الفساد فى جذور العائلة الكريمة - محمد موسى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفساد فى جذور العائلة الكريمة

نشر فى : الأربعاء 9 سبتمبر 2015 - 7:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 سبتمبر 2015 - 12:11 م

فى 18 سبتمبر 2014، أى قبل عام بالضبط من الآن، استضاف المهندس إبراهيم محلب وفدا من الفلاحين بنادى المقاولون، وقال لهم إن الفساد فى وزارة الزراعة قد «وصل إلى الركب»، وإنه أعطى توجيهاته لمسئولى الوزارة لمحاربة هذا الفساد.

الرجل الطيب كان يتصور أن الفاسدين هم صغار الموظفين، وأن الكبار فى انتظار توجيهاته ليبدأوا حملة التنظيف، ويطردوا الثعالب الصغيرة من بساتين مصر، لكن فيلم فساد وزارة الزراعة الذى بدأ بحظر النشر، ‪و‬انتهى بالقبض على الوزير نفسه فى ميدان التحرير ظهر أمس الأول، أظهر أن مصر كلها فى حالة فساد مزمنة، ومستقرة.

وزارة الزراعة صورة مصغرة من مصر الرسمية والشعبية، لا تتحرك إلا بالرشوة. كل مواطن يعرف أنه سيدفع للتغطية على جرائم وسرقات، لكنه يدفع أحيانا لمجرد تخليص أوراقه الصحيحة من قبضة البيروقراطية، والإهمال المتعمد، وإهدار الكرامة. كل المصريين شركاء فى جرائم الرشوة والفساد، وفى مقدمتهم، بالنسبة لى، عائلتى الكريمة، لأن الفساد فى مصر واجب قومى، والرشوة علينا حق، مثل الموت.

فى عام 1982 زار ابن خالتى وزير الزراعة فى بيته فى نهار جمعة، وأعطاه عدة آلاف من الجنيهات، وبعض أقفاص المانجو، وعاد بترخيص بيت فى أرض زراعية، ممنوع البناء عليها.
فى 1986 سقط أحد أقاربى فى امتحان ماجستير الطب بعين شمس مرتين، وفى الثالثة أقنعه أولاد الحلال بأن المشرف على الرسالة لا يترك أحدا يمر بلا هدية. استلم المشرف سلسلة ذهبية، وبعد أسابيع نجح الطالب.

وفى 2014 كان ابن قريبى قد أصبح طالب ماجستير بإحدى الجامعات الأجنبية فى مصر، وكان يكافح لتحديد موعد لمناقشة الرسالة، والمشرف يماطل. وجاء من يهمس فى إذنه: أين هدية المشرف؟. واشترى الطالب ساعة يد «ماركة محترمة» للرجل، وبعد أسابيع كنا نحتفل معه بالماجستير.

آخر مرة ذهبت لقسم المعادى للإبلاغ عن ضياع رخصة القيادة، انتهيت من كل الإجراءات والرسوم، وظل مساعد الشرطة ينظر فى وجهى وأنا لا أفهم، حتى قال: هات الحلاوة عشان تاخد الرخصة. وكانت حلاوة «الصول» أغلى من كل الرسوم التى حصلت عليها الدولة من زيارتى للقسم.

دخلت أنا وزارة الزراعة عام 1996، لأسجل قطعة أرض صغيرة تخص العائلة، ولم أخرج حتى الآن. ظللت أدور فى الأروقة المعتمة، وأدفع لمن يطلب، حتى دفعت للموظفين أكثر من ثمنها الذى كان محددا فى ذلك الوقت، 300 جنيه للفدان.

بيان مكتب النائب العام فى قضية وزير الزراعة أدهشنا فى سطوره الأخيرة، بالإشارة إلى طلب الوزير سفر 16 فردا من أسرته لأداء مناسك فريضة الحج. حتى التقرب من الله يتم عن طريق الفساد، فهل هناك أمة تنافسنا فى النفاق، وفى أكل المال الحرام، حتى على أعتاب البيت الحرام؟.
الشرارة الأولى للفساد تندلع من غياب العدل والمساواة، وعدم توافر نموذج المسئول «نظيف اليد»، وتواطؤ الإعلام المرتشى، وعدم الجدية فى القضاء على البيروقراطية، الحاضن الرسمى للموظف المرتشى.

نتمنى ألا يكون القبض على وزير الزراعة «حرب تكسير عظام بين اجهزة الدولة بلغت ذروتها» كما يزعم سكان تويتر، فالحرب على الفساد لن تبدأ قبل أن نفتح كل الشبابيك للنور والحرية والشفافية، عدا ذلك تضييع وقت وكلام جرائد، وتبقى عائلتى مع الآخرين فى مراتع الفساد، حتى إشعار آخر.

محمد موسى  صحفي مصري