ما يكشف عنه التعامل مع قضية سد النهضة - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما يكشف عنه التعامل مع قضية سد النهضة

نشر فى : الثلاثاء 11 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 11 يونيو 2013 - 11:49 ص

التعامل مع مسألة سدِ النهضة الذى شرعت إثيوبيا فى بنائه على النيل الأزرق، وخاصة ما تبيَن من خلال جلسة «الحوار الوطن» المذاعة على الهواء مباشرة، يكشف عن إشكاليتين أساسيتين التى لابد للمصريين أن يولوهما أقصى درجات الاهتمام.

 

الإشكالية الأولى تكمن فى النظرة إلى قارتنا الأفريقية وإلى شعوبها، وفى أسلوب التعامل مع بلدانها، وأولها إثيوبيا. والإشكالية الثانية هى فى مفهوم «الحوار الوطنى» ووظائفه، فضلا على شكله وتنفيذه.

 

الإشكاليتان متداخلتان فيما يتعلق بالشكل والتنفيذ، وإن كانت للإشكالية الثانية، أهميتها فى حد ذاتها، وبصرف النظر عن مسألة سد النهضة.

 

كشف «الحوار» العلنى عن اعتناق الأغلبية الساحقة للمشاركين فيه لنفس الأفكار والمواقف التى تعامل بها الاستعمار معنا ومع قضايانا الوطنية والعربية. دعوات إلى التلويح باستخدام القوة والتهديد بها، بل وإلى استخدامها. ونصائح بإثارة القلاقل والفتن والانقسامات الداخلية.

 

بدا وكأن الضحية قد أعجبت بما أنزل بها إلى حدِ أنها تريد محاكاته ولعب دور الجلاَد ولو لمرة واحدة! هذه الدعوات والنصائح هى اعتناق لمبدأ أنه لا أخلاق فى السياسة وأن معادلة السياسة صفرية، ما يكسبه طرف يخسره الطرف الآخر، وهذا مبدأ بال تماما لا ينبغى أن يهدينا فى علاقاتنا الخارجية، نحن الذين عانينا من صندوق الدين، ومن الاحتلال البريطانى، ومن تجزئة المنطقة العربية، ومن نشاط الحركة الصهيونية وإنشاء إسرائيل فيها، ومن العدوان العسكرى المتكرر، نحن الذين لا نكف عن التنديد بما يحاك ضدنا من مؤامرات فى الخفاء.

 

لا يمكن المحاجاة بأن هذه الدعوات والنصائح دفاع مشروع عن النفس لأن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تقصر حق الدفاع المشروع على حالة التعرض لهجوم عسكرى. الأدهى أن المقصودين بالتهديد يعرفون بخوائه، فتسليحنا معلوم من مصادره التى نتزوَد به منها.

 

ثم إننا لا نقدر على إيقاف قطع الطرق والاشتباكات بين القرى فى وادينا، فتخيَل حالنا ونحن «نحتلُ» إثيوبيا لتثبيت النتائج «العظيمة» التى سنكون قد حققناها «بضرب سدِ النهضة وإيقاف العمل به»! ثمن هذه الدعوات والنصائح هى إتلاف صعب الرتق لعلاقاتنا بإثيوبيا وبكل القارة الأفريقية التى نريد أن نمثلها، ويا للسخرية، بمقعد دائم فى مجلس الأمن! الخبراء الحقيقيون بشأن مياه النيل يعلمون أن كمية المياه فى روافد النيل هائلة، وأن المتسرب منها والمتبخر، إن تم تجميعه يزيد مرات ومرات عما يمكن أن تحتاجه مصر لعشرات السنين المقبلة.

 

المطلوب هو الإقرار علنا وأمام الرأى العام المصرى والأفريقى بحق شعوب حوض النيل جميعها فى التنمية، والعمل معها فى نفس الوقت على تنمية الموارد المتاحة من مياه النيل، وعلى تنمية الطاقة الكهربية المتولدة عنها، وعلى قيام تكامل إقليمى لدول حوض النيل لا يقتصر على مجرد المياه.

 

أما تصرفات إثيوبيا المجافية فى نظرنا لأحكام القانون الدولى، فهى تعالج بالتفاوض وغيره من طرق التسوية السلمية للمنازعات وفقًا لنص المادة 33 من الميثاق، بالتوازى مع جهود تنمية المياه والكهرباء وإقامة التكامل الإقليمى. هذه الجهود والتكامل الإقليمى ستخدم ولا شك عملية التفاوض.

 

أما إن تعذر الوصول إلى تسوية فيمكن اللجوء إلى مجلس الأمن فقا لأحكام المادة 34 من الميثاق، وفى هذه الحالة من المهم أن نعى أن تعزيز فرصنا فى المجلس يستدعى احترامنا للقيم المعتمدة للنظام الدولى فى كل المجالات، ومنها تلك الخاصة بحقوق الإنسان، وبالمجتمع المدنى، وبحقوق المرأة. الاعتذارات قدمت للمشاركين فى «الحوار» لأنهم لم يبلغوا بأنه مذاع على الهواء، وكأنما المشكلة الحقيقية ليست فى طريقة التفكير التى تكشف عنها الدعوات والنصائح المقدمة!

●●●

أما «الحوار الوطنى» الذى عهدناه فى الأشهر الأخيرة، فهو آلية عجيبة. جلسات لعقد «حوار وطنى» فى اليوم التالى للدعوة إليه، بدون جدول أعمال أو وثائق، ولا حتى موجزة، يستند إليها الحوار. لا مشاورات مسبقة بشأن موعد الحوار أو الموضوعات المحددة المطروحة عليه، أو القواعد الإجرائية للجلسات، ولا بشأن طبيعة نتائج «الحوار» ومصيرها.

 

ولا وقت للاستعداد بمواقف مدروسة مبنية على معلومات. المحصلة هى أن «الحوار» مجرد جلسة لا تقدم ولا تؤخر، وإن كانت قد أخَرت فى حالة هذا «الحوار» الأخير بالذات. قد يقول قائل إن «الحوار» الأخير قد تمخض عن إنشاء رئيس الجمهورية للجنة وطنية معنية بسد النهضة، يدخل فى تشكيلها، كما رشح حتى الآن، كل «السياسيين» الذين شاركوا وممثل لكل من الوزارتين المعنيتين بالمياه وبالسياسة الخارجية، وبعض الشخصيات المقترحة الأخرى.

 

أولا فى هذا التشكيل تعبير عن القبول بسلامة الدعوات العدوانية والتخريبية لأعضائه «السياسيين»، وفى هذا إضرار بالغ بالمصلحة الوطنية. ثم ما وظائف هذه اللجنة؟ هل هى لجنة استشارية؟ كيف لها أن تشير، وهى لا تضم فى عضويتها الخبرات الفنية والسياسية والقانونية الضرورية للتعامل مع مسألة بأهمية مياه النيل؟ هل هى لجنة تشارك فى اتخاذ القرار فى أى مرحلة من مراحل عملية اتخاذه؟ التشاور ضرورى، لا ريب فى ذلك، ولكن فى الأنظمة السياسية، والديمقراطية منها بشكل خاص، المؤسسات المشاركة فى اتخاذ القرار معروفة.

 

السلطة التنفيذية، تخدمها الإدارة العامة، تدرس وتحلِل وتضع السياسات وتنفذها. تستفيد السلطة التنفيذية فى ذلك بما يسهم به من معلومات المجتمع المدنى ومنظماته، من جانب، ومراكز البحث، من جانب آخر. السلطة التشريعية تصدر القوانين اللازمة لتنفيذ السياسات، وتصدِق على الاتفاقيات الضرورية لتنظيم العلاقات الخارجية، وتراقب عمل السلطة التنفيذية، وهو الشىء الأهم فى حالتنا هذه. الرئيس السابق وسلفه اعتادا هما أيضا على عقد اجتماعات يشارك فيها رأس السلطة التشريعية مع رئيس الوزراء والوزراء.

 

كيف يمكن بعد ذلك للسلطة التشريعية أن تراقب السلطة التنفيذية، وقد شاركتها عملية اتخاذ القرار فى إحدى مراحلها؟ التشاور المبنى على معلومات مطلوب ولكن «اللجنة الوطنية»، خاصة إذا ما ضم إليها رئيس مجلس الشورى، تبدو آلية لتجميع السلطات وليس للفصل بينها، وهو ما يخل بمبدأ أساسى يكفل سلامة اتخاذ القرار فى النظم الديمقراطية. التوجس واجب من كل تجميع للسلطات. الأنظمة الفاشية جسَدت تجميع السلطات، والكوارث التى أنزلتها هذه الأنظمة بشعوبها وبلدانها ليست خافية على أحد.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات