سلوكيات اللسان 12ـ الدعوة إلى الله - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلوكيات اللسان 12ـ الدعوة إلى الله

نشر فى : الجمعة 11 يوليه 2014 - 4:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 11 يوليه 2014 - 4:30 ص

-1-

الدعوة إلى الله فى أصلها هى «دعوة من الله لعباده» أن يتعرفوا على ربهم فيعبدوه ويطيعوه، ويتعرفوا على دنياهم فيعمروها، ويتعرفوا على أنفسهم فيكرموها، كما يتعرفون على الآخرة فيعملوا حسابها لأنها دار الجزاء الأوفى ونهاية المطاف.

فالداعى الأول هو الله إذ يقول: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ..). بل إن الرسل جميعا يخبروننا أن الداعى الأول هو الله حيث يقول فى القرآن: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى..). ومادام الله قد فتح أبوابه داعيا عباده لفعل الخير وقوله، فلا شك أن العمل الرئيسى للأنبياء والمرسلين هو دعوة الناس ــ كل الناس ــ إلى ربهم.

فها هى توجيهات الله للأنبياء والمرسلين أن تكون وظيفتهم الرئيسة هى دعوة الخلق إلى خالقهم، فهذه وظائف الرسول الخاتم يحددها القرآن لكريم (..إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً).

ثم يتابع الوحى تكليف الرسول (ص) بالدعوة:a (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ..).

والقرآن الكريم هو مدرسة للدعوة ومرجعيتها، فنقرأ فيه فقه الدعوة، كما نقرأ تاريخ دعوات النبيين والمرسلين لأقوامهم، كما نتعلم من القرآن أساليب الدعوة، ومن بين تلك الأساليب قول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) كما يبين القرآن ضرورة عدم التراجع أمام شدة الضغوط، فعلى الدعاة الاستمرار فى الجدال والبرهان حيق يقول: (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

-2-

ولقد باشر الرسول ج الدعوة إلى ربه ليلا ونهارا، قريبا وبعيدا مع العدو والصديق، بل لم يغلق الأبواب ولم يقطع الحوار حتى مع من ثبت نفاقهم، فقد حرص (ص) على استمرار مد الجسور مع كل البشر لا لشيء إلا لتبليغ الدعوة.

وها هو (ص) يقابل حاخامات اليهود ويقبل نقاشهم، ولا يفرض عليهم تغيير عقائدهم ولا ترك شعائرهم، ولولا مؤامراتهم ما خرجوا من المدينة. كما قابل (ص) وفد النصارى من نجران ومن الحبشة ودعاهم للإقامة فى المسجد، فأقاموا يأكلون ويشربون أكثر من أربعين يوما، بل سمح لهم أن يحملوا صلبانهم ويرفعونها داخل المسجد. وكل هذه السماحة أصل من أصول الدين وأداة من أدوات استمرار أبواب الدعوة مفتوحة أمام من يشاء.

-3-

والقرآن الكريم يهيب بمن يستطيع أن يتهيأ للدعوة أن يتعلم أصولها، ويتدرب على ممارستها، ويزداد خبرة فى تبليغها.

فالدعوة ليست مجرد حفظ آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وليست الدعوة مجرد خطابة وتشقيق للكلام، كما أن الدعوة إلى الله عمل تخصصى من أكبر التخصصات نظريا وعمليا، فعلى من يريد ممارسة الدعوى أو يفكر فى الاشتغال بها أن يتقن أمورا كثيرة مثل ماذا يقول؟

وبماذا يبدأ؟

وماذا يبدأ به مع كل مستوى ثقافى؟

ومتى يقول ومتى يسكت؟

فانظر القرآن وهو يعظم ثواب الدعوة قائلا (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ).

وحسن القول المطلوب لا يأتى إلا من التفرغ والتخصص ومعرفة أصول الدين. وإن هذه الأصول هى التى دعا إليها جميع الأنبياء والمرسلين، فلا مجال للتفرقة بين الرسل جميعا فالدعوة تقوم على تقدير واحترام سائر الأنبياء وتكريم سائر بنى آدم والحفاظ الشديد على الدماء والأموال، ومنع انتهاك حرمات الناس.

وفنون الدعوة كثيرة من إرشاد وتعليم، إلى وعظ وتذكير، إلى إنذار وتحذير، إلى تحبيب وتشويق، إلى مصاحبة الناس فى فعل الخيرات وترك المنكرات.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات