إخفاء صدام حسين.. فيلم طغى هدفه السياسي على الحالة الفنية - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 11 مايو 2024 2:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إخفاء صدام حسين.. فيلم طغى هدفه السياسي على الحالة الفنية

نشر فى : الجمعة 8 ديسمبر 2023 - 2:35 م | آخر تحديث : الجمعة 8 ديسمبر 2023 - 9:32 م

"إخفاء صدام حسين" عنوان مثير لفيلم سينمائي، يحمل العديد من التساؤلات حول هدفه وموضوعه وموعد ظهوره الآن بعد رحيل الرئيس العراقي بـ17 عاما، حيث تم إعدامه في 30 ديسمبر عام 2006، وكان السؤال الأهم حول مخرجه الكردي هالكوت مصطفى الذي قدم فيلما يتعاطف مع صدام الإنسان، رغم ما عاناه الأكراد على يده ، وقد ابقى مشروعه محاطًا بالسرية طوال رحلته التي استمرت 14 عامًا.

يحكي الفيلم الذي عُرض على شاشة مهرجان البحر الأحمر السينمائى قصة كيف قام المزارع العراقي علاء نامق " 50 عاما الآن، بإخفاء صدام حسين من مطاردة القوات الأمريكية الكبيرة لمدة 235 يوما ، وذلك بعد الإطاحة به من السلطة في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وقد اختبأ صدام حسين، بينما قام ما يقدر بنحو 150 ألف جندي بتمشيط الأرض بحثًا عن الشخص الذي أطلق عليه اسم "الهدف عالي القيمة رقم واحد".

بشكل لا يصدق، تمكن صدام من الإفلات من القبض عليه لمدة ثمانية أشهر تقريباً، وخرج فى النهاية ملتحياً متعبا منكسرا من حفرة صغيرة بنيت لهذا الغرض تحت مشتل زهور بالقرب من مدينة تكريت، وبعد ثلاث سنوات تم شنقه.

لقطات الرئيس العراقي وهو يزحف من حفرة في الأرض في عام 2003 تعتبر أيقونية ، و يروي الرجل الذي حفر تلك الحفرة كيفية قيامه، وهو مزارع عادي، بإخفاء الرئيس تحت مشتل الزهور في حديقته ويتحدث بتلقائية أمام الكاميرا عن اليوم الذي تم فيه اختيار منزله كمخبأ لهذا الرجل المطلوب الذي يطارده 150 ألف جندي أمريكي.

لم يكن أمام المزارع العراقي خيار سوى تولي دور الراعي والطبيب والطباخ ومصفف الشعر و وسائقه والحارس الشخصي، يمثل كل شيء بالنسبة لصدام، ويبدو أن شيئًا أقرب إلى الصداقة قد نما بينهما حيث تناولا الطعام معًا وساعد كل منهما في غسل ظهر الآخر.

مع تتابع الأحداث تلمس كم القصة غنية بالمواقف من خلال مشاهد مُعاد تمثيلها لشخصية غامضة تجسد صدام، تتخللها مقاطع من التقارير الإخبارية التى ترصد الHوضاع في ذلك الوقت، وقد اعطى الجمع بين الاعتراف المباشر للرواي أمام الكاميرا ولقطات الأرشيف، ليعطي بعدا واقعيًا للفيلم .
لم يكن لدى المزارع أي خطط للتخلي عن واجبه كمضيف، حتى عندما عرضت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار، هكذا روى وهو يتحدث بالتفصيل عن كيف تمكن هذا السر الضخم من البقاء مخفيًا لفترة طويلة.

في الفيلم، يتيح المخرج الكردي الذي يحمل الجنسية النرويجية للمزارع علاء نامق أن يروي شهادته وقصته المذهلة أمام الكاميرا لأول مرة، موضحًا كيف ظهر "الدكتاتور المخلوع" في مزرعته دون سابق إنذار ثم قضى بها 235 يومًا خلال تلك الفترة.

التكيف الدرامي مع الحدث كان مفاجئ في إضفاء الجانب الإنساني على الديكتاتور، فى شهادته قال المخرج أنه بمجرد أن عثروا على صدام حسين في الحفرة، شعر بالفضول لقد كان الرئيس القوي، فكيف انتهى به الأمر في هذه الحفرة؟ وظل يبحث لمدة عامين،عن الرجل الذى أخفى صدام إلا أن ذكرت صحيفة واشنطن بوست اسمه في عام 2012، واوصله لمكانه احد الشيوخ العرب وجلس معه عقب خروجه من سجن أبو غريب الذى ظل به سبعة أشهر، ووجد أنه كان مجرد مزارع بسيط، وقد تم اختياره بالصدفة لإخفاء صدام عن عائلته وأصدقائه و150 ألف جندي.

ويقول مصطفى إن إقناع نامق بالمشاركة في الفيلم لم يكن سهلا وعرض عليه خيارين. "إما أن لا تقل أي شيء أو تتحدث عن كل شيء دون فلتر".

وقال أيضا: "أهم شيء تعلمته هو مدى الصبر الذي يجب أن تتحلى به لتحكي قصتك. ولا يقتصر الأمر على سرد قصته فحسب، بل إضفاء الطابع الإنساني عليه ورؤية القصة من وجهة نظره. لقد رأينا دائما صدام حسين كديكتاتور، رئيس قوي. ولكن بعد ذلك تراه يفقد سلطته، ثم يتعلق الأمر بالتوازن ثم يتولى علاء المسؤولية".

كان السؤال المهم للمخرج :باعتبارك كرديًا اضطرت عائلته إلى الفرار بسبب وحشية صدام حسين، كيف كان شعورك عندما استكشفت هذا الجانب الإنساني منه؟

وHجاب: كان من الصعب جدًا إنتاج هذا الفيلم من وجهة نظري، جاءت والدتي من المنطقة التي تعرضت لقصف أسلحة صدام الكيماوية. لكنني أردت حقًا أن أعطي علاء الفرصة ليروي القصة من المنظور العربي؛ لأن كل ما رأيناه تقريبًا عن الغزو العراقي تم سرده من المنظور الغربي. ولهذا السبب قررت، منذ البداية تقريبًا، أن أتركه يروي القصة بالطريقة التي يريدها تمامًا".

تلك الرؤية التي ذكرها المخرج لم أنحز لواقعيتها، بل اشكك في نواياها التى تسعى لتبيض وجه الزعيم.

فى روايته بالفيلم أراد علاء أن يتحدث قبل وفاته ويخبر الناس بالقصة، وأن يقول الحقيقة وراء الحفرة، وكان من الواضح أن هناك طبيعة مثيرة لهذه القصة، فرغم أن إخفاء صدام حسين" هو فيلم تمكن من تجاوز حدود العمل الوثائقي، خاصة بسبب أداء "البطل"، مع الاحتفاظ بالجوهر المعلوماتي للوسيط، من خلال الجمع بين الاعتراف المباشر للكاميرا مع الصور الدرامية ولقطات الأرشيف، إلا أن كلام نامق في النهاية أفسد روح الفيلم لسعيه إلى فرض رأيه على المُشاهد، عندما قال "إنّ صدام كان طيباً وليس ديكتاتوراً"، بينما الأجدر به تقديم القصة بشفافية وترك الحكم للناس.

إنّ الفيلم صُنع لتبرئة صدام، رغم تضمّنه عناصر فنية جيدة، طغى هدفه السياسي على الهدف الفني.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات