التفاعل بين التخصصات - محمد زهران - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التفاعل بين التخصصات

نشر فى : السبت 10 سبتمبر 2022 - 8:40 م | آخر تحديث : السبت 10 سبتمبر 2022 - 8:40 م
عنوان هذا المقال قد يجعل القارئ يظن أننا نعيد مناقشة فكرة التخصص الدقيق مقابل الجمع بين تخصصات عدة للشخص الواحد، لكن الموضوع اليوم مختلف، اليوم نتكلم عن تفاعل التخصصات المختلفة مع بعضها البعض، ونقول التخصصات بعامة وليست التخصصات العلمية فقط. هل معنى هذا أن التخصصات الإنسانية أو الأدبية قد تتفاعل مع تخصصات علمية؟ الإجابة هى نعم وسنرى أمثلة فى هذا المقال، لكن قبل أن نبدأ نريد أن نعرِف مصطلح «التفاعل».
من أهم أهداف المعارف الإنسانية رفاهية الإنسان على الأرض سواء عن طريق تطويع الطبيعة أو تذوق الجمال أو إرساء قواعد العدل إلخ. لتحقيق أى هدف من هذه الأهداف والكثير غيرها نحتاج عدة علوم يسند بعضها بعضا، لنر أمثلة..
المثال الأول يتعلق بالأجهزة الكهربائية التى نستخدمها فى حياتنا مثل التليفون المحمول واللابتوب وبرامجه الكثيرة إلخ، هذه الأجهزة تساعدنا فى حياتنا لكن كيف تتطور حتى تصل إلينا؟ البداية هى ابتكار تصميم أفضل لأجهزة الكمبيوتر (نعم تليفونك المحمول هو جهاز كمبيوتر أيضا)، ثم يأتى المبرمجون ليستفيدوا من التصميم الجديد ويطوروا برمجيات أفضل، ثم يفرح الناس بتلك البرمجيات (مثل ألعاب الكمبيوتر أو الفيسبوك أو الذكاء الاصطناعى إلخ)، بعد فترة يتعود الناس على البرمجيات الجديدة ويبدأون بالمطالبة ببرمجيات أكثر تقدما، حتى يحدث ذلك لابد من تصميم أكثر تقدما للحاسبات، وتبدأ الدائرة من جديد. ما هى العلوم التى تدخل فى سياق هذه المثال؟ عندنا مهندسو الحاسبات وعندنا المبرمجون وخبراء علوم الحاسب وعندنا علماء النفس الذين يساعدون المبرمجين على تصميم برمجيات تجتذب الناس وعندنا خبراء فى الاقتصاد لتسعير البرمجيات واستثمار العائد فى تصميم حاسبات جديدة وبرمجيات جديدة إلخ.
المثال الثانى هو العلم والأدب وبالتحديد روايات الخيال العلمى، الرواية إما تحتوى على معلومة علمية صحيحة وبالتالى تساهم فى توصيل المعلومة للناس، أو معلومة خاطئة عن عمد لإدخال عنصر تشويق مثلا، أو تنبؤ بتقدم تكنولوجى أو علمى قد يتلقفه العلماء أو المهندسون ويعملون على تطويره. نرى هنا بوضوح تفاعل العلم مع الأدب، وهذا التفاعل نراه فى الأدب بعامة وليس الخيال العلمى فقط مثل علم النفس والاجتماع وتأثيرهما وتأثرهما بالأدب.
المثال الثالث متعلق بالعملية التعليمية، العملية التعليمية تحتاج إلى قدر كبير من علم النفس للتعامل مع الشخصيات والقدرات المختلفة للطلبة، كما تحتاج إلى تكنولوجيا فى الأدوات المستخدمة فى قاعات الدروس والمحاضرات والمعامل، وصناعة هذه التكنولوجيا التعليمية تحتاج إلى التفاعل مع علم النفس حتى تنتج أدوات تستخدم بفاعلية فى تعليم الطلاب، الذى يغفل عنه الكثيرون أننا أيضا نحتاج إلى علم الاجتماع ولكى نعرف السبب دعنا نقسم الطلاب إلى أربع فرق: هناك الطالب القوى علميا والقادر ماديا والطالب القوى علميا وغير القادر ماديا والطالب الضعيف علميا والقادر ماديا والطالب الضعيف علميا وغير القادر ماديا. النوع الأول يدفع جزءا من المصاريف الدراسية ويحصل على منحة للجزء الباقى، النوع الثانى يحصل على منحة كاملة، النوع الثالث يدفع مصاريف كاملة وهى التى تستخدم فى جزء منها على الأقل فى دفع المنح للنوع الثانى. النوع الرابع هو من يحتاج إلى علم الاجتماع لأنه معناه أن الطالب ليس موهوبا فى التعليم العادى لكنه موهوب فى التعليم الفنى أو التجارى إلخ لأن كل طالب له نقاط قوة أو موهبة فى تخصص ما. المشكلة أن المجتمع عندنا لا ينظر النظرة المناسبة للتعليم الفنى وستجد أغلب الأسر تفضل أن يكون ابنها مهندسا ضعيفا عن أن يكون فنيا ناجحا، نحتاج علماء الاجتماع وعلماء النفس أيضا لتغيير هذه النظرة المجتمعية القاصرة تجاه التعليم الفنى.
هذه الأمثلة الثلاثة تبين أن نجاح أغلب المشروعات يحتاج تكاتف الكثير من التخصصات العلمية والأدبية على حد سواء، والفن هو كيفية تحديد التخصصات التى نحتاجها وبناء فريق من المتخصصين فى مختلف هذه التخصصات ليقوم بالمهمة المنوط بها. هذه ليست بالمهمة السهلة لأن تحديد التخصصات التى نحتاجها فى مشروع ما تحتاج نظرة شاملة من شخص متعدد التخصصات. إذا كنت ستبنى شركتك المتخصصة فى البرمجيات مثلا فهل فكرت من قبل أنك تحتاج متخصصا فى علم النفس؟
الهدف الأساسى من هذا المقال هو دفع القارئ العادى والمتخصص على حد سواء إلى تنويع الموضوعات التى يقرأ فيها أو أية وسيلة أخرى تحصل بها على المعلومات مثل المحاضرات أو الفصول التعليمية الموجودة بكثرة على الإنترنت وأغلبها بالمجان، الخطوة الثانية أن كل معلومة تحصل عليها يجب أن تحاول ربطها بالمعلومات الأخرى التى تعرفها، الاستفادة القصوى من المعارف تأتى بربطها مع بعضها لأن المعارف بحر كبير وليست جزرا منعزلة.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات