المأمول من قمة شرم الشيخ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 11:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المأمول من قمة شرم الشيخ

نشر فى : الإثنين 10 أكتوبر 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : الإثنين 10 أكتوبر 2022 - 7:15 م
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب نجيب صعب، يقول فيه إنه وإن كان لا ينتظر أن تحقق قمة شرم الشيخ الأهداف المرجوة ــ نظرا لانعقادها فى وقت يواجه فيه العالم الكثير من الهموم والكوارث ــ إلا أنه يرجو أن يمهد المؤتمر الطريق للقمة التى تليه فى أبوظبى لتحقيق الأهداف. كما حاول طرح حلول أمام الدول النامية لمواجهة التمويل اللازم للتعامل مع ظاهرة تغير المناخ.. نعرض من المقال ما يلى.
يلتقى العالم فى قمة شرم الشيخ المناخية بعد أقل من شهر، وهو مُثقل بالهموم والأعباء. ولن يكون من السهل أن تتجاوز الأطراف المتفاوضة تحديات الحروب والاقتصاد للتفرُغ لأعباء تغيُر المناخ. وإذا كان لا يُنتظر أن تحقق قمة شرم الشيخ «كوب 27» الطموحات التى كانت معقودة عليها قبل الانهيارات الكبرى، فالمأمول أن تفتح مسارات جديدة لإنجاز المهمة فى القمة 28 فى أبوظبى بعد سنة. فلا يجوز أن تُلغى الهموم بسبب أحداث طارئة، على فداحتها، الاهتمام بقضية وجودية مثل تغيُر المناخ.
غير أن الصورة ليست قاتمة بالكامل؛ إذ ستغيب عن المفاوضات، للمرة الأولى، الأصوات الشعبوية المشككة بالحقائق المناخية، وستتميز هذه القمة بالإجماع، إلا على التمويل. ففضلا عن الاعتراف الكامل بالخطر الوجودى الذى يمثله التغيُر المناخى، هناك اتفاق شامل على وجوب مشاركة جميع الدول، غنيها وفقيرها، فى العمل السريع لخفض كبير فى انبعاثات الاحتباس الحرارى، وبناء القدرات للتصدى لآثار التغيُر المناخى التى لن يمكن وقفها. نحن أمام لحظة نادرة تتميز بالإجماع على تشخيص المشكلة ووجوب حلها سريعا. فماذا يعوق الاتفاق الكامل فى شرم الشيخ إذا؟
• • •
نقطة الخلاف الأساسية، منذ سنوات، هى نفسها: من يدفع الثمن؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب الاتفاق على ثلاثة أمور، لكل منها انعكاساته على الأوضاع الاقتصادية للبلدان وبرامجها التنموية. نبدأ من تحديد الأولويات، التى يختلف ترتيبها من بلدٍ إلى آخر. ففى حين يضع بعضهم فى المقدمة مسألة خفض الانبعاثات الكربونية عن طريق وضع حد سريع لحرق الوقود الأحفورى، يرى آخرون أن البداية يجب أن تكون من ترشيد الاستهلاك وتحسين الكفاءة، إلى جانب تطوير تكنولوجيات التقاط الكربون وتخزينه، أو إعادة استعماله فى الصناعة بطرائق مأمونة. وفى حين تطالب بلدان بالبدء فى تخفيض الانبعاثات من الصناعة، تصر أخرى على المباشرة بالزراعة. ويبقى الخلاف الأكبر على إعطاء الأولوية لتخفيف الانبعاثات، أو للتكيُف مع التغيُرات التى لن يمكن وقفها.
وإذا حصل اتفاق على وضع هذه الأمور جميعا فى الأولويات، يبقى الخلاف على الجدول الزمنى للتنفيذ. فما هى الفترة المطلوبة لتحقيق الأهداف؟ وما هى فترة السماح المناسِبة لتحول سلس لا يؤدى إلى صدمات اقتصادية واجتماعية؟ وقد شهدنا أخيرا احتجاجات مربى الأبقار فى هولندا على القيود المشددة التى تفرض خفضا كبيرا فى أعداد القطعان للحد من انبعاثات الميثان، كما شهدنا دعوات لتخفيف سرعة التحوُل إلى الطاقات النظيفة والمتجددة، لتجنُب حصول خضات فى أسواق الطاقة.
وحين تتفق الأطراف المتفاوضة على أن كل هذه الأمور مهمة، يتقدم السؤال عن التوزيع العادل للأعباء بين الدول. وهذا يشمل التحوُل إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، وإدارة المياه، وتعديل أنماط الإنتاج الزراعى، والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية من غابات ومحيطات ومياه عذبة، كما يشمل بناء حواجز لصد مياه البحار المرتفعة وإبدال محاصيل زراعية بأخرى تتحمَل الجفاف، وتعديل البنى التحتية من شبكات مياه وطاقة وطرقات، لتقاوم الحرارة المرتفعة، وتعزيز قدرة القطاع الصحى على التعامل مع موجات جديدة من الأمراض والفيروسات والأوبئة... واللائحة تطول.
• • •
هذه الأمور جميعا قابلة للحل إذا توافر التمويل المطلوب، مدعوما بالإدارة الرشيدة. ويقع الضرر الأكبر على الدول النامية، التى بالكاد تستطيع تمويل احتياجات البقاء الأساسية، ناهيك بتدابير المناخ. فالحاجة إلى ضخ المساعدات الإنمائية للدول الفقيرة سبقت بروز مشكلة المناخ بعقود؛ إذ طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1970 الدول الغنية بتخصيص 0.7 فى المائة من دخلها القومى الإجمالى كمساعدات لتنمية الدول الفقيرة. فلو تم الوفاء بهذه التعهدات، لكانت الدول النامية اليوم أكثر استعدادا للتعامل مع تحديات تغيُر المناخ. ويتكرر المشهد نفسه الآن، حيال تقصير الدول الغنية فى الالتزام الكامل بتمويل صندوق المناخ بمائة مليار دولار سنويا. وإذا كانت هذه الحال خلال سنوات البحبوحة، فلا يمكن أن ننتظر اليوم أن تفتح الدول الغنية صناديقها فى شرم الشيخ لضخ أموال إضافية، فى ظل أزمة اقتصادية خانقة وضعت معالجة المشكلات الداخلية لسكانها فى طليعة الاهتمامات.
لقد ثبت قبل وقت طويل أن النموذج القديم، القائم كليا على الهبات والقروض المشروطة، لم يعد صالحا كحل لتحديات التنمية. ولم يكن الانهيار الأخير إلا بمثابة النعى الرسمى. فعلى الدول العربية، فى ظل المتغيرات العالمية، التوجه نحو استقطاب الاستثمارات الخاصة والشراكات، أكانت من القطاع الخاص داخل بلدانها، أم من محيطها الإقليمى، أو على مستوى العالم، لكن هذا يتطلب وضع قوانين تنظم الاستثمارات وتوجهها نحو الاقتصاد الأخضر لتحقيق متطلبات التنمية المستدامة، بما فيها الأهداف المناخية، فى إطار سياسات وطنية بعيدة المدى ومستقرة؛ لأن اجتذاب استثمارات القطاع الخاص يتطلب استقرارا سياسيا وتشريعيا. وحين يتحقق هذا، فلا حدود للمشاريع المجزية للمستثمر والمفيدة للدول العربية، من إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة والهيدروجين، إلى الزراعة المستدامة، والعزل الحرارى للأبنية، والسياحة المستدامة، وغيرها كثير. وإذا كانت المشاريع الإنتاجية، التى تساعد فى تخفيف الانبعاثات، مؤهلة لاستقطاب الاستثمارات والشراكات، فالتدابير المطلوبة للحد من آثار تغيُر المناخ تقتضى تمويلا من القطاع العام. وهنا تبرز أهمية تفعيل «صندوق الخسائر والأضرار»، فتُستخدم معظم أمواله فى التصدى لتلك الآثار التى لن يمكن وقفها. وما برحت الدول الصناعية تؤجل الالتزام بموجبات هذا الصندوق، الذى يفرض عليها دفع تعويضات تتناسب مع مسئوليتها التاريخية عن الانبعاثات الكربونية.
أما الدول العربية المصدرة للنفط، فأمامها الآن فرصة نادرة للتحول السريع، بعدما أطلق معظمها سابقا برامج طموحة تشمل الطاقة النظيفة والمتجددة، وتوسيع الرقعة الخضراء، وإدارة المياه، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة عامة. كان هذا خلال فترة وصلت فيها أسعار النفط والغاز إلى مستويات منخفضة، مما وضع قيودا على تمويل البرامج، لكن الارتفاع القياسى فى أسعار الوقود خلال الفترة الأخيرة، وهو قد لا يستمر طويلا، يعطى هذه الدول دخلا إضافيا يسمح لها بتسريع تنفيذ برامج التحول داخليا، وتعزيز التعاون الإقليمى ضمن المجموعة العربية.
• • •
تستطيع قمة شرم الشيخ تحويل الخيبات إلى فرص إذا نجحت فى الاتفاق على التوزيع العادل للأعباء، لكن الموازنة بين الهموم الاقتصادية العرضية والاهتمامات المناخية الوجودية، ستتطلب تسويات دقيقة.

التعليقات