أم كلثوم التى لا تنتهى - سيد محمود - بوابة الشروق
الأحد 8 ديسمبر 2024 8:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أم كلثوم التى لا تنتهى

نشر فى : الثلاثاء 9 يوليه 2024 - 7:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 يوليه 2024 - 7:20 م

تحل هذا العام مناسبة مهمة وهى مرور 100 عام على أول حفل غنائى تقدمه سيدة الغناء العربى أم كلثوم، كما تحل العام المقبل مناسبة أخرى وهى مرور 50 عاما على وفاتها.

وأحسب أن جميع مؤسسات الدولة المعنية بالإنتاج الثقافى والفنى مطالبة بالالتفات إلى قيمة المناسبتين، لأن أم كلثوم ليست حدثا عابرا فى تاريخنا، كما أنها لا تزال حية بالمعنى الكامل الذى تحمله كلمة حياة، فهى فى الهواء الذى يؤطر سماء القاهرة، تطل أغنياتها من كل شرفة وتمضى معنا فى كل طريق وتجالسنا فى كل مقهى وتدعمنا فى كل مناسبة سواء للفرح أو المواساة. 

وقد حضرت أوائل هذا الأسبوع احتفالية بسيطة قدمها المتحف القومى للحضارة بمناسبة مرور 100 عام على أول حفل تقدمه سيدة الغناء العربى فى القاهرة بعد أن استقرت فيها.

وتضمنت الاحتفالية على الرغم من بساطتها بعض الأفكار الجيدة التى يمكن تطويرها لتأخذ الشكل الذى يحول الفكرة إلى حدث قومى تتكامل فيه أدوار المؤسسات الرسمية مع هيئات المجتمع المدنى والأفراد المعنيين بالموضوع.

 ويستحق المتحف الشكر الجزيل لأنه أول مؤسسة انتبهت إلى دلالة هذا التاريخ وقيمته وسعت فى حدود الإمكانات المتاحة إلى إبرازه أمام جمهور الزائرين والسائحين الأجانب الذين لفت نظرهم الجوانب التفاعلية فى الاحتفالية التى لم تنل فى الإعلام الاهتمام المناسب.

 بعد 50 عاما من غيابها تبتكر أم كلثوم مئات الوسائل التى تقاوم بها النسيان، فلا يخلو عام من فيلم وثائقى أو كتاب أو نقاش حول إسهامها  الفنى ودورها المؤثر فى  تاريخنا.

ومؤخرا أثير نقاش لا حدود له حول الفيلم الذى تقوم بتقديمه النجمة منى زكى ويخرجه مروان حامد عن سيناريو يكتبه أحمد مراد وتركز النقاش حول مدى ملاءمة منى زكى للدور، وحول الجهة التى تقف وراء إنتاجه وطبيعة النص الذى يمكن لمراد أن يقدمه قياسا على أعماله السابقة وهذا النقاش لا طائل منه لأن العمل لا يزال فى طور التجهيز، كما أن أم كلثوم تخطت بتأثيرها وشعبيتها وأدوارها الحدود المحلية وبالتالى يحق للجميع الاشتباك مع سيرتها وإعادة تأويل هذه السيرة، لأن هذا هو أجمل ما فى الفن، فالفن ديمقراطى بطبيعته فى حين أن الاستقبال والتلقى هو استبدادى على نحو ما، فكل من يتلقى أى عمل فنى يريد أن يكون العمل على هواه ملائما لما يريده ويبتغيه.

 والشىء المؤكد أن الاستسلام لصورة واحدة عن أى شخص وأى حدث يحرم الأجيال الجديدة من حقها فى القراءة وإعادة  النظر ولدينا فى السينما العالمية عشرات الأعمال التى تدور حول سير شخصيات مؤثرة ومع تقدم الوسائط وتعدد المنصات نحتاج إلى التعامل مع التاريخ كسؤال كبير يحتمل أكثر من إجابة، كما ينبغى أن نؤمن بأن الفن نافذة مشرعة على فضاء لا حدود له. 

وقد يذكر البعض محاولة مبكرة قدمها الكاتب اللبنانى البارز حازم صاغية للاشتباك مع سيرة أم كلثوم فى كتاب (الهوى دون أهله) لكنها قوبلت بانتقادات متعددة من عشاق أم كلثوم وأنا أولهم، فقد أزعجنى الكتاب حين قرأته للمرة الأولى وأذكر أننى أجريت قبل أكثر من 15 عاما حوارا مع المؤلف وناقشته فيما كتب منتصرا لثومة  لكنى أعدت التفكير فى دوافعه وتأملت ما طرح حول حق الكاتب والمؤرخ فى طرح الأسئلة والاشتباك مع أى سيرة وإعادة قراءة أى حدث على ضوء انحيازاته وقناعاته، وبفضل تلك القراءة صرت أحب أم كلثوم أكثر.  

واليوم وقد مر 33 عاما على صدور أولى طبعات الكتاب عن دار الجديد التى أحب كتبها وأتعلم منها، تصدر طبعة جديدة عن دار الساقى بمقدمة جديدة يركز فيها الكاتب عن الأثر الذى تركه كتابه والمياه الراكدة التى حركها، فى المؤلف وهو من كبار المحللين السياسيين فى عالمنا العربى كان ولا يزال ضد ثقافة الإجماع وقد أثاره فى سنوات شبابه أن أم كلثوم هى فنانة «الجميع» فأراد أن يفكك صورتها ويتأملها من جديد وبفضل هذا النوع من القراءة ولدت القراءات المضادة وتنوعت زوايا النظر.

 والسؤال الذى يحتاج لأن نفكر فيه ونحن على أعتاب الاحتفال بـ الحدثين المهمين مرتبط بالصورة التى نرغب فى استعادتها عن أم كلثوم التى لا تنتهى.