«حرب استنزاف» جديدة! - سمير العيطة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«حرب استنزاف» جديدة!

نشر فى : الأحد 12 نوفمبر 2023 - 7:40 م | آخر تحديث : الأحد 12 نوفمبر 2023 - 7:40 م

لم تكن حرب أكتوبر 1973، رغم حجم الأعمال العسكرية والرمزية التى تُحاط بها، أهم حرب عربية ــ إسرائيلية، بل كانت تلك الحرب التى لم يعُد يذكرها الكثيرون، والمعروفة بـ«حرب الاستنزاف». كانت مصر وسوريا والأردن قد مُنيت بهزيمة أليمة سنة 1967 وشمل الاحتلال الإسرائيلى غزة وسيناء والضفة الغربية والقدس والجولان. لقد انتفض المهزومون وعملوا على استعادة قوتهم وبدأت حرب يومية دامت ست سنوات تخللتها معارك دائمة برية وجوية وعرفت تلك السنوات نشوء حركة التحرير الوطنى الفلسطينية.
كان الهدف حينها استنزاف الاحتلال عسكريا واقتصاديا وبشريا لدفعه إلى إعادة الأراضى المحتلة وتطبيق قرار مجلس الأمن 242. وقد دعمت بلدان الخليج العربى فى ذلك الوقت «دول المواجهة» بشكل كبير وكذلك فعل الاتحاد السوفيتى، بينما دعمت الولايات المتحدة إسرائيل. ووقفت كثير من البلدان الأوروبية وخاصة فرنسا الجنرال ديجول موقفا مناهضا للاحتلال لأنّه يخلق حُكما ــ اضطهادا ــ والمقابل مقاومة سيصفها ذلك الاحتلال بالإرهاب وأن لا حل للنزاع سوى من خلال الانسحاب من الأراضى المحتلة.
واليوم توصف الحرب الحالية فى فلسطين، المستمرة منذ أكثر من شهر، بأنها ستكون «طويلة ومكلفة» وأنها ستكون «حرب استنزاف» جديدة. الفلسطينيون أعلنوا أن هدفها هو تحرير الأقصى، أى تحرير القدس الشرقية المحتلة عام 1967. وأعلن الإسرائيليون أن هدفها هو إعادة احتلال غزة، وضمنيا تثبيت ضم الضفة الغربية وطرد أغلب الفلسطينيين والفلسطينيات من قطاع غزة ومن الضفة الغربية. هذا فى الوقت الذى تخطت الجرائم المرتكبة ضد السكان المدنيين والإنسانية كل ما عرفته الصراعات السابقة.

• • •

تدعم الولايات المتحدة سياسيا وعسكريا إسرائيل بشكل واضح تخطى المستويات التى عرفتها المنطقة فى السابق، بعد أن اعترفت بضم إسرائيل للقدس الشرقية والجولان. وذلك بحجة حقها فى «الدفاع عن النفس» ضد الإرهابيين. ووقفت الدول الأوروبية بوضوح وبشكل غير مسبوق كاملا مع إسرائيل، سياسيا وعسكريا، إلى درجة تقليص الحريات العامة لديها وحشد إعلامها، مقوضة بذلك نموذج الحرية والديمقراطية الذى صنعته نضالات شعوبها. واضح أن الهدف هو ألا «تُستنزف» إسرائيل، ليس فقط على الصعيد الاقتصادى والعسكرى، بل أيضا على صعيد الرأى العام فى الغرب الذى باتت الجرائم الإسرائيلية واضحة أمامه رغم الأكاذيب.
فى المقابل، لا يشكل الموقف العربى، وخاصة لدول الخليج التى تمتلك عناصر القوّة اليوم، رافعة فعلية لدعم صمود الشعب الفلسطينى واستنزاف إسرائيل والدول الداعمة لها. بالطبع يؤكد الموقف المعلن رفضا مبدئيا لاحتلال غزة وتهجير الفلسطينيين والفلسطينيات، ولكن لا جدوى حقيقية له. وهناك حشد للمساعدات الإغاثية، التى لا تصل إلا بالقطارة وحسب الرغبة الإسرائيليّة، وحديث عن إعادة إعمار. وينتهى سقف الموقف عند حد المطالبة بوقف إطلاق النار وتأكيد ضرورة العمل على دعم «الحقوق الفلسطينيّة وحل الدولتين».
بالتأكيد لن يوقف بنيامين نتنياهو إطلاق النار إلا مُرغما. إذ إن هذه فرصته لإنقاذ نفسه سياسيا وفرصة لإسرائيل لحلّ على طريقتها للقضية الفلسطينية. حلّ كان يُحَضّر لتنفيذه حتى فى ظرف مختلف عما انطلق فى «طوفان الأقصى». خاصة فى ظل الدعم الغربى غير المسبوق و«استنزاف» روسيا فى حرب أوكرانيا. ولأن وقف إطلاق النار سيجبره، أى نتنياهو، على تفاوض مهين له حول الرهائن.
والتساؤل الكبير هو حول ما سيقود نتنياهو وإسرائيل حين يصلون إلى أهدافهم بأن يقبَلوا بحل الدولتين على أساس حدود 4 يونيو 1967؟ بل أيضا الانسحاب من الجولان المحتل الذى يتم تناسيه؟

• • •

كانت حرب أكتوبر قد أنهت حرب الاستنزاف وفرضت واقعا جديدا خاصة مع الموقف الخليجى المساند الفعلى عبر قطع النفط عن داعمى إسرائيل، وما أدى فى النهاية إلى استرجاع مصر لسيناء. وكانت دول الخليج قد دعمت مصر وسوريا والأردن ومنظمة التحرير بشكل فاعل رغم الخلافات الكبيرة مع أنظمتها ومع القائمين على السلطة فيها. لأن غرق دول المواجهة فى وحول الهزيمة ربما كان سيشكّل تهديدا لمستقبل الخليج برمته وحتى... لهوية بلدانه الوطنية.
السؤال اليوم، وبعد صراعات عربية ــ عربية قاسية بدأت بالحرب الأهلية فى لبنان ثم فى حروب العراق وحتى الحروب الأهلية وبالوكالة فى ليبيا وسورية واليمن، وبعد المهاترات والمواجهات الطويلة على أسس مذهبية، هل ستقوم دول الخليج بخطوة سياسية أو اقتصادية سيكون لها حسابها فى ميزان القوة مع نتنياهو وحكومته ومشروعهم لـ«نكبة جديدة»؟ خطوة تدعم حقوق الشعب الفلسطينى وتفرض على داعميه الذهاب إلى مفاوضات تفرض واقعا جديدا يُنهى الاحتلال، عن غزة وعن الضفة الغربية وعن القدس، وعن الجولان أيضا؟
فى الآونة الأخيرة، أبدت دول الخليج موقفا يُظهِر استقلالية عن واشنطن، سواء فيما يخص الحرب الأوكرانية أو فى العلاقات مع الصين أو فى المصالحة التاريخية بين المملكة العربية السعودية وإيران. فهل هنالك ترجمة لهذه الاستقلالية فيما يخص معاناة الشعب الفلسطينى وصموده، وفى الانهيار الذى يعيشه كل من لبنان وسورية والتقسيم الفعلى لهذا البلد؟ خاصة وأن البلدين الكبيرين الآخرين، العراق ومصر، يفتقدان اليوم أية عناصر قوة تؤثر على الموازين الإقليمية والعالمية.
إن موقفا كهذا ضرورى من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار وكبح القتل وكذلك من أجل فرض طاولة المفاوضات القادمة، مهما كان أمدها أو حتى اتساعها الذى يبقى احتمالا مفتوحا. وهذا الموقف هو الذى يدل فى الواقع عن نظرة قادة دول الخليج اليوم، ليس فقط لمستقبل الشعب الفلسطينى، بل أيضا لما يعانى منه الشعبان اللبنانى والسورى الذى يشكل المشروع الصهيونى تحديهما الوجودى. بل وأيضا لمستقبل أبناء الخليج.
لكن ربما تأتى الحرب الحالية فى عالم عربى شديد الاختلاف عن ذلك الذى كان قائما فى الستينيات والسبعينيات. اختلاف فى مفهومه حول هويته التى أضحت هويات. واختلاف فى النظرة إلى العروبة إنها «عروبات» متعددة متباينة لكلّ أهدافها وطموحاتها. واختلاف فى النظرة إلى مآسى الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية على أنها فقط معاناة لبشر يقتضى الواقع إغاثتهم وليست تضحيات ومقاومة فى سبيل حصول المتبقين منهم على حقوقهم. واختلاف فى نظرة «العالم العربى» اليوم حول القضية الفلسطينية التى لم تعُد سوى أمر مزعج يعيق إعادة ترتيب المنطقة والتحالفات الاقتصادية الإقليمية الدولية. واختلاف حول مصير سوريا المقسمة والخاضعة لاحتلالات إلى ما شاء الله. واختلاف حول مصير لبنان الذى يُترك لانهياراته وانقساماته.
فى حرب الاستنزاف الحالية، الشعب الفلسطينى وأبناء سوريا ولبنان واليمن وليبيا هم الذين ينزفون... دون مقابل.

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات