استعادة لصفحات من تاريخ الأمة.. من الاستعمار إلى الهيمنة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلى - طلال سلمان - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استعادة لصفحات من تاريخ الأمة.. من الاستعمار إلى الهيمنة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلى

نشر فى : الثلاثاء 10 مارس 2020 - 9:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 10 مارس 2020 - 9:35 م


هل عجزت الشعوب العربية التى يُفترض، بقوة الجغرافيا والتاريخ ووحدة المصير، أنها أمة واحدة تتطلع، جميعا، إلى المستقبل الأفضل عبر التحرر من الاستعمار، قديمه والجديد، وإلى التوحد فى دولة واحدة (أو فى اتحاد فيدرالى أو كونفيدرالى) لتأكيد منعتها وقدرتها على بناء غدها الأفضل والانتصار على المعوقات التى اصطنعها دهر الاستعمار حين قسَم هذه الأرض الواحدة إلى دول شتى، مصطرعة ومقتتلة فيما بينها، مما مهد لزرع الكيان الصهيونى، إسرائيل فى قلبها فلسطين؟
ها هو الوطن العربى الآن ممزقا شتى بعد قرن كامل من استيلاد دوله بما يحقق أغراض الاستعمار الغربى ويمهد «لاستنبات» الكيان الإسرائيلى فوق أرض فلسطين، بتواطؤ دولى جمع الغرب الرأسمالى مع الشرق الشيوعى، آنذاك، لتلغيم الأرض المقدسة (فلسطين) بما يمنع توحد سائر المشرق الذى اصطنع فيه الاستعمار دولا شتى لتقسيم العرب.
ولقد أقيمت هذه الكيانات وقد زرعت فيها «الألغام» من خلال تغذية العصبيات الدينية والطائفية، أو اقتطاع مساحات من وطن طبيعى لرعاية كيانات مستولدة وطارئة، اقتضت أحيانا اللجوء إلى سياسة الضم والفرز (كما «الأقضية الأربعة» أى بيروت والشمال والجنوب والبقاع) لاستيلاد الجمهورية اللبنانية ووضعها تحت الانتداب الفرنسى.
كذلك قسمت سوريا إلى ثلاث دول (دمشق وحلب وبلاد العلويين)، واقتطع البريطانيون منها شرقى الأردن لتكون إمارة للشريف عبدالله ابن الشريف حسين، «مطلق الرصاصة الأولى لإعلان الثورة العربية فى العام 1915»...
وكانت تلك الخطوة التمهيد العملى لاقتطاع فلسطين التى كانت تحت الانتداب البريطانى من أجل إقامة الكيان الصهيونى، إسرائيل، فى وقت لاحق، وبعد قمع جيش الاحتلال البريطانى انتفاضات الشعب الفلسطينى ضد المشروع الاستيطانى الذى تم توفيره لإقامة إسرائيل، بذريعة «إنصاف» اليهود وتجميعهم فى دولة (لم تكن لهم فى أى يوم عبر التاريخ) تعويضا لهم عما وقع لتجمعاتهم وأفرادهم فى ألمانيا وبولونيا وسائر أوروبا على أيدى النازيين بقيادة أدولف هتلر، قبل وخلال الحرب العالمية الثانية.
***
كان التمهيد شاملا. الكيانات العربية، التى استحدثتها بريطانيا وفرنسا، ضعيفة، بل منهكة، خصوصا أنها لم تكن دولا قائمة بذاتها فى أى يوم.. بينما إسرائيل جاء عسكرها مكتمل التدريب فى «جيوش الحلفاء» خلال الحرب العالمية الثانية، مع رعاية أمريكية مباشرة سرعان ما شارك فيها الروس، كما بينَ قرار الأمم المتحدة بقبول الدولة المستولدة حديثا، عضوا كامل الأهلية فيها.
... ولقد كان طبيعيا أن تعجز الكيانات العربية المستولدة حديثا، والمجردة من أسباب القوة (اقتصاديا وعمرانيا قبل العسكر وبعد) عن مواجهة هذا الكيان المصفح بالإسناد الدولى ــ شرقا وغربا ــ وكذلك بالضعف المهين فى «دول الطوق» العربية، التى لم تكن دولا، بالمعنى المعروف، ولا هى كانت من القوة وتوافر الإمكانات، لاسيما العسكرية، بما يجعلها، حقا، فى مصاف الدول... فلا جيوش، ولا قدرات اقتصادية، ولا دعم دوليا، فضلا عن الخلافات والمنازعات فيما بينها حول «الحدود».
بل أن مصر الملكية فى ظل فاروق الأول قد زودت القوة العسكرية التى أوفدتها إلى غزة وبعض فلسطين (الفالوجة بينها) بسلاح فاسد، تنطلق رصاصات البنادق من الخلف، مما ساعد على انتشار الفاجعة بشكل كاريكاتورى «يا رب تيجى فى عينُه»، لأن الرصاصة كانت ترتد، إلى الخلف، على مطلقها فترديه، ولذلك فقد كان يبعدها عن وجهه ويطلقها داعيا أن تصيب العدو الإسرائيلى الذى يواجهه.
***
قد يُقال أن ذلك زمن قد مضى وانقضى.. ولكن الحقيقة أن ما نشهده هذه الأيام هو «الثورة المضادة» التى قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ودائما بالشراكة مع العدو الإسرائيلى، بعدما ورثت الاستعمار الغربى.
ولقد باشرت الإدارة الأمريكية التآمر على النهوض العربى الذى حقق أغلى أحلام الأمة بإقامة دولة الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة من خلال توحد مصر وسوريا تحت قيادة جمال عبدالناصر).. وأمكنها تحريض أو شراء بعض الضباط فى الجيش السورى، فوقع الانفصال، ورفض عبدالناصر التدخل بالقوة العسكرية لضرب الانفصاليين فى دمشق حتى لا يعتبر ذلك اغتيالا لمبدأ الوحدة العربية، وضرورتها الحيوية لبناء قوة الأمة العربية وتهديد مستقبل الأمة.
مع وفاة عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970، وبعد الصدامات الدموية المفجعة بين الجيش الأردنى والمقاومة الفلسطينية، تفرق العرب، مرة أخرى أيدى سبأ..
***
وكان ما كان مما نحب أن ننساه: حرب أكتوبر 1973، والنصر الناقص الذى أوصل إلى معاهدة كامب ديفيد، وخروج مصر من حومة الصراع مع العدو الإسرائيلى، وترك سوريا وحدها تقاتل العدو الإسرائيلى حتى اضطرت إلى القبول بتجديد الهدنة، تحت الرعاية الأمريكية.
أخذت العزلة مصر إلى افتقاد العرب دورها الجامع وأثرها العظيم فى مختلف وجوه الحياة العربية، سياسيا وعسكريا وثقافيا واجتماعيا..
وهكذا توزع العرب أيدى سبأ، وكانت النتائج مفزعة:
1ــ تم ترسيخ وجود الكيان الإسرائيلى وتولت الإدارات الأميركية المتعاقبة تعزيز بل تعظيم قدراته العسكرية حتى بات أقوى من العرب مجتمعين..
2ــ استطاعت إسرائيل وقد غدت الدولة العظمى فى محيطها، بعد خروج مصر من حومة الصراع، أن تحاول فرض هيمنتها بالقوة العسكرية والهيمنة السياسية على القرار العربى، وأن تخترق الحصار فتسحب الأردن إلى معاهدة صلح معها فى وادى عربة (1974)...
3ــ وفى حين استطاعت المقاومة الإسلامية فى لبنان أن تحقق الانتصار فتجلى قوات الاحتلال الإسرائيلى عن الأرض اللبنانية، فى 25 مايو 2000، فإن هذا العدو قد عاد فشن الحرب على لبنان فى يوليه – أغسطس 2006. ولكنه ارتد على أعقابه مهزوما، وكان القرار الدولى 1701 نقطة النهاية لهذه الحرب... حتى إشعار آخر..
... والصراع مفتوح، بعد، ولن يسمح العرب بأن يعودوا إلى أحضان الاستعمار، بل إلى أسر الاحتلال الإسرائيلى، بعد أن ذاقوا طعم الحرية..
والكفاح دوار.. لتستعيد الأمة وحدتها وقرارها الحر..
وطنى لو شغلتُ بالخلد عنه... نازعتنى إليه فى الخلد نفسى

رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات