إعادة إنتاج التوريث - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 1:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعادة إنتاج التوريث

نشر فى : الأربعاء 11 مارس 2009 - 7:22 م | آخر تحديث : الجمعة 13 مارس 2009 - 1:27 م

 تظل مشكلة «التوريث» من أخطر المشكلات التى تشغل الشعب المصرى بكل فئاته: النخب السياسية، والأوساط الشعبية الفاهمة. والكل يراقب كل سكنة وحركة، وهو يرى كيف يتم تغييب شعب بأكمله واستغفاله حتى تقع الفأس فى الرأس، بطريقة سلسلة خبيثة. فيفاجأ بموقف لا يختلف عن الذى وجد السوريون أنفسهم فيه، وهم من أكثر الشعوب العربية استنارة وتقدما: أشكال دستورية ملتبسة، برع فى تطريزها رجال سوف يحاسبهم التاريخ: أن يرث الابن السلطة تنتقل إليه دون منافسة متكافئة، لمجرد أنه ابن الرئيس!
فى سلسلة من تسع مقابلات أجراها السيد جمال مبارك، بصفته المعلنة كأمين للجنة السياسات فى الحزب الوطنى، وبصفته غير المعلنة التى أصر محرر الـ«نيوزويك» فريد زكريا أن يؤكد عليها فى حواره لـCNN الذى اختتم به الزيارة شبه الرسمية، على أنه الرئيس المحتمل القادم لمصر، ودون أن ينكرها..

 

تحدث السيد جمال فى كل المشكلات والقضايا التى تمس سياسات مصر عن الأزمة المالية، وأمنها القومى وسياستها الخارجية والموقف فى الشرق الأوسط، وأعطى تفسيره الرسمى للأفكار والاتجاهات الراديكالية التى تدعى التجمعات الإسلامية أنها الوحيدة التى تمتلك الإجابة عنها..
دون إشارة واحدة عن الديمقراطية أو الحريات والإصلاح السياسى.. كل ذلك فى جلسات معظمها مغلقة، لا يعرف الشعب المصرى ونوابه عنها شيئا، ويبدو أن من حقه ألا يعرف!

وضاعف من غموض الصورة والتوائها، أن الصحف القومية التى تتحدث بلسان الحزب الحاكم، ولا تدع شاردة ولا واردة من نشاط لجنة السياسات وأمينها العام إلا وأفاضت فيها بالتعليق والتشخيص، الذى يعكف رؤساء تحريرها على تدبيجها وشرح أبعادها، لم تذكر شيئا عن الرحلة وما دار فيها من أحاديث ومقابلات، ولم تنشر شيئا عن الحوار الكاشف، القاطع المانع، مع الـCNN الذى أثار من التساؤلات أكثر مما قدم من إجابات!

وفى هذا السياق فليس مفهوما لماذا إذن تلاحق الدعاوى والاتهامات ناشطا وطنيا معارضا مثل سعد الدين إبراهيم، وغيره ممن يتاح لهم لقاء نفس المسئولين من أعضاء الكونجرس ومراكز الأبحاث وخبراء الشئون الخارجية، وإجراء حوارات وأحاديث يعبرون فيها عن رأيهم فى نفس القضايا والمشكلات التى تكلم فيها جمال مبارك.. مع أن أحدا منهم لم يدع لنفسه أنه الرئيس القادم لمصر، أو يسمح لمحاوره التليفزيونى بأن يصفه بهذه الصفة. وإلا لكانت التهمة الموجهة إليه ليست مجرد التخابر مع جهات أجنبية ولكن التآمر لاغتصاب الحكم.

ليس معروفا إذا كانت لقاءاته المغلقة تناولت مستقبل الأوضاع الداخلية فى مصر، ومدى ما يطمح إليه من إصلاح سياسى لو تحققت أحلامه، ولكن الحوار كما وصفه خبراء أمريكيون جرى فى حدود مرسومة وبأسئلة ناعمة تختلف عن تلك التى اعتاد أن يجريها فريد زكريا؟!

ربما يظن البعض فى لجنة السياسات أن تغيير الإدارة فى أمريكا سوف يغير موقفها من نشر الديمقراطية، وأن إعادة إنتاج الابن المرشح لــ«الرياسة» كفيل بأن «يلين» موقف الإدارة الجديدة، التى أعلنت أنها تخلت عن أسلوب فرض الديمقراطية بالقوة، وأنها تفضل انتهاج أسلوب آخر للتشجيع عليها، وبالأخص مع الدول الصديقة!!

كثيرون لا يجدون غضاضة فى أن يصل جمال مبارك لمنصب «الرياسة»، فلديه قدرات تؤهله لذلك، ولكنه ليس الوحيد فى مصر بل هناك عشرات ومئات يملكون مثل هذه المؤهلات الشخصية والسياسية، وقد يفوقونه خبرة واقترابا من هموم الشعب ومشكلاته. فإذا توافرت شروط المساواة والتكافؤ والتزام المسار الدستورى والقانونى، دون تزوير أو تزييف، فلن يعترض أحد على انتخابات نظيفة تتوفر لها شروط النزاهة!

وإلا فما هكذا تورد الإبل يا سيد جمال..
وإن كان البعض قد بات يتوهم أن الإبل فى مصر لا تورد إلا بهذه الطريقة!!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات