العدالة .. مع مراعاة فروق التوقيت - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العدالة .. مع مراعاة فروق التوقيت

نشر فى : الإثنين 11 يوليه 2011 - 8:38 ص | آخر تحديث : الإثنين 11 يوليه 2011 - 8:38 ص

 على غرار «الآن فهمتكم» جاء بيان عصام شرف رئيس الوزراء أمس الأول عندما أعلن عن أن من ضمن ما فهمه (متأخرا كثيرا) أن الغاضبين والمعتصمين والثائرين فى ميادين مصر يبتغون العدالة الاجتماعية بعد أن طفح بهم الكيل.

الآن فقط فهمت يا دكتور شرف أن جموع الناس التى خرجت فى ثورتها الهادرة كانت تبغى العدل الاجتماعى. وكانت تئن من الظلم الاجتماعى، والتفاوت الاجتماعى، والإحباط الاجتماعى وكانت تهتف بالحق فى الأكل والشرب والسكن والعلاج الاجتماعى. وليست المصيبة أنك فهمت أخيرا أن الناس خرجت تسعى للعدالة الاجتماعية، ولكن أم المصائب وأعجبها أنك عندما فهمت كل ما استطعت أن تفعله هو تشكيل لجنة برئاسة د. جودة عبدالخالق وزير التضامن الاجتماعى للنظر فى تحقيق تلك الغاية. التى من المؤكد أنها لم تكن على جدول أعمال الحكومة من قبل. بل وكان لابد أن تسيح أدمغة ما لا يقل عن 2 أو 3 ملايين مصرى من الشمس الحارقة التى غطت كل ميادين التظاهر حتى تقرر يا دكتور شرف أن تشكل لها لجنة. وطبعا سيحترق ما لا يقل عن مليون منهم فى الشمس، وسيصاب نفس العدد بضربات شمس قبل أن تنتهى اللجنة من أعمالها.

ولأن شر المصائب لم يعد يضحك أحدا. فنحن سنأخذ الأمر مأخذ الجد، ونقول للدكتور شرف العدالة إن أردتها لا تحتاج منك لا إلى تشكيل لجنة، ولا إشغال الدكتور جودة فى البحث عنها، ويكفيه ما تتعثر فيه أقدامه من مصائب ورثها من جحيم العهد السابق. عليك يا دكتور شرف (إن أردت) فى يوم واحد أن تعيد النظر فى مصيبة الموازنة العامة التى اقترفتها الحكومة بعد تعديلها عن صورتها الأولية. وهذا ليس معناه أن الموازنة فى صورتها الأولى كانت عادلة ولكنها الأقل ظلما. ويكفينى دليلا على ظلم هذه الموازنة للناس ما صرح به د. عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية فى النظام السابق بأن هذه الموازنة لا تختلف عن موازنات الدكتور يوسف بطرس غالى.

يا دكتور شرف قبل أن تشكل لجنة تبحث عن العدالة، تستطيع (إن أردت) أن تعيد بعض الحقوق التى اغتصبها الذين أعدوا الموازنة فى صورتها النهائية وحذفوا منها بدون رحمة وبلا أى حياء 3.2 مليار جنيه كانت مخصصة لزيادة الحد الأدنى لأصحاب المعاشات الذين يقل معاشهم عن 300 جنيه. وهؤلاء يزيد عددهم على 4 ملايين. إلى جانب زيادة من يقل معاشه عن 800 جنيه. هل تسمع يا دكتور شرف الذين يقل معاشهم عن 300 جنيه يتجاوز عددهم 4 ملايين بنى آدم. يعنى العدل الذى يبغيه هؤلاء الناس هو أن يصل ما يعيشون به طول الشهر إلى 300 جنيه، حرموا منه بسبب آراء وزراء حكوماتك. الذين أقنعوك بأنه ليس عدلا أن نلغى دعم الصادرات الذى يحصل عليه نحو 1600 من رجال الأعمال ويصل إلى 2.5 مليار جنيه. بينما نلغى المخصصات التى كانت محددة فى الموازنة فى صورتها الأولى لأصحاب المعاشات المنخفضة بعد أن قررت الحكومة أن تتقشف وأن يدفع الضعفاء أو بالأحرى أضعف فئات المجتمع ثمن تقشفها.

ولكن رب ضارة تصلح الثورة فقد أضفى الظلم على هؤلاء الضعفاء من أصحاب المعاشات قوة وشبابا ندر أن نتصوره. فإذا سمعتهم يا دكتور شرف وهم يتحدثون عن وقفات احتجاجية يعدون لها من الآن فى كل محافظات مصر ابتداء من مدينة الثورة (السويس) إلى كل أرجاء مصر فحتما سوف تسارع إلى وزير المالية لتأمره بأن يعيد الحقوق للضعفاء أولا.

هل يصعب عليك يا دكتور شرف أن تعرف أن جانبا يسيرا من العدالة الاجتماعية يتحقق لو تم الأخذ بالقرار الذى كان منصوصا عليه فى الموازنة فى صورتها الأولى وهو رفع حد الإعفاء الضريبى من 9000 جنيه إلى 12 ألف جنيه على الرواتب. يعنى بشكل بسيط إعفاء من يحصل على 750 جنيها شهريا من الضرائب وإخضاع من يحصل على 1000 جنيه فى الشهر. يعنى العدل الذى نطالبك به هو مجرد المساواة فى الإعفاء الضريبى بين من يتقاضى 750 جنيها فى الشهر، وبين من يتحصل على ملايين الجنيهات من أرباح البورصة. وهو ما لم يتحقق فى الموازنة البائسة للحكومة.

وإذا كانت الحكومة قد قررت التقشف يا دكتور شرف فكان من الأجدر ألا يدفع ثمن تقشفها بند التعليم أو الصحة. وبدلا من أن يكون التعليم فى المشروع الأول للموازنة يمثل 11% من إجمالى الإنفاق تخفضه الحكومة إلى 10.6%. والصحة تخفضها إلى 4.8%. فى نفس الوقت الذى ترفع فيه نصيب الدفاع والأمن القومى من 5% فى الموازنة الأولية إلى 5.2%. وترفع كذلك نصيب الشرطة من 4% فى المشروع الأولى إلى 4.6% فى الموازنة التى دخلت حيز التنفيذ فعلا. ولا نعرف ما إذا كانت هذه الزيادة فى مخصصات الشرطة هى مكافأة لهذا الجهاز فى دوره اللعين فى الثورة، أم أنه سيحتاج إلى مزيد من التحديث تحسبا لمواجهة المراحل المرتقبة من الثورة.

أى عدل الذى تتحدث عنه يا دكتور شرف، وكيف نصدق أنك مهموم بموضوع العدالة بينما موازنة حكومتك لم تقترب من دعم الغاز للمصانع التى يملكها رجال أعمال شبعوا دعما وغازا وكهرباء طول العقود الثلاثة الماضية. ولم تفكر الحكومة فى موازناتها مجرد الاقتراب منهم حتى ولو على استحياء عن طريق فرض ضريبة على عقاراتهم التى أثبتت التحقيقات مع أقرانهم من رجال الأعمال المتورطين مع النظام السابق أن الحد الأدنى الذى يملكه الواحد منهم من قصور وفيللات وشقق لا يقل عن 10 أو عشرين. فحتى لو تقاضت الموازنة ضرائب على الظاهر من هذه العقارات لدخل لخزينتها المليارات حتى يأتى يوم نكتشف ما خفى منها.

يا دكتور.. أوجه العدالة كثيرة إن أردت أن تعدل. ولكن المشكلة أن عليك مراعاة فروق التوقيت. لأن القدر من العدل الذى يمكن للناس أن تقبله الآن، سوف لا يصبح مقبولا بأى حال من الأحوال لو ساحت أدمغتهم بفعل شمس المظاهرات، أو ظلم الحكام. وعندها سيصبح ولا بحر من العدل يستطيع أن يدخل دماغهم. رجاء مراعاة فروق التوقيت.

أعدت الضريبة التى ألغتها الحكومة بجرة قلم على أرباح البورصة والتى كان يقدر عائدها بنحو 2.5 مليار جنيه.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات