اختيار المحافظين بين الانتخاب والتعيين - سمير عبد الوهاب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اختيار المحافظين بين الانتخاب والتعيين

نشر فى : الأحد 13 مايو 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 13 مايو 2012 - 8:45 ص

فى إطار الدعاية والبرامج الانتخابية لمرشحى الرئاسة، أكد بعض المرشحين أنه بمجرد وصولهم إلى مقعد الرئاسة، فإنهم سيجعلون اختيار المحافظين بالانتخاب وليس بالتعيين عن طريق الحكومة المركزية.

 

ومما لاشك فيه أن لكل من الانتخاب والتعيين مزاياه وعيوبه، كما أن كل دولة تختار الأسلوب الذى يتفق مع ظروفها السياسية والاجتماعية، بل تختلف المناطق والأقاليم داخل الدولة الواحدة. فقد يأخذ بعضها بالانتخاب، فى حين يأخذ بعضها الآخر بالتعيين. فالانتخاب يجعل هم المحافظين خدمة المواطنين الذين قاموا بانتخابهم، خاصة أنهم سوف يكونون على دراية بمشكلات واحتياجات مجتمعاتهم، مما يجعلهم أكثر تمثيلا واستجابة لتلك الاحتياجات، ويجعل ولاءهم للمواطنين المحليين. كما يعطى الانتخاب للمواطنين فرصة حقيقية لممارسة حقوقهم فى مساءلة المحافظين وفى إثارة اهتمامهم وحماسهم بالشئون المحلية. وفى المقابل، يجعل التعيين ولاء المحافظ لمن قام بتعيينه وليس للمجتمع نفسه، خاصة فى ظل المحسوبية والواسطة التى يكون لها دور كبير فى التعيين من بين فئات قد لا تكون لديها الخبرة الكافية فى الإدارة والتنمية المحلية. كما يؤدى إلى  وجود رئيس تنفيذى غير كفء إداريا وفنيا، وإلى احتمال حدوث صراع بينه وبين المجلس المحلى المنتخب، خاصة إذا كانت أغلبية المجلس لا تتفق  معه من حيث الإنتماء السياسى لكل منهم.

 

●●●

 

وإزاء ما سبق، فإن علينا أن ننظر إلى مجموعة من الاعتبارات ونحن نفكر فى الانتخاب كوسيلة لاختيار المحافظين، ومن أهم هذه الاعتبارات:

 

ــ أهمية وتعدد الأدوار التى يقوم بها المحافظون، فهم لا يؤدون أدوارا سياسية فقط تتطلب أن يكون لديهم القدرة على الاتصال بأعضاء المجالس المحلية والمواطنين والسياسيين على مستوى المحافظة، ولكنهم يؤدون أيضا أدوارا تنفيذية  تتطلب أن يكون لديهم الخبرة والكفاءة الإدارية فى التعامل مع المشكلات والأزمات وتحمل المسؤلية والقدرة على اتخاذ القرارات.

 

ــ الطبيعة المزدوجة لوظيفة المحافظ، فالمحافظ يمثل الحكومة المركزية من ناحية، ويمثل المحافظة ومواطنيها من ناحية أخرى، ومن ثم يصعب انفراد جهة واحدة باختياره.

 

ــ وجود محافظات ذات طبيعة قبلية يصعب أن يتم فيها انتخاب المحافظ بدون صراعات قبلية وبطريقة موضوعية، خاصة أن الموظف التنفيذى لابد أن يخدم جميع المواطنين فى نطاق إدارته بدون أى تحيز. كما أن الانتخاب لا يأتى بالضرورة بأصحاب الخبرة والكفاءة التى تقتضيها طبيعة وظيفة المحافظ.

 

ــ اعتماد المحافظات على الحكومة المركزية فى تمويل موازناتها ومشروعاتها ونفقاتها بنسبة كبيرة تصل إلى ما لا يقل عن 85% من هذه الموازنات، الأمر الذى يتطلب أن تكون علاقات المحافظ بالحكومة المركزية علاقات طيبة.

 

وإزاء الاعتبارات السابقة وغيرها، ومزايا وعيوب كل من الانتخاب والتعيين للمحافظين، نرى أن المشكلة ليست فى أسلوب الاختيار، ولكنها تتمثل فى ضرورة توافر شروط  ومعايير ومدة محددة فى اختيارهم، وإعطاء الحق للمجالس الشعبية المحلية وللمواطنين فى التعبير عن وجهات نظرهم فى تعيينهم وعزلهم ومساءلتهم. فلقد كان أمر اختيار المحافظين منذ عام 1888 متروكا لتقدير الحكومة المركزية، دون أن تلتزم فى شأنهم بشروط محددة، إلا ما تراه فيهم من حسن الاستعداد لتفهم سياستها العامة والقدرة على تنفيذها بأمانة.

 

وفى الوقت نفسه، ليست هناك مدة محددة للمحافظ، فهناك محافظون يستمرون لفترات طويلة تصل إلى ما يزيد على العشرين سنة، فى حين أن هناك محافظين آخرين لا يستمرون إلا لبضعة شهور، دون معرفة أسباب موضوعية لطول أو قصر المدة.

 

وإضافة إلى عدم وجود معايير يتم على أساسها اختيار المحافظين، لا توجد قواعد واضحة تكفل خضوعهم للمساءلة، سواء من جانب المجلس الشعبى المحلى أو المواطنين. فالمجلس الشعبى المحلى ليس له سوى حق توجيه أسئلة أو طلبات إحاطة للمحافظ، ولا يملك الحق فى استجوابه (كان هذا الحق موجودا فى الفترتين: 1975 ــ 1979 و1981 ــ 1988). ومن ناحية  أخرى، ليس للمواطنين المحليين رأى فى تعيين المحافظ أو عزله أو استمراره، فلا توجد آليات محددة للتعرف على وجهات نظرهم فيه.

 

●●●

 

وانطلاقا مما سبق، نقترح ما يلى:

 

ــ أن تكون هناك معايير محددة يختار على أساسها المحافظون، ومن هذه المعايير: المام الشخص المرشح لمنصب المحافظ بقضايا الإدارة المحلية، وأن تكون لديه رؤية مستقبلية للمحافظة، من خلال برنامج واضح وشامل وقابل للتطبيق، وأن تكون لديه القدرة على التعامل مع المواطنين والمجالس الشعبية المحلية، وحل المشكلات وإدارة الأزمات واتخاذ القرارات المناسبة فى الوقت المناسب.

 

ــ أن تكون هناك لجنة تتبع رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء تضم مجموعة من الخبراء المشهود لهم بالكفاءة والموضوعية، وتختص بترشيح المحافظين وتقييم أدائهم، وفقا للمعايير الموضوعية التى يتم الاتفاق عليها، على أن يتم ترشيح اثنين أو ثلاثة، ليختار المجلس الشعبى المحلى للمحافظة واحدا من بينهم، ثم يصدر بعد ذلك قرار تعيين المحافظ  من رئيس الجمهورية.

 

ــ أن تكون هناك مدة محددة للتعيين، ولتكن أربع سنوات (مدة المجلس الشعبى المحلى أو رئيس الجمهورية)، مع جواز تجديدها لمرة واحدة فقط.

 

ــ إعطاء المجلس الشعبى المحلى للمحافظة حق استجواب المحافظ، على أن يكون الأعضاء على قدر كبير من تحمل المسئولية، ومع ضرورة وجود شروط وضوابط واضحة ومحددة تضمن الممارسة السليمة لحق الاستجواب. ومن أهم هذه الشروط: أن يتم تقديم الاستجواب من عدد معين من الأعضاء، وليكن ثلث أعضاء المجلس، وأن يكون الاستجواب فى موضوع يخص الصالح العام ومستند ا إلى أدلة وبيانات صحيحة وواقعية، وأن يصدر القرار بمسئولية المستجوب- فى حالة ثبوت الاستجواب ــ بموافقة ثلثى أعضاء المجلس.

 

ــ وفى حالة انتهاء استجواب المجلس الشعبى المحلى للمحافظة للمحافظ بسحب الثقة، يعرض الأمر على رئيس الجمهورية الذى يكون من حقه فى هذه الحالة إما إعفاء المحافظ من عمله، وإما حل المجلس الشعبى المحلى للمحافظة، وذلك خلال شهر من تاريخ رفع الأمر إليه.

 

ــ إعطاء المواطنين الحق فى التعبيرعن وجهات نظرهم فى المحافظ، من خلال  تقدم نسبة معينة من الناخبين فى المحافظة بطلب الاستفتاء على المحافظ، بعد مرور فترة معينة من تحمله المسؤلية. فإذا كانت نتيجة الاستفتاء بعدم الرضا عن المحافظ، وجب على رئيس الجمهورية أن يتخذ قرارا بعزله. 

 

وفى النهاية، يجب أن يتم كل ذلك فى إطار تمكين المحافظ، من خلال نقل السلطات اللازمة لتحمله المسؤلية، بحيث يصبح لديه دور واضح فى إدارة المرور، والحفاظ على الأمن العام، وإدارة الموارد البشرية من تعيين ونقل وترقية وتحفيز، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لرفع  مستوى  المعيشة، والرعاية الاجتماعية، والوقاية من الأمراض الوبائية، وتعمير وإصلاح  الطرق الرئيسية، وتخطيط  المدن، وعمل إحصاءات السكان والصناعات، ووضع السياسات الاقتصادية ودعم التجارة والصناعة، والتنمية الزراعية، وإصدار التصريحات والتراخيص المختلفة، واتخاذ التدابير لمنع أو الحد من آثار الكوارث والأوبئة والأخطار الأخرى التى تهدد الصحة والممتلكات، بالتعاون مع الهيئات المتخصصة فى الدولة، والتنسيق، والرقابة على النظافة والمرافق الصحية العامة وأماكن العمل والمنتجات الغذائية لبيعها للسكان.

سمير عبد الوهاب أستاذ الإدارة العامة ومدير وحدة دعم سياسات اللامركزية بجامعة القاهرة
التعليقات