إجازة صيف - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 7:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إجازة صيف

نشر فى : السبت 10 سبتمبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 10 سبتمبر 2011 - 9:00 ص

كانت شهور الصيف من سنوات خلت تدفعنى إلى التماس راحة طويلة بالسفر فى بلاد الله، والخروج من دوامة العمل ورتابة الحياة وخيبة السعى.. تقودنى إلى بحار لم أعبرها، وجبال لم أرتقها، وغابات لم أتنفس خضرتها، وكتب لم أقرأها، وصحف لم تصور إلا فى خيالى.. كنت خلالها أبحث عن وجوه جديدة. وأنماط مختلفة من الحياة. وثقافات أو أفكار غرائبية سمعت بها ولم أشهدها. يترك المرء وراءه نصف عقله ونصف روحه، ومعظم مشاغله وكل أوهامه.. ويرى أكابر الناس من بعيد وقد صغروا وعادوا إلى حجمهم الطبيعى، فالسياسيون فى بلادنا ليسوا أكثر من خدم فى بلاط دول عظمى. والشعوب تذكرك بسفن العبيد وهى تنقل خيرات المستعمرات الأفريقية وثرواتها إلى أوروبا وأمريكا بنفس الدرجة من البؤس والإذلال تحت إمرة قيادات مستبدة طاغية.

 

لم تتغير الأمور كثيرا منذ داهمتنى سنوات العمر.. فقد كانت شهور الصيف تعج بالحياة والنميمة والقيل والقال.. عندما تنتقل الدولة بأجهزتها إلى الإسكندرية وينتقل معها أهل الفن والكتابة والغواية.

 

بعدها جاء عصر الساحل الشمالى لم يتغير فيها شىء وشهد فى شهور الصيف معظم الانقلابات الثورية والحروب الإقليمية والقرارات الكبرى والأزمات الدولية. ورغم ذلك بقى كل شىء على حاله لم يتغير. أجيالنا لم تشهد التغيير الجذرى الذى شهده جيل 25 يناير. بل ظل ينتظر حدوثه عاما بعد عام، وانقلابا بعد انقلاب، ورئيسا بعد رئيس دون جدوى. ووجد الألوف من الشباب أنفسهم يبحثون عن أحلامهم فى أماكن بعيدة ونائية، يهربون إلى أسواق العمل والدراسة فى أوروبا وأمريكا. نجح بعضهم وفشل البعض الآخر. وعرف المصريون معنى الفقر والغربة والبحث عن الرزق. ومازال الكثيرون حتى هذه اللحظة يخاطرون بحياتهم فى زوارق الموت هربا من الأرض التى ضاقت عليهم بما رحبت، وعجزت عن الوفاء بعهدها عبر أجيال متتالية.

 

ووسط زحمة الأحداث والتوقعات، يبحث المرء عن لحظات الهدوء والانقطاع والركون إلى شىء من الكسل والتأمل. وقد حمل الصيف معه تباشير أحداث ملتهبة واختبارات مضنية.. وضعت مصر على مفترق طرق. بعد ثورة أحدثت من التغيير فى أسابيع ما عجزت عهود وحقب من الحكم عن تغييره أو حتى فى تعديل مساره فى نصف قرن.. كانت بدايات الصيف حينذاك مشرقة بالآمال قبل أن يزحف عليها ضباب الرؤى المنغلقة والأفكار المستهلكة، ويتفرق الشباب الذى امتلك جسارة الأمل إلى شيع وحركات وتنسيقيات أتاحت للقوى القديمة أن تخرج من جحورها وتتصدر المشهد.

 

وحين ينظر المرء من بعيد متدثرا بجمال الطبيعة وروعة الجبال المطلة على البحر الأحمر، تلاحقه أزمة المعتمرين فى جدة، وتطفل الكويتيين على أبواب محاكمة الرئيس المخلوع، وتعقيدات الأوضاع فى سيناء، واحتمالات المواجهة مع إسرائيل التى نفشت ريشها فى الأيام الأخيرة.. لابد أن يدرك أن غطرسة التحدى لا تأتى من فراغ، كما أن صلابة الموقف التركى لا تكون إلا محصلة لدولة قوية مستقرة. ولابد أن تكون هذه المواجهات هى بداية لصيف ساخن، قد يفضى إلى خريف غاضب، أو شتاء طويل بارد!!

 

على شاطئ البحر قد لا ترى غير الموج المتدافع.. ولا تذكر من القاهرة غير ضجيجها وأكوام قمامتها، وصينية ميدان التحرير، والمليونيات التى أضحت رمزا لمستقبل غامض مشوب بالقلق، تتعلق به آمال شباب ثائر، سرعان ما يهدأ حماسه عندما تستأنف محاكمات الرئيس السابق وأعوانه، وتشتعل المصادمات المدبرة عنوانا على الفوضى.. ثم تؤهل نفسك لما سوف تشهده الأيام المقبلة من مناظرات ومنافسات برلمانية ورياسية بغير اتفاق على الحد الأدنى من أى شىء.

 

حينئذ سوف تدرك أن الكل فى انتظار المجهول.. وأن راحة الصيف قد تبخرت بمجرد أن تطأ الأقدام أو العجلات شوارع القاهرة، وتطالعك صور الرئيس المخلوع على أبواب المحكمة!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات