من الحكومة إلى صندوق النقد .. عُلم وينفذ - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من الحكومة إلى صندوق النقد .. عُلم وينفذ

نشر فى : الأحد 9 سبتمبر 2012 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأحد 9 سبتمبر 2012 - 8:15 ص

الحقيقة أن الفلاح الفصيح الذى أتى من دهشور وحدثنا عنه الدكتور سمير رضوان وزير المالية الأسبق فى مقال نشر له فى «الشروق» يوم الأربعاء الماضى خانته هذه المرة فراسته. ولم يعد يستحق أن يحسده عليها أهل القاهرة، كما كان يقول لنا صديقه الوزير فيما كان ينقل لنا عنه من حوار دار بينهما. أما لماذا فقد فراسته، فلأن سؤاله الذى قذف به فى وجه صديقه الوزير، ليس بالسؤال الصعب. فعندما يطلب من الوزير تفسيرا لما حدث بعد أن كان رضوان هو أول من تبنى فكرة اللجوء إلى قرض صندوق النقد الدولى بعد الثورة، وقوبلت فكرته بالرفض من المجلس العسكرى، ومن وزيرة التعاون الدولى السابقة فايزة أبوالنجا ثم عاد الاثنان فى رأيهما، وقبلا القرض، وقبلت الحكومة الآن القرض ليس صعبا الإجابة.

 

لكن سؤال الفلاح ليس هو الأهم، ولكن كان عليه أن يستفيد من إعجاب السيد الوزير بفراسته، ويسأله باعتباره هو وأمثاله من المصريين، هم أول من سيدفع ثمن وضع يدنا مرة أخرى فى يد ذلك الصندوق. الذى ما دخل بلدا إلا وخرج الألاف إلى الشوارع، يصرخون مطالبين بقطع يد الصندوق، أو على الأقل إخراجه من بلادهم. وكان على الفلاح أن يستخدم فراسته، ويقول للوزير ألا يستحق الذين سيدفعون الثمن الأفدح فى هذا البلد أن تسألوهم، أو تستشيروهم فيما تنون فعله بهم؟

 

ولو كنت مكان الفلاح لسألت صديقى الوزير على الفور، إذا كانت الحكومة ستأتى لنا بمليارات الدولارات من الصندوق من أجل سد العجز فى الموازنة، فهل أقنعت الملايين الذين بدأوا يسمعون عن قرارات لرفع أسعار الكهرباء، والمياه، والغاز، والبنزين كعربون لإثبات حسن النية. هل اقنعتهم أن روشتة الصندوق سوف تقلل لهم من عدد الساعات التى يقفون فيها فى الشمس من أجل رغيف العيش، وأنبوبة البوتاجاز؟

 

•••

 

الحقيقة أننى بدون أن أمتلك فراسة الفلاح صديق الوزير كنت سأساله هل الحكومة استنفدت كل وسائل إهدار دعم الطاقة، قبل أن تفكر فى رفع اسعار بعض المنتجات البترولية على المواطن؟ هل حسبت الحكومة  حجم الكم المهدر من دعم السولار الذى منحناه بالمجان لبعض المشروعات للأجانب دون أن يحاسب أحد من المسئولين على فعلته.

 

خاصة وأن السولار وحده يكلف الحكومة فى الموازنة الحالية 35 مليار جنيه أى أكثر من نصف إجمالى الدعم الموجه للمنتجات البترولية.

 

وأريد أن يكون فلاحى الفصيح شاهدا على كرم الحكومة، وسخائها فى التعامل مع الشركات الأجنبية فى مصر. ولتكن حالة واحدة فقط وهى منجم السكرى والذى تستغله  شركة أسترالية، وتقوم بالتنقيب فيه عن الذهب وتتمتع بجميع الإعفاءات الضريبية. بل وتسترد جميع النفقات على عمليات البحث والتنقيب. ومع ذلك ظلت هيئة البترول تحاسبها  منذ عام 1995 على أسعار مدعمة لاحتياجاتها من السولار، بدون أى سند من القانون، ودون أى نص فى الاتفاقية قبل أن يفيق أحد المسئولين فى الهيئة ذات يوم بعد الثورة، ويسأل: لماذا تحصل الشركة على كل هذا الدعم؟. ولا يعرف أحد جوابا. فيبدأ بعض المسئولين فى البحث عن سند قانونى لما حصلت عليه هذه الشركة الأجنبية طوال 17 عاما. وللسخرية مازال الجدل مستمرا. هذا مثال واحد على ما يمكن أن توفره الموازنة من أموال الدعم إذا توقف المسئولون عن كرم الضيافة.

 

وبالطبع حوار مثل هذا، قد يفتح علينا حديث من مسئول فصيح من إياهم يعطى لنا درسا بليغا كيف أن الحكومة أخيرا انتبهت بالفعل إلى أن هناك المليارات التى تذهب إلى دعم الغاز للمصانع كثيفة الاستخدام للطاقة. وهى بالفعل قد اتخذت قرارا حازما برفع أسعار محاسبة الشركات. لكن المسئول الفصيح لن يقول لنا، وماذا عن التصريحات التى تملأ وسائل الإعلام، من رجال أعمال مشهورين يتباهون بالقول، بدون أى مواربة بأن كل سنت سيتم به رفع سعر الغاز من 3 دولارات إلى 4 لكل مليون وحدة حرارية سيخرم عين المستهلك، دون أن يقلل مليما واحدا من أرباح كبار الرأسماليين.

 

وحتى لا أطيل على فلاحنا الفصيح.. أصدقك القول بأن الجدل حول ما هو الأفضل: وضع يد صديقك وزير المالية السابق «رضوان» فى يد الصندوق العام الماضى، أم يد «السعيد» وزير المالية الحالى فى العام الجارى لم يعد يهم كثيرا. ولكن ما يجب أن يشغلك هو هل الصندوق، وهو الذى يطالب دوما بتخفيض العجز فى الموازنة (الفرق بين المصروفات والإيرادات) سوف يعنيه كثيرا، أن تقوم الحكومة بتخفيض هذا العجز من جيبك أنت، وبطلوع روحك أنت، أم أنه جاء عبر المساس بمصالح أصحاب الشركات، غالبا لن ينشغل الصندوق بهذا الأمر كثيرا.

 

وهل عساه أن يهتم خبير الصندوق بالتصريحات التى قالها أحد رجال الأعمال البارزين مؤخرا من أن رفع اسعار الكهرباء على المصانع سيرفع أسعار المنتجات الغذائية بنسبة أقلها من 10% إلى 15%. هل الصندوق لديه حل حتى لا يدفع فلاحنا الفصيح وأصدقاءه من العمال والموظفين ثمن ضبط الموازنة، وليس الذين خربوا الموازنة كل الأعوام الماضية.

 

•••

 

أيها الفلاح الفصيح الذى كنت تريد استعجال القرض، ألم تسأل نفسك: لماذا لم يجرب خبراء  الصندوق النظر فى الموازنة، ولو مرة واحدة بعين المحكومين، أى بعينك أنت، قبل أن ينظروا بعين أصدقائهم من الحكام.  الصندوقيون لن يفعلوا. هل تريد أن تعرف لماذا؟. لأن المحكوم الغلبان سيكتشف من أول لمحة أن الإيرادات فى الموازنة الحالية التى يحصلها الحكام من الضرائب هى 265 مليار جنيه يدفع منها المحكومون من أهلك، وأقاربك، وجيرانك من الذين يتقاضون أجورا ورواتب (40 مليار جنيه)، بينما كل من يعمل فى مجال النشاط التجارى والصناعى لا يدفع ضرائب سوى (8.5 مليار جنيه). أما هؤلاء الذين يملكون ثروة عقارية تملأ شمال مصر، وجنوبها، وشرقها، وغربها وما بينهم لا يدفعون ضرائب عليها سوى (98 مليون جنيه). أما أصحاب الشركات فلا يتفضلون مشكورين إلا بدفع (29 مليار جنيه). أما الضرائب على الأراضى فلا تزيد على (85 مليون جنيه).

 

وبمناسبة ضرائب الأراضى قد لا يكون الفلاح صديق الوزير يعرف أن الشركات الكبيرة التى حصلت على أراضٍ بغرض الاستصلاح، وقلبتها فى غمضة عين من الحكام بالمخالفة طبعا إلى منتجعات وقصور، لا تدفع ضرائب عن هذه المخالفات التى تدر الواحدة منها المليارات. لأن القانون لا ينص على أى عقوبة لمن لا يقدم معلومات عن قيمة ونوعية النشاط للأراضى التى حصل عليها. هكذا تسير الأمور. رجال أعمال يشترون أراضى بملاليم، ويبيعونها بمليارات وحتى لا يختشوا، ويدفعوا ضرائب عن أرباحهم الحرام. ربما تقلل من ذنوبهم فى حق هذا الشعب.

 

وحتى لا يخدعك أحد صديقى الفلاح أقول لك فعلا الصندوق لا يفرض علينا شيئا بل نحن نتطوع بالتطبيق دون ضغط. والدليل أن معظم الإجراءات والخطوات التى يطالب بها الصندوق كان الدكتور حازم الببلاوى وزير المالية السابق قد كتب أمامها فى رسالته التى أرسل بها إلى رئيس الوزراء عصام شرف تحت عنوان التعاون مع صندوق النقد الدولى تعليقا جانبيا «جار ومستمر» وكتب أمام إجراءات أخرى «تم ومستمر»، نقلا عن كتاب بعنوان «أربعة شهور فى قفص الحكومة». 

 

 

 

 

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات