آلهة وملوك - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

آلهة وملوك

نشر فى : الخميس 12 مايو 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الخميس 12 مايو 2016 - 9:55 م

مهما كانت الأسباب التى جعلت فيلم «gods of Egypt»، يعرض عندنا تحت عنوان «kings of Egypt»، فإن ما يعنينا أكثر فى العمل الضخم الذى أخرجه أليكس بروياس هو قراءة الفيلم نفسه، تصنيفه ومغزاه، والطريقة التى قدمت بها أساطير الآلهة الفرعونية الشهيرة.

من حيث المضمون نحن بالفعل أمام حكاية عن صراع آلهة على حكم البشر على الأرض، نستطيع أن نقول إنه صراع على السلطة، جوهر اللعبة هو تقديم مجموعة من الآلهة المصرية القديمة معا، فى صورة أقرب ما تكون إلى صراعات الآلهة فى الملاحم الإغريقية القديمة، مثل «الإلياذة» و«الأوديسا».

يجب أن نلاحظ أيضا أن تصنيف الفيلم على أنه «تاريخى» أو «أسطورى» أمر غير صحيح على الإطلاق، إننا أمام ما يطلق عليه «فانتازيا مستلهمة من أساطير»، خيال حر يأخذ من أسطورة إيزيس وأوزوريس وست ونفتيس وحورس إطارها العام فقط، ثم يقدم رؤية لها علاقة بمضمون مختلف، محوره علاقة البشر بالآلهة، وفكرة الحب كقيمة خالدة، دون إهمال مغزى الأسطورة المصرية القديمة، التى تتحدث عن قدرة الخير على قهر الشر، وقدرة الحب والوفاء على استعادة الحياة من الموت.

لا جدوى إذن من المقارنة بين الأسطورة الأصلية، أو صور الآلهة المصرية المعروفة، وبين ما رأيناه فى عمل فانتازى تماما. الفانتازيا هى قانون الفيلم، وهى أيضا معيار تقييمه، لذلك نقول بوضوح إننا أمام عمل خيالى فائق الإبهار، يستلهم فقط (ولا ينقل) صورة الحضارة الفرعونية وأساطيرها، يعنيه الصورة والمؤثرات والمعارك والمطاردات المتقنة التى تم توزيعها بشكل ذكى على مدى الفيلم، يهتم بالتشويق والإثارة، ويرى فى هذه الأساطير، وفى تلك الأرض (مصر)، ما يصلح لكى يكون مادة درامية سينمائية، تماما مثلما هو الحال فى تلك الأفلام التى استلهمت أساطير الآلهة الإغريقية.

الإطار المستلهم لا يزيد على الصراع بين أوزوريس الخير، وشقيقه ست الشرير، وقيام الأخير بقتل أوزوريس، فيما عدا ذلك هناك بناء فانتازى للأسطورة، مع التأكيد منذ البداية على أن مصر وأرضها هما محور الكون والحياة كلها، وأنها مكان يستحق أن يتصارع حوله الآلهة، وأن يسكنوه أيضا كملوك، لا أن يسكنه البشر فحسب.

ستشاهد فى الفيلم آلهة شهيرة للفراعنة مثل أبطال الملحمة الأصلية: أوزوريس وإيزيس وست وحورس ونفتيس، وسيظهر كذلك آلهة آخرون مثل أنوبيس رب العالم الآخر، وتوت إله الحكمة، وقبل هؤلاء رع الإله الأعظم، وكأنه زيوس المصرى، ولكن سمات هذه الآلهة فى الفيلم ترتبط بالدراما، ولها علاقة ضعيفة جدا بأصلها الأسطورى، وهو أمر مشروع تماما، فمن حق صناع الأفلام أن يكتفوا بالاستلهام، وأن يصنعوا هم أساطيرهم الجديدة، دون اتهام ساذج بالتشويه أو إهانة الأساطير والتاريخ، الفن محاكاة، وهذه المحاكاة تستوعب الخيال المحلق أيضا.

فيلمنا مثلا يذكر أن ست مزق جسد أوزوريس، مثلما هو الحال فى الأسطورة المصرية، ولكن الفيلم لا يمنح دورا لإيزيس فى إعادة الأشلاء إلى أصلها، بل نعرف أنها انتحرت بعد مقتل زوجها. الحكاية ليست أصلا عن أوزوريس وست، ولكنها عن رحلة الإله حورس، ابن أوزريس، لاستعادة عرش مصر، بمساعدة أحد البشر الفانين ويدعى بيك، والصراع ذكورى بالأساس، مع دور مهم أنثوى واحد هو الربة هاتور، التى جعلها الفيلم إلهة الحب. فى المشاهد الأولى، وفى يوم تنصيب حورس بمباركة والده أوزوريس، يقتحم ست وجنوده المكان، يقتل أوزوريس، وينتزع عينى حورس، فيفقده قوته وسطوته، ويتخذ ست من هاتور عشيقة، وكانت أصلا عشيقة لحورس، ثم يمتلك ست مصر بقوة القهر، ويستعبد شعبها، تحت سطوة السيف.

بناء الفيلم يأخذ بعد ذلك شكل الرحلة: يتحدد طرفا الصراع أكثر عندما ينضم بيك، وهو شاب ظريف ومغامر يذكرنا بعلاء الدين أو سندباد فى حكايات «ألف ليلة وليلة»، إلى حورس الإله المهزوم، يقوم بيك بإعادة إحدى العينين إلى حورس، بشرط أن يعيد حورس الحياة إلى زايا، حبيبة بيك، التى قتلها سهم أثناء المطاردة، هنا تبدأ رحلة استعادة سلطة مصر، أولا بدافع الانتقام، وفيما بعد بهدف هزيمة الشر، وإقرار العدل، ووضع أساس لمحاسبة البشر فى الآخرة، مرتبط بما فعلوه فى الدنيا.

الإبهار البصرى المتقن والمجسم على الشاشة بتقنية البعد الثالث، يجب ألا يشغلنا عن هذا البناء المعقد الذى يستلهم الأسطورة والدين معا فى حزمة واحدة، عينه على فكرة صراع الخير والشر، وعينه على الامتاع البصرى بالصورة والحركة والكائنات الخرافية، حيث يتحول الإله أحيانا إلى هيئة صقر أو تنين، وحيث تقتحم الثعابين الشاشة، لتقفز إلى عين المتفرج فى القاعة، وحيث تحاصر النيران الأبطال.

ولكن عين الفيلم أيضا على فكرة العلاقة بين الآلهة الخالدين، والبشر الفانين، هناك حفاوة واضحة بالبشر، بقدرتهم على الحب، بجرأتهم وشجاعتهم، بل إن حورس سيترك نائبه/ خليفته ليدير مصر، بينما يحلق هو فى الفضاء، ربما بحثا عن هاتور فى العالم الآخر، ولكن هذه الحفاوة بالإنسان مرتبطة أيضا بإله خير وعادل، يضع أساس الثواب والحساب، هذا الإله هو الشاب حورس الذى سيولد من جديد فى نهاية الرحلة، بعد أن اختبر المعاناة، وبعد أن أصبح جديرا بأن يكون هو أيضا خليفة لوالده أوزوريس، ولجده رع إله النور كما يصفه الفيلم، وهو فى الفيلم حكيم، يسلب ست قدرته على التناسل، ويريد للخير أن يسود، ولكن بجهد يبذله حفيده حورس، لكى يكون مستحقا للسلطة.

جوهر القصة فى ثوبها الفانتازى الجديد فى هذا التحالف بين إله خير وقوى يدعى حورس، وإنسان بسيط وعاشق يدعى بيك، بل إن حكاية غرام حورس وهاتور، توازى حكاية بيك وزايا، يكاد الحب أن يكون حلقة وصل بين الخالد والفانى، هاتور شخصة ثرية للغاية، إنها تتعاطف كثيرا مع رغبة بيك فى استعادة حبيبته من عالم الموتى، تضحى هاتور بنفسها لكى يصل بيك إلى حيث تحاسب زايا فى العالم الآخر، هاتور أيضا عاشقة، إنها تعرف أيضا كيف تغوى البشر، باستثناء العاشقين منهم.

تفكيك فيلم «آلهة مصر» يكشف عن مغزى مهم مستلهم من أساطير الفراعنة، أراد الشر ممثلا فى ست أن يأخذ عقل توت إله الحكمة، وعينى حورس رب الهواء، وجناحى نفتيس الطيبة، بل أراد أن يزيح والده رع (وهو أيضا والد أوزوريس) عن مكانته العليا، أراد الشر أن ينشر الفوضى، ولكن حورس وريث الخير، وبيك العاشق، يستعيدان الزمام، تصبح الأعمال لا الذهب معيار الثواب والعقاب، يمتد الخيط الواصل بين الأسطورة الفرعونية، والدين بمعناه المعاصر، ثم إن هوليوود تدافع عن أيقوناتها بمهارة، حتى وهى تستلهم الآلهة المصرية: البطل الفرد يربح بجهده وشجاعته، أسرة جديدة تتكون على أساس حب أسطورى، ووطن يستحق الدفاع عنه، والعودة لاستعادته، وتعظيم إرادة الإنسان المستمدة من إرادة الإله الأشمل والأعظم.

ألا تتفق معى بعد هذا التحليل أن هذا الفيلم يستحق ما هو أفضل فى الحديث عنه، بدلا من الجدل حول حكاية عرضه عندنا باسم «ملوك مصر»، بدلا من «آلهة مصر»؟!

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات