تمويل البحث العلمى - محمد زهران - بوابة الشروق
الإثنين 2 ديسمبر 2024 4:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تمويل البحث العلمى

نشر فى : السبت 11 يونيو 2022 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 11 يونيو 2022 - 9:10 م

دائما ما كنا نسمع قصة إسحاق نيوتن الشهيرة وهى أن تفاحة سقطت على رأسه وهو جالس فى الحديقة فاكتشف قوانين الحركة، هى قصة طريفة ولا شك، لكنها غير دقيقة مثل أغلب قصص السير والتراجم التى نريد أن تكون شيقة وملهمة أكثر من الحقيقة. المهم أن ما حدث مع نيوتن يهمنا ومرتبط بعنوان المقال. كان نيوتن يبحث عن تمويل لمشروعه البحثى الذى يبحث فى قوانين الحركة والجاذبية، تمويل الأبحاث فى ذلك الوقت كان يأتى من الأمراء والملوك، أثناء تجول نيوتن فى الحديقة بعد أحد الاجتماعات وقعت تفاحة من إحدى الأشجار، وهو يأكل التفاحة جاءته فكرة أن القانون الذى يتحكم فى سقوط التفاحة على الأرض يشبه القانون الذى يتحكم فى حركة الكواكب، وأنه سيستخدم مثال التفاحة وهى تسقط لشرح فكرة بحثه وتبسيطها للملك شارلز حتى يحصل على التمويل اللازم. بعد شرح فكرته للجنة تابعة للملك جاءته بعد عدة شهور الموافقة على تمويل مشروع بحثى لتحسين سلالات التفاح. طبعا نيوتن حاول شرح أن التفاح ليس هو أساس فكرته، ولكن قوانين الحركة، فى النهاية وافق على الحصول على التمويل وكان يقضى جزءا من وقته مع الفلاحين لفحص التفاح والأسمدة إلخ ووقت آخر لبحثه العلمى، وهذا ما سنتحدث عنه اليوم: تمويل البحث العلمى. كان أمام نيوتن حلان: إما أن يرفض التمويل بحجة أن هذا ليس مشروعه الأساسى، أو أن يقبل التمويل ويحاول استغلال بعضه لفكرته الأساسية والبعض الآخر للمشروع الممول وقد اختار الحل الثانى.
نحن فى عصر لا يمكن عمل بحث علمى معتبر فى العلوم التطبيقية دون تمويل، يستخدم هذا التمويل لشراء أجهزة ولتعيين مساعدين وللسفر لحضور اجتماعات ومؤتمرات إلخ. لكن عدد من يريدون تمويل أبحاثهم والأموال اللازمة للتمويل أكثر بكثير من التمويل الموجود، يؤدى ذلك إلى اشتداد المنافسة وأيضا وضع شروط صعبة من الهيئات الممولة لضمان نجاح المشروع البحثى الممول وهذه هى المشكلة الأولى.
فى كثير من الأحيان تطلب الهيئات الممولة نتائج أولية للبحث وهذا قد لا يتوافر إما لأن فكرة البحث معقدة وتحتاج إلى تمويل حتى للحصول على تلك النتائج الأولية أو أن الفكرة لم يتم إثباتها بعد، تخيل مثلا أن الهيئة الممولة طلبت من أينشتاين نتائج أولية عن نظريته النسبية، هذا بالطبع مستحيل وقتها. لهذا يعمد الكثير من الباحثين إلى حل يشبه ما فعله نيوتن وهو استخدام بعض الأموال من تمويل مشروع يعملون به للقيام بتجارب لمشروع آخر يرغبون فى تمويله.
المشكلة الثانية هى رغبة الهيئات الممولة فى زيادة نسبة المشروعات الناجحة لذلك تفضل تمويل الأفكار المضمونة، هذا بالطبع يعرقل الأفكار الأكثر جموحا والتى إن نجحت ستكون قفزة كبيرة للعلم. من وجهة نظرى والتى تحتاج لمناقشة أن الأفكار المضمونة يجب أن تعمل بها الشركات فى مراكز أبحاثها لأنها فى النهاية يهمها الربح من منتجات أو خدمات تقدمها للناس، لكن الباحثين فى الجامعات والمراكز البحثية يجب أن ينظروا للأمام أكثر من ذلك ويجب أن تشجعهم الجهات الممولة، طبعا هناك تمويل لتلك النوعية من الأبحاث لكنه أقل بكثير من التمويل للأفكار المضمونة.
المشكلة الثالثة وتعانى منها الدول النامية أكثر من غيرها وهى البيروقراطية الزائدة، قد تحصل على تمويل لبحثك لكن كى تستخدم هذا التمويل عليك الحصول على الكثير من الإمضاءات والموافقات واستيفاء عدد لا نهائى من الأوراق وهذا يستنزف مجهودا ووقتا كان من الأحرى أن يستخدم فى البحث العلمى. الحجة الواهية التى تستخدمها الهيئات المكبلة بالبيروقراطية أن هذه هى الطريقة الوحيدة لمقاومة الفساد والتلاعب بأموال البحث العلمى وهذا خطأ. هناك دائما ضوابط لإنفاق أموال البحث العلمى، من لا يسير عليها (ومن السهل كشف ذلك دون تعقيدات بيروقراطية لا لزوم لها) يتم سحب التمويل منه وعقابه بعدم الحصول على تمويل لمدة معينة.
الحصول على التمويل للبحث العلمى مهمة ليست سهلة ولا يتعلمها حتى طلاب الدراسات العليا وهذا يجب أن يتغير، فكما نعلم الطلاب كيفية كتابة بحث علمى يجب أيضا تعليمه كيفية عرض فكرة البحث للحصول على تمويل.
التمويل عادة فى الهيئات المعتبرة يعتمد على التحكيم من عدة باحثين بطريقة شبيهة بتحكيم الأبحاث مع اختلاف مهم: تقييم البحث العلمى يعتمد على تقييم الفكرة ونتائجها، تقييم عرض طلب التمويل يعتمد على تقييم الفكرة وتقييم الشخص نفسه الذى يرغب فى تمويل مشروعه لأن الفكرة قد تكون ممتازة لكن الشخص غير مؤهل لتنفيذها.
كيفية تمويل البحث العلمى هى مهارة يجب أن نعلمها لطلاب الدراسات العليا عندنا الذين يرغبون فى مواصلة البحث العلمى بعد تخرجهم.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات