تناقضات في الموقف الأمريكي من الحرب على غزة - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 7:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تناقضات في الموقف الأمريكي من الحرب على غزة

نشر فى : الثلاثاء 12 ديسمبر 2023 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 ديسمبر 2023 - 8:25 م

يلاحظ أن الموقف الأمريكى من الحرب على غزة فى تعامله مع الدول العربية الضالعة أو المتصلة بالأزمة مباشرة، والقوى الإقليمية التى لها تأثير على حماس والسلطة الفلسطينية، على عدة مستويات، مستوى نظرى يتمثل فيما يصدر من تصريحات عن الرئيس الأمريكى بايدن، ووزير خارجيته بلينكن، تبدو من الناحية الشكلية البحتة أنها تحمل فى طياتها مؤشرات توحى بحدوث تغير نسبى فى الموقف الأمريكى. ولكن عندما يتعلق الأمر بواقع ما تقوم به الإدارة الأمريكية من دعم عسكرى واقتصادى وسياسى وإعلامى للحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، يتضح بما لا يدع مجالا لأى شك أن الولايات المتحدة الأمريكية شريك أساسى فى هذه الحرب على غزة.
يمكن رصد المشاركة الفعلية الأمريكية فى حرب إسرائيل الوحشية والمدمرة على غزة فى أنه من قبل أن تبدأ إسرائيل هجومها شارك كل من الرئيس بايدن ووزير الدفاع الأمريكى أوستين، ووزير الخارجية بلينكن، فى اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغر (مجلس الحرب) ، ووافقوا على خطة الحرب الإسرائيلية، وظل وزير الدفاع الأمريكى ينسق مع وزير الدفاع الإسرائيلى طوال الحرب، كما انتشرت الأساطيل الأمريكية فى البحر المتوسط والخليج العربى مع تهديد أمريكى صريح لكل من يتدخل من الأطراف الإقليمية لمناصرة المقاومة الفلسطينية، وأمدت واشنطن إسرائيل بأنواع لا تتوفر لديها من القنابل ذات التدمير العميق والصواريخ والقنابل المضادة للمدرعات والأفراد، والمساهمة فى رفع كفاءة القبة الحديدية الإسرائيلية والتى تتصدى للصواريخ التى تطلق على المدن والمستوطنات الإسرائيلية سواء من جانب المقاومة الفلسطينية فى غزة، أو من حزب الله فى جنوب لبنان أو أى أطراف أخرى. كما قدمت واشنطن مجموعة من الخبراء العسكريين الأمريكيين فى حرب المدن والحرب ضد قوات المقاومة سواء فى أفغانستان أو العراق. وبذلك تكون إسرائيل تحت حماية مظلة عسكرية أمريكية شاملة، وإطلاق يدها بلا قيود فى حربها الوحشية على غزة. ووفرت واشنطن مع دول أوروبية غطاء إعلاميا يتبنى بتحيز واضح وجهة النظر الإسرائيلية خاصة فى المرحلة الأولى من الحرب على غزة.
• • •
استكملت الولايات المتحدة هذا الغطاء العسكرى بغطاء سياسى أشمل تولاه جميع المسئولين الأمريكيين ابتداء من الرئيس بايدن، ووزير الخارجية بلينكن، الذين لم يتوقفوا طيلة الوقت عن إجراء اتصالات مستمرة سواء بالقادة الإسرائيليين أو الرئاسة والخارجية المصرية والقطرية والسعودية. وقام بلينكن بثلاث جولات مكوكية فى المنطقة زار خلالها إسرائيل، والأردن، والسلطة الفلسطينية، وقطر، والإمارات العربية، والبحرين، والسعودية، والعراق، وتركيا. وقد حرص بلينكن خلال جولاته على أن يوضح للقادة العرب والسلطة الفلسطينية، أن واشنطن لا توافق على التهجير القسرى للفلسطينيين خارج قطاع غزة، وأنها طلبت من إسرائيل التقليل إلى أقصى درجة من قتل المدنيين الفلسطينيين وأن تتبع قواعد القانون الدولى بشأن الحروب. وهذا الموقف الأمريكى يتناقض تماما مع أمرين أساسيين، أولهما رفضها أن توقف إسرائيل القتال إلى أن تقضى على قوات حماس وتخرجها من حكم غزة، وثانيهما استمرار واشنطن فى إمداد إسرائيل بالذخائر والقنابل والصواريخ التى تستخدمها فى التدمير المروع للأحياء السكنية ووصول أعداد القتلى من المدنيين الفلسطينيين إلى نحو 17 ألفا من بينهم أكثر من 6 آلاف من الأطفال و4 آلاف من النساء، والقتل والتدمير مستمران، رغم تحذير شخصيات أمريكية، وجوزيب بوريل مسئول الشئون الخارجية والأمن فى الاتحاد الأوروبى من أنه لا يمكن القضاء على حماس لأنها ليست مجرد مجموعة أفراد وإنما تقوم حركة حماس على فكرة يصعب القضاء عليها.
كما تطالب واشنطن بضمان استمرار تدفق المساعدات من أغذية وأدوية ووقود وكافة مستلزمات الحياة الضرورية لسكان غزة. وهذا المطلب لا يتعدى مجرد كلام لا أثر له على أرض الواقع ولا يمكن تحقيقه طالما أنه لم يكن هناك مكان آمن فى قطاع غزة كله وفقا لتصريحات ممثلى كل المنظمات الدولية العاملين فى الإشراف على توصيل وتوزيع المساعدات الإنسانية لغزة، وأن كل ما يقدم ما هو إلا قطرة فى بحر الاحتياجات العاجلة من أغذية وأدوية ووقود وغيرها لمواجهة احتياجات أكثر من مليون نازح إلى أماكن فى العراء لا تتوفر فيها مرافق عامة من مياه وصرف صحى ولا علاج ولا ضمان لقوت يومهم. وطالما أن إسرائيل مستمرة فى عمليات القصف الوحشى والهدم والقتل وعرقلة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، فإن كلام واشنطن عن ضمان تدفقها مجرد تغطية على توافقها مع إسرائيل فى استمرار الحرب الوحشية على غزة.
• • •
أعلنت واشنطن أنها ليست مع إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة أو اقتطاع جزء منه، كما أنها لا تريد أن تعود غزة مصدرا لعمليات إرهابية بعد القضاء على قوات حماس وحكمها لغزة. ومن ثم بدأ المسئولون الأمريكيون مباحثات مع السلطة الفلسطينية من أجل عودتها إلى حكم غزة مع الضفة الغربية، وفى البداية أعلنت السلطة الفلسطينية عدم قبولها العودة إلى غزة على الدبابات الإسرائيلية، ولكنها عادت وقبلت الفكرة من حيث المبدأ ولكن فى إطار التباحث مع قيادات حماس من أجل تشكيل حكومة ائتلافية ــ قد تختار حماس شخصيات مستقلة لتمثيلها فى هذه الحكومة إذا ما قبلت ذلك. لأن الافتراض الأمريكى والإسرائيلى أنه سيتم القضاء على حماس ولم يضعا احتمال عدم القدرة على القضاء على حماس وأنها لها وجود سياسى قوى فى قطاع غزة والضفة الغربية على إثر ما أصاب السلطة الفلسطينية من ضعف نتيجة تغول الاحتلال الإسرائيلى على صلاحياتها فى الجزء المفترض أن تحكمه فى الضفة الغربية وفقا لاتفاق أوسلو 1993، كما أن الاختلافات المتتالية فى المفاوضات السياسية مع إسرائيل من أجل إقامة دولة فلسطينية أدت إلى انسداد الأفق السياسى كلية وتوحش إسرائيل فى الاستيلاء على الأراضى الفلسطينية لإقامة مستوطنات أو التوسع فى المستوطنات القائمة، وتهويد أجزاء كبيرة من القدس الشرقية، كل هذا مع عملية «طوفان الأقصى» رفع من أسهم المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس. وإن الاعتقاد الأمريكى الإسرائيلى بإمكانية القضاء على حماس وإحلال السلطة الفلسطينية محلها فى غزة يعنى استمرار الدعم الأمريكى الشامل لإسرائيل حتى يتحقق هذا الهدف الصعب التحقيق وهو ما يعنى توافقها عمليا على إعلان رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو من أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على الأمن فى قطاع غزة إلى أجل غير محدد، ومن ثم اعتراضه على عودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة بدعوى أنها سلطة ضعيفة، وهو ما جعل الرئيس بايدن يشير إلى سلطة فلسطينية متجددة، وأن تجديد السلطة الفلسطينية بانتخابات عامة قد تفوز بالأغلبية فيها حماس والتيار الإسلامى، لذا ثمة احتمال آخر بدأ يتسرب وهو ضخ عناصر جديدة للسلطة الفلسطينية دون توضيح كيف يتم ذلك. وحتى الآن تواجه إسرائيل مقاومة فلسطينية عنيفة رغم التدمير والقتل والتهجير القسرى الذى تمارسه القوات الإسرائيلية.
وعندما فاض الكيل وأصبح غير محتمل من رؤية مشاهد القتل والتدمير الممنهج الذى تمارسه إسرائيل فى غزة بدعم أمريكى، لجأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لينبه إلى أن ما يحدث فى غزة يهدد الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى، ويطلب من رئيس مجلس الأمن لشهر ديسمبر 2023، عقد جلسة عامة لمجلس الأمن لبحث إصدار قرار لوقف الحرب فى غزة ومعالجة الآثار المروعة الناجمة عنها وإنقاذ الشعب الفلسطينى وتقديم كل المساعدات الممكنة له. وانعقد مجلس الأمن فى 8 ديسمبر 2023 وقدمت دولة الإمارات العربية مشروع قرار يتضمن وقف القتال، ووقف التهجير القسرى، وتأمين تدفق مساعدات إنسانية كافية لسكان غزة. وأسفرت نتيجة التصويت عن موافقة 13 عضوا وامتناع المملكة المتحدة، ولكن أبطل الفيتو الأمريكى القرار فى تحدٍ واضح ليس فقط لأعضاء مجلس الأمن ولكل أعضاء الأمم المتحدة الذين تبنوا مشروع القرار، ولمبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن أيضا تحدٍ صريح لوفد وزراء الخارجية المنبثق عن القمة العربية الإسلامية والذى كان حاضرا فى نيويورك قبيل لقائه المقرر مع وزير الخارجية الأمريكى بلينكن فى واشنطن وكأنها رسالة واضحة للوفد وللعالم كله أن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة مع إسرائيل فى الحرب على غزة بكل ما أحدثته من مآسٍ مروعة وانتهاك للقانون الدولى الإنسانى.
أما حديث واشنطن عن حل الدولتين، فقد رد عليه وزير الخارجية السعودى وهو فى واشنطن مع الوفد العربى الإسلامى، وقال إن المطلوب الآن هو الوقف الفورى للقتال فى غزة، ثم بعد ذلك وضع خطة محكمة لتنفيذ حل الدولتين.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات