعا ينصح مواطنيه بذبح بعضهم بعضا، أو تبريره عدم إعلان الأصوات التى حصلت عليها القوائم بأن: «البنزين خلص». والواقع أن المؤتمر الصحفى الذى عقده لإعلان نتائج انتخابات الجولة الأولى من المرحلة الأولى لم يكن فيه أى جديد، لكن الشىء الذى لا يمكن التسامح معه هو تبريره استبعاد تسعين صندوقا تابعة لدائرة الساحل من عملية الفرز بأنه لا يؤثر على النتيجة لأن عدد الصناديق فى الدائرة يتجاوز الألفين.

 

لم أصدق نفسى وأنا أسمع وأرى. أهذا هو رأى قامة كبيرة فى القضاء المصرى؟ ألم يفز جورج بوش الابن بكرسى الرئاسة الأمريكية فى مدته الأولى بفارق خمسمائة صوت حسمت العملية الانتخابية لصالحه؟ بينما يمكن أن تحتوى هذه التسعين صندوقا آلاف الأصوات. ولذلك اطمأن قلبى عندما حسمت المحكمة الإدارية العليا الأمر وأبطلت انتخابات الدائرة كلها بعد أن كانت محكمة الدرجة الأدنى قد قضت بالحكم ذاته، لكن حزب الحرية والعدالة طعن فيه، وما كنت أتمنى له أن يفعل، وهو أقوى حزب على الساحة المصرية حتى الآن، بل إن الغريب أن دوائره وصفت الأمر يوم الإعادة بأنه شائعات لإفشال العملية الانتخابية وتضليل الناخبين والرأى العام من خلال نشر أخبار كاذبة عن وقف الانتخابات فى دائرة الساحل. لكن ثالثة الأثافى أن تتجاهل لجنة الانتخابات الحكم، وتمضى قدما فى انتخابات الإعادة فى يومها الأول لتتدارك الأمر فى اليوم الثانى. فمن يا ترى يتحمل تكلفة هـــــذا العبث ماديا وسياســــــيا؟ وقد خــــــيل إلى حينا أن الحزب الوطنى الــــــذى كان يضرب بالأحكام القضائية الخاصة بالانتخابات عرض الحائط هو بطل المشهد الانتخابى وليست لجنة قضائية عليا تشكلت بعد ثورة عظيمة.

 

 

●●●

 

يبقى أن سلوك الإحجام عن التصويت فى الإعادة لغز يحتاج تفسيرا، وثمة تفسيرات عديدة له ليس الآن التوقيت المناسب لعرضها، ومع أن جميع المخالفات السابقة لم تؤثر على الصورة العامة للانتخابات إلا أن تكرارها فى المرحلة الثانية سوف يكون أمرا لا يمكن قبوله أو التسامح معه.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية