ماذا تعنى سوريا لشيعة المنطقة؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا تعنى سوريا لشيعة المنطقة؟

نشر فى : السبت 11 يناير 2014 - 9:05 ص | آخر تحديث : السبت 11 يناير 2014 - 9:05 ص

كتب رودجر شاناهان، باحث غير مقيم فى معهد لوى للسياسات الدولية وباحث زائر فى كلية الأمن القومى فى الجامعة الوطنية الأسترالية ــ مقالا تحليليا نشر بموقع كارنيجى لدراسات الشرق الاوسط. أشار فى بدايته إلى أن دعم الشيعة فى المنطقة إلى نظام الأسد مسألة جيوسياسية أكثر منها دينية.

ليست الحرب الأهلية فى سوريا مصدر حشد لشيعة المنطقة كما هى للجهاديين السنّة الأجانب. غالبا ما يُصوَّر تورّط الأفرقاء الشيعة فى المنطقة، أى إيران وحزب الله اللبنانى والمجموعات العراقية، من منظار دينى. لكنّ الدوافع التى تحرّك المقاتلين الشيعة فى سوريا (أو على الأقل الدول أو الجماعات التى ترسلهم إلى هناك) تكتسب أبعادا متشعّبة، وتنطلق من عوامل عدّة مثل الاعتبارات الجيوسياسية والرغبة فى الدفاع عن النفس وصونها، أكثر ممّا تنطلق من الانقسام المذهبى الواضح.

وإذ يتحدّث حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، عن الخطر التكفيرى الذى يهدّد الشيعة مثلا، يتطرّق أيضا إلى حاجة الدفاع عن سوريا من مخاطر الهجمات الدولية والإقليمية. وقد ربط المرشد الأعلى الإيرانى، فى كلمة ألقاها فى سبتمبر الماضى، المشاكل فى سوريا بالمصالح الخاصة التى تبذل كل من الولايات المتحدة والصهاينة جهودا حثيثة لتحقيقها، كما ربطَها، فى إشارة غير معهودة إلى حد ما، بمصالح الرأسماليين، مع التقليل من شأن الطبيعة المذهبية للنزاع. ولا شكّ فى أن الخطاب ينطلق من المصالح الذاتية، لكنه يُظهر أيضا أنّ الأفرقاء الشيعة يدركون، بما أنهم أقلية، أنّ عليهم التقليل من شأن العامل المذهبى فى أى نزاع واسع النطاق بين المسلمين.

•••

على الصعيد السياسى، ينطلق دعم إيران وحلفائها لنظام الأسد من رغبتهم فى الدفاع عن هذا النظام الموالى لإيران، وذلك لأسباب جيواستراتيجية أكثر منه بدافع التضامن الدينى. ومن شأن خروج سوريا من دائرة النفوذ الإيرانى أن يؤدّى إلى تراجع نفوذ طهران فى العالم العربى، وإلى تعطيل قدرتها على تقديم الدعم اللوجستى لحزب الله. ليس هناك شعور حقيقى بالأخوّة الدينية بين الشيعة الاثنى عشرية فى إيران ولبنان والعراق من جهة، والعلويين الذين يسيطرون على نظام الأسد من جهة أخرى. فعلى الرغم من أنّ السيد موسى الصدر وآية الله حسن الشيرازى أعلنا فى السبعينيات، كلٌّ على حدة، أنّ العلويين هم مسلمون شيعة، إلا أن الهدف كان دعم نظام الأسد عبر منحه ومنح المقرّبين منه شرعية دينية، ولم يكن تعبيرا عن تضامن روحى أو إيديولوجى.

لا يعنى ذلك أنّ ما من أهمية دينية لسوريا بالنسبة إلى الشيعة. لكن على النقيض من بعض المجموعات الأكثر مجاهرة بانتمائها إلى التيار الإسلامى السنّى فى صفوف المعارضة، والتى تعتبر أن النزاع فى سوريا يتيح لها فرصة إنشاء دولة إسلامية كجزء من خلافة إقليمية أوسع، يبدو أن الشيعة الذين يحاربون فى هذا النزاع لا يقاربونه باعتباره جزءا من مشروع شيعى أوسع. فإذا كان من سبب دينى يدفع الشيعة إلى المشاركة فى القتال فى سوريا، فهو يرتدى أساسا طابعا ثانويا ودفاعيا. يرتدى مقام السيدة زينب أهمية بالغة بالنسبة إلى المتديّنين، وقد أصبح منذ الثمانينيات، موقعا مهما للحج ومركزا للبحوث الدينية. نتيجة لذلك، يرى بعض الشيعة فى الدفاع عن المقام فى وجه القوات الإسلامية السنية سببا مشروعا لحمل السلاح. يكتسب استهداف المقامات الشيعية بعدا تاريخيا مهما جدا بالنسبة إلى الشيعة؛ فهم يتذكّرون جيدا كيف نهب الوهّابيون كربلاء فى العام 1801، وكيف لحقت أضرار كبيرة بضريح العسكرى فى العام 2006، عندما حاول المتمرّدون السنّة العراقيون التسبّب بنزاع مذهبى عبر استهداف المقامات الدينية المهمة. وهكذا عندما ظهرت تقارير عن تدنيس السلفيين لمقام شيعى صغير فى سوريا، بدأت الاتهامات بأن السلفيين يستهدفون مقام السيدة زينب تتردّد فى أوساط شرائح واسعة من الشيعة.

إضافة إلى ذلك، لا ينظر جميع الشيعة من المنظار نفسه إلى الوضع فى سوريا، أو إلى حاجتهم إلى التدخّل فيها. فتركيز الطائفة الشيعية فى المنطقة على النزاع فى سوريا يتوقّف إلى حد بعيد على ظروف الشيعة الخاصة ونظرتهم إلى التأثير الذى تمارسه الأحداث السوريّة عليهم. ففى لبنان مثلا، يسود شعور بأنّ صعود السلفيين فى سوريا يمثّل تهديدا وجوديا للشيعة. وتعتبر هذه النظرية أنه إذا لم يتم ردع السلفيين فى سوريا، فسوف يكون لبنان هدفهم المقبل لـ«نشر المذهب السنّى».

لكنّ فئتَى الشيعة فى لبنان (الشيعة الموالون لحزب الله والشيعة غير المنتمين إلى حزب الله) اعتمدتا أساليب مختلفة فى التعامل مع المسألة السورية، ما يعكس ظروفهما الخاصة. فالأعمال الهجومية التى يشنّها حزب الله دعما للجيش السورى فى أماكن مثل القصير يُنظَر إليها بشكلٍ إيجابى على نطاق واسع فى أوساط الشيعة؛ لكنّ الجهات غير المسلّحة فى الطائفة الشيعية اللبنانية تكتفى (علنا على الأقل) بإرسال الأفراد للمساعدة على حفظ الأمن فى مقام السيدة زينب فى جنوب دمشق. وتُعتبَر حمايتهم للمقام عملا دفاعيا أساسا، والهدف منها واضح ومفهوم. ففى غياب التعاطف الإيديولوجى الطبيعى مع العلويين فى سوريا، أو التعاطف الواضح مع الأهداف السياسية الإيرانية إلى حد ما، يواجه الشيعة اللبنانيون صعوبة فى كسب دعم أوسع فى داخل طائفتهم لتحرّك يذهب أبعد من هذا الرد الدفاعى. يتوجّه بعض الشيعة العراقيين للقتال دعما لنظام الأسد، ولكن من دون الحصول على الدعم من آية الله على السيستانى الذى لا يرى سببا لمؤازرة نظام الأسد، بيد أن بعض المجموعات الشيعية الموالية لإيران فى العراق ترسل مقاتلين للمشاركة فى النزاع فى سوريا وذلك للأسباب السياسية البراجماتية نفسها التى تحرّك إيران. وعلى الرغم من أن التصريحات العلنية قد تُغلَّف أحيانا بعبارات دينية، يبقى الدافع دفاعيا إلى حد كبير، إذ يهدف إلى ردع التحرّكات السعودية وسواها من التحرّكات السنّية ضد النظام العلوى فى سوريا. و«الدعوة إلى حمل السلاح» التى يطلقها الشيعة لا تشمل فعليا الجماعات الشيعية الكبيرة الأخرى فى دول مثل البحرين، أو فى باكستان، إذ يواجه الشيعة فى كلا البلدَين تحدّياتهم السياسية والأمنية الخاصة. لقد اختارت هذه الجماعات الشيعيّة تقديم دعم معنوى أساسا، ربما إدراكا منها أنّ المساهمة بطريقة فاعلة فى القتال فى سوريا قد تفاقم مشاكلها الداخليّة.

•••

على الرغم من الأبعاد الدينية أو المذهبية الكامنة فى النزاع، فإن تصوير سوريا على أنها محور للجهاد الشيعى الدولى ينطوى على سوء فهم للدوافع التى تحرّك الفرقاء المتورّطين فى النزاع. فإيران تنطلق أساسا من حسابات سياسية، فقد استثمرت فى سوريا فى إطار جهودها الإقليمية الهادفة إلى إرساء دائرة نفوذ واسعة قدر الإمكان. ويقدّم الشيعة المؤيّدون لنظرة إيران العالمية الدعم العسكرى لنظام الأسد انطلاقا من السبب عينه. ويخشى آخرون (ولاسيما فى حالة لبنان) أنّ فى حال حقّق السلفيون انتصارا فى سوريا، قد يدفعهم ذلك إلى السعى إلى تنفيذ مشاريعهم فى أماكن أخرى. بيد أن الدافع الدينى للفرقاء الشيعة الآخرين أكثر محدودية إلى حد كبير. فاهتمامهم الدينى بالوضع فى سوريا مرتبط ارتباطا شديدا بمصير مقام السيدة زينب، وبدرجة أقل بكثير بالنظام السورى الحالى. فهؤلاء الشيعة لا يرون فى العلويين رفاقا لهم فى العقيدة، إلا أنهم يكنّون لهم الاحترام نظرا إلى المساعدة التى يقدّمونها للشيعة وإلى وقوفهم فى وجه السعودية ومصالح أخرى يعتبر الشيعة أنها تتعارض مع مصالحهم انطلاقا من هويتهم الدينية. ولا يخلو هذا الدعم لنظام الأسد من الشروط، وسيبقى عرضة للتغيير بحسب المصالح القومية للبلدان المعنية مثل إيران، إلا أنه كافٍ فى الظروف الحالية للمساعدة على بقاء النظام السورى.

التعليقات