الثقافة العلمية للجميع - محمد زهران - بوابة الشروق
الإثنين 2 ديسمبر 2024 4:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثقافة العلمية للجميع

نشر فى : الجمعة 8 ديسمبر 2023 - 8:20 م | آخر تحديث : الجمعة 8 ديسمبر 2023 - 8:20 م
منذ عدة أيام كان لى شرف إلقاء ندوة عن تاريخ ومستقبل الذكاء الاصطناعى فى صالون التنوير بالإسكندرية. كان الحضور كبيرا وبعد أربعين دقيقة هى زمن كلمتى بدأت الأسئلة التى استغرقت قرابة الساعة. مما أسعدنى أكثر من كثافة الحضور هو تباين المراحل العمرية. طبعا لا يمكن أن نغفل أن الذكاء الاصطناعى هو موضوع الساعة فيما يتعلق بالتكنولوجيا، فالجميع يريد أن يعرف ما هو هذا المارد الجديد وما هو تأثيره على حياتنا وهل يجب أن نخاف منه خاصة وقد كثرت الأقاويل المتضاربة عن هذه التكنولوجيا. منذ عدة أيام أيضا حضرت (كمستمع وليس كمتحدث) ندوة عن الأثرى العظيم الدكتور سليم حسن، وأيضا كان الحضور كبيرا والأسئلة كثيرة.
ما الذى يجمع بين ندوة عن التكنولوجيا وأخرى عن التاريخ؟ الذى يجمع بينهما هو أن موضوعهما هو العلم والمعرفة، العلوم التطبيقية والإنسانية هى فى النهاية علوم تؤثر على عقولنا وبالتالى حياتنا. الحضور كان كثيفا فى الندوتين والعمر متباين وهو ما يعكس تعطشا للمعرفة العلمية. طبعا بعض الحضور قد يأتى من باب المجاملة والبعض الآخر من باب رؤية بعض المتحدثين المشهورين، لكن هذا وحده لا يصنع الحضور الكثيف الذى رأيته.
مقال اليوم عن الثقافة العلمية: ما هى؟ ما أهميتها؟ وكيف تؤثر فى حياتنا، فهى ليست مجرد تسلية تأخذنا من صعوبات الحياة اليومية إلى عالم مثير ثم نعود لاستكمال الحياة اليومية.
...
الثقافة العلمية هى معرفة (أو محاولة معرفة) الكون من حولنا بجميع كائناته وقوانينه بطريقة تجعل حياتنا أفضل. دائما ما نغفل الجزء الثانى من الجملة السابقة. الجزء الأول من الجملة يشمل جميع العلوم سواء التطبيقية أو الإنسانية وأيضا يشمل التكامل بينهم. معرفة كيفية تفاعل العلوم مع بعضها يعطينا الصورة الأكمل وبالتالى يعمق معرفتنا بالكون حولنا. أما كيف تجعل تلك المعرفة حياتنا أفضل فالإجابة لها وجهان: تأثير المعرفة العلمية على المجتمع ككل وتأثيرها على الفرد. لنبدأ بالفرد.
عندما يمتلك الفرد المعرفة العلمية فإنها تؤثر على حياته إيجابيا كالآتى:
• تنمى عند الفرد الشغف والفضول العلمى الذى يولد معنا كأطفال ثم ينطفئ نتيجة سوء التعليم ومصاعب الحياة اليومية. توجيه الفضول نحو العلم شىء إيجابى والوقود الذى يساعد الفرد على البحث عن مزيد من المعارف.
• المعرفة العلمية تساعد على اتخاذ القرارات فى مشاكل الحياة اليومية لأنها تدرب الفرد حتى بدون أن يدرى على التفكير المنهجى العلمى، فعندما تقرأ عن اكتشاف علمى معين والكيفية التى تم بها هذا الاكتشاف فإننا نتعرف لا شعوريا على المنهج العلمى.
• المعرفة ببعض العلوم تساعدنا على تغيير إيجابى فى حياتنا اليومية، فعندما نقرأ عن تدوير القمامة وتلوث البيئة والاحتباس الحرارى والعلاقة بينهم وتأثيرهم على حياتنا بشكل شخصى والمدى الزمنى الذى يحدث فيه هذا التأثير فإننا قد نتخذ قرارات مثل عدم استخدام الأكياس والزجاجات البلاستيكية.
• معرفة تاريخ العلوم وبالتالى سير العلماء يعلمنا أن الفشل خير لابد منه، لا أحد يصل إلى اكتشاف كبير مرة واحدة بوحى مثلا، مثل القصة الخيالية المتعلقة بتفاحة نيوتن التى وقعت على رأسه فاكتشف قوانين الحركة فجأة. الاكتشافات العلمية والاختراعات التكنولوجية هى نهاية المطاف لسلسلة طويلة من الفشل.
• المعرفة العلمية تعطى الفرد تفسيرات لما يراه حوله من الحروب والفقر وارتفاع الأسعار... إلخ. لاحظ أن المعرفة العلمية كما قلنا تشمل كل المعارف الإنسانية من علوم سياسية واقتصادية واجتماعية وتاريخية.
• المعرفة العلمية تساعد الفرد على التعامل مع المصائب التى تواجهه فى الحياة لأن تلك المعرفة تشمل علم النفس وبالتالى يستطيع الفرد التعامل مع المشكلات واتخاذ القرار الصائب عن إذا ما كان يجب البحث عن مساعدة طبية.
• المعرفة العلمية تساعد الفرد على العيش حياة صحية عن طريق الأكل الصحى والحركة... إلخ.
• هناك تكنولوجيات كثيرة تظهر كل يوم، ما هو الأفضل لنا؟ وما هو التأثير الضار والإيجابى لكل منها؟ المعرفة العلمية تجيب عن تلك الأسئلة.
إذا حصَّل الفرد محاسن المعرفة العلمية فإن ذلك بالتالى يخلق مجتمعا أفضل لأن العلم وتاريخه يعلمنا أن العلم نشاط إنسانى وبالتالى لا أحد ينجح وحده، لن ندخل هنا فى جدال ما إذا كانت مصلحة المجتمع قبل مصلحة الفرد أو العكس، لكن المؤكد أن المعرفة العلمية تفيد كل من الفرد والمجتمع. أما وقد عرفنا أهمية المعرفة العلمية فكيف نستطيع الإفادة من ذلك فى مصر؟
...
يجب أن نعترف الحصول على المعرفة مكلف. حتى مع وجود الكثير من المعلومات مجانا على الإنترنت فإن ذلك يستلزم دفع مصروفات «باقة النت» أو الإنترنت المنزلية. أيضا الكثير من الناس تعمل ساعات طويلة من اليوم وبالتالى إيجاد وقت لتحصيل بعض المعرفة العلمية يعتبر رفاهية لا يقدر عليها الكثيرون. فما الحل؟ هناك عدة أشياء نستطيع القيام بها تساعد على نشر المعرفة العلمية وبالتالى جنى ثمارها.
• إتاحة المعرفة العلمية على شكل كبسولات صغيرة مثل فيديوهات قصيرة بطريقة شيقة، هناك عدة جهود فى هذا الاتجاه وقد ناقشناها فى مقال قديم منذ عدة سنوات.
• يجب الاهتمام أكثر بالصحافة العلمية وجعلها أكثر تشويقا وذلك بوضع المعلومة فى شكل قصة (أى قصة الاكتشاف) وربطه بحياة الفرد.
• الإكثار من الندوات العلمية بشكل أسبوعى، يجب إحياء جمعيات مثل الجمعية المصرية للثقافة العلمية أو الجمعية المصرية لتاريخ العلوم ونشر أنشطتها بشكل واسع.
• يجب على من يتصدى لنشر الثقافة العلمية أن يفعل ذلك بغرض إفادة المجتمع وليس بغرض الشهرة والمال. قد يقول قائل: «هو عيب الجمع بين الاثنين؟» الإجابة «آيوه عيب». الإجابة الأطول يلزمها مقال مستقل.
• يجب إعادة إحياء المناظرات العلمية لأنها تثرى العلم والثقافة والتفكير العلمى فى آنٍ واحد، ويحضرنى هنا المناظرة (على هيئة مقالات) بين الأساتذة العظام طه حسين وعلى مصطفى مشرفة عن أهمية العلم للأدب وأهمية الأدب للعلم، والجمال أن الدكتور مشرفة تحدث عن أهمية الأدب والدكتور طه حسين تحدث عن أهمية العلم.
• وأخيرا همسة فى أذن رجال الأعمال لتمويل تلك الأنشطة كجزء من الخدمة المجتمعية.
المعرفة العلمية تخلق مجتمعا علميا (وليس بالضرورة مجتمعا من العلماء) يضع الدولة فى الصفوف الأولى على جميع الأصعدة، لكن خلق ذلك المجتمع يأخذ وقتا ليؤتى ثماره.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات