كيف تكسب الولايات المتحدة ودَّ الشرق الأوسط؟ - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف تكسب الولايات المتحدة ودَّ الشرق الأوسط؟

نشر فى : الخميس 9 سبتمبر 2021 - 8:35 م | آخر تحديث : الخميس 9 سبتمبر 2021 - 8:35 م
نشرت مجلة The Atlantic مقالا للكاتب كيم غطاس، يقول فيه إنه بالرغم من أن بايدن يقلل من أهمية وأولوية الشرق الأوسط فى سياسته الخارجية، إلا أن المنافسة بين أمريكا والصين فى الشرق الأوسط ستكون حتمية. ذاكرا 3 فئات من الدول فى المنطقة تمثل تحديا وفرصا للولايات المتحدة فى نهجها لمحاربة الصين هناك.. نعرض منه ما يلى.

منذ توليه منصبه، تحدث الرئيس جو بايدن مرارًا وتكرارًا عن المنافسة مع الصين وضرورة محاربتها ومحاربة الأنظمة الاستبدادية الأخرى، ولتحقيق ذلك نوه أنه يجب على الديمقراطيات التمسك بقيمها. لم يتحدث كثيرًا عن الشرق الأوسط فى ذلك الوقت، مما يدل على أن بايدن يحاول التقليل من أهمية وأولوية المنطقة التى يعتقد أنها استهلكت الكثير من اهتمام أمريكا ومواردها.
لكن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين ليست محاصرة داخل آسيا فقط؛ بل إنها عالمية أى تضم الشرق الأوسط، بصرف النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بالإنفاق على البنية التحتية للصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، أو تعطشها للنفط، أو تمسكها بالأنظمة الاستبدادية المعادية لأمريكا. لذلك يجب على بايدن أن يفكر فى كيفية ربط سياسته الخارجية بالشرق الأوسط، وكيف أن الابتعاد كثيرًا عن المنطقة يمكن أن يقوض عمله على المسرح الدولى. وهذا الأمر أصبح أكثر إلحاحًا فى أعقاب الصور المدمرة للانسحاب الأمريكى الفوضوى من أفغانستان.
بادئ ذى بدء، وعلى عكس أمريكا، فإن تعاملات الصين مع الشرق الأوسط لا يعيقها تاريخ من العداء مع دول معينة، مثل العلاقات المضطربة بين الولايات المتحدة وإيران، كما أن الصين لم تربط المساعدات الخارجية والمساعدة العسكرية بمدى احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفى الوقت الحالى، سمح نهج بكين، الذى يركز على الاقتصاد من الاستفادة من الموارد والفرص المعروضة فى المنطقة، والعمل مع الدول التى تمقت بعضها البعض، مثل إسرائيل وإيران، دون التشابك أو التدخل فى سياسات الشرق الأوسط الفوضوية. بكلمات أخرى، نجح نهج الصين تجاه منطقة الشرق الأوسط وهى الآن أكبر مصدر للنفط فى الصين ومنطقة ذات أهمية استراتيجية تغذى نموها الاقتصادى وطموحاتها فى آسيا. فى المقابل، تستطيع بكين تقديم مبالغ ضخمة من الاستثمار.
ولأن الصين لم تنجذب بعد إلى عقد الصفقات السياسية فى أماكن مثل العراق، أو غارقة فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، فإنها لا تزال تتمتع بتقييمات إيجابية فى استطلاعات الرأى العربية.
***
إذا كانت أمريكا تريد أن تقاوم الصين فى الشرق الأوسط، فعليها أن تنظر فى ثلاث مجموعات من الدول، والفرص والتحديات التى يقدمها كل منها.
المجموعة الأولى، من وجهة النظر الأمريكية، غير قابلة للإصلاح: فدول مثل إيران وسوريا تقف بقوة فى المعسكر المعادى لأمريكا، ولا فائدة من محاولة جذب حكوماتها بعيدًا عن الصين. وفى ظل العقوبات المفروضة على الدولتين، ترى دمشق وطهران أن بكين تقدم قروضًا واستثمارات، وسوقًا لنفطهما، وغير ذلك. وتتجاهل الدولتان قضايا تشمل هونغ كونغ وشينجيانغ وتايوان، ويرون فى الصين قوة موازنة للولايات المتحدة.
الجهود الأخيرة التى بذلتها جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية الموالية لإيران لمناشدة بكين تقدم مثالا قويا. منذ عام 2019، ينهار لبنان تحت وطأة سنوات من سوء الإدارة والفساد. رفضت الولايات المتحدة وأوروبا تقديم المساعدة حتى يشرع القادة السياسيون فى إصلاحات جادة. فى يونيو 2020، ادعى زعيم حزب الله، حسن نصر الله، أنه توصل إلى الحل وقال: «لدى معلومات مؤكدة تمامًا.. الشركات الصينية مستعدة لجلب الأموال، وبدون أى تعقيدات نتحدث عنها فى لبنان. لسنا مضطرين لمنحهم المال، سوف يجلبون الأموال إلى البلاد». لكن حتى يومنا هذا، لم يصل سوى القليل من القيمة الملموسة: دفعتان صغيرتان من لقاحات كوفيدــ19 صينية الصنع وشحنة من الأرز يقال إنها فاسدة!.
لكن يقين نصر الله من أن الشركات الصينية ستكون حريصة على إغراق الأموال فى لبنان لمجرد إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط يعكس سوء فهم عميق للصين، واستراتيجيتها السياسية. فلا شك أن الصين تود أن ترى النفوذ الأمريكى يتضاءل فى الشرق الأوسط، ولكن نظرًا لأن المنطقة تظل حاسمة لأمن الطاقة فى بكين، فإن الاستقرار هو المفتاح. يعنى هذا فى الوقت الحالى تجنب المواجهة مع واشنطن.
المجموعة الثانية التى يجب مراقبتها هى حلفاء أمريكا. فى نفس الرحلة التى وقع خلالها وزير الخارجية الصينى وانغ يى على الاتفاق الثنائى مع إيران، سافر أيضًا إلى المملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات والبحرين وسلطنة عمان ــ جميع الأماكن التى تتمتع فيها الولايات المتحدة بعلاقات سياسية وعسكرية واقتصادية قوية. كتب سفير الصين فى الرياض فى مقال رأى مفاده أن تطوير العلاقات مع المملكة العربية السعودية كان «الاتجاه الأولوى لسياسة الصين فى الشرق الأوسط»، وعقدت بكين مناقشات حول الاستثمار أو تمويل المشاريع العملاقة فى المملكة العربية السعودية ومصر، وكلاهما يحاول بناء مدن جديدة من الصفر.
فى حين أن الولايات المتحدة لديها فرصة ضئيلة للفوز على المجموعة الأولى المناهضة لأمريكا، فإن لديها فرصة أكبر مع دول المجموعة الثانية للرد على بكين. فبينما تتطلع الصين إلى تمويل المشاريع العملاقة فى المملكة العربية السعودية ومصر والتى يعتقد أنها لن تحسن الحياة اليومية لعموم الشعبين المصرى والسعودى، يمكن للولايات المتحدة تقديم الدعم للمشاريع التى تعمل بالفعل على تحسين حياة الناس. فى أول قمة له لمجموعة السبع، هذا العام، أعلن بايدن عن مبادرته الخاصة ببناء بنية تحتية أفضل لعالم أفضل، والتى يُقصد بها أن تكون منافسًا لمبادرة الحزام والطريق فى الصين. ستركز الخطة التى تقودها الولايات المتحدة على المشاريع المتعلقة بـ «المناخ والصحة والأمن الصحى والتكنولوجيا الرقمية والمساواة بين الجنسين». الهدف المعلن هو تضييق فجوة البنية التحتية البالغة 40 تريليون دولار فى العالم النامى بحلول عام 2035. لكن يكمن الخطر فى أن دافع بايدن، تمامًا كما هو الحال مع مبادرة الحزام والطريق، سيكون أكثر حول التسويق وليس حول التقدم الحقيقى.
قادة المنطقة سيرحبون بمثل هذا النهج من قبل الولايات المتحدة إذا كان بإمكانها مساعدتهم على درء غضب شعوبهم من خلال التخفيف من تدهور الظروف المعيشية إلى جانب تقليل معدلات ارتفاع البطالة. وفى بلدان مثل العراق ولبنان، سيكون معالجة أزمة التيار الكهربائى بداية جيدة للولايات المتحدة لبدء إحداث تأثير إيجابى فى المنطقة.
المجموعة الثالثة هى شعوب الشرق الأوسط. وعلى الرغم ما أنه كان للولايات المتحدة وجود ضخم على مدى العقود القليلة الماضية، وهى مكروهة ومحبوبة ــ أحيانًا من قبل نفس الأشخاص فى نفس الوقت ــ إلا أن الصين لا تمثل تهديدا كبيرا على الولايات المتحدة داخل هذه المجموعة.
صحيح أن استطلاعا للرأى أجراه الباروميتر العربى فى عام 2020 أظهر وجهات نظر إيجابية للغاية عن الصين مقارنة بالولايات المتحدة، لكن هذه النتائج ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالآراء السلبية عن دونالد ترامب. وهناك استطلاعات أخرى تظهر عدم وجود وجهات نظر قوية حول الصين، وقليل منهم يعبر عن رغبة فى العيش فى الصين.
فى كل الأحوال، لدى أمريكا فرصة نادرة لكسب هذه الدائرة. ففى الشيخ جراح وبغداد وحلب وبيروت، حتى فى طهران ودمشق مع كل حدث وكل اضطراب، السؤال الذى يطرحه الناس على أنفسهم ليس أبدًا ماذا ستفعل الصين؟ لكن ما الذى ستفعله الولايات المتحدة؟ حتى بعد الانسحاب من أفغانستان، ستظل شعوب الشرق الأوسط تتطلع إلى أمريكا بحثًا عن الشجاعة والحرية، فقط لأنه لا يوجد مكان آخر يلجئون إليه وعندما يبحثون عن مكان للهروب، يحلمون بالولايات المتحدة.
***
باختصار، لدى واشنطن فرصة لإعادة التفكير فى كيفية تعاملها مع المنطقة بينما تتقرب الصين من الحكومات فى الشرق الأوسط ــ سواء كانت أصدقاء للولايات المتحدة أو أعداء للأخيرة.
وإذا قدمت الصين نموذجًا للازدهار الاقتصادى فى ظل الحكم الاستبدادى، فالولايات المتحدة تستطيع مواجهتها برؤية أكثر إيجابية ــ رؤية تأخذ أيضًا فى الاعتبار تطلعات جيل الشباب إلى العدالة وسيادة القانون والحكم. القيم تظل ورقة أمريكا الرابحة، لكن يجب على واشنطن أن تعمل بجهد أكبر الآن لإثبات هذه القضية، خاصة فى الشرق الأوسط، حيث المنافسة العالمية بين أمريكا والصين هناك حتمية، ويمكن الفوز بها.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

التعليقات