قرارات المجلس الأعلى للجامعات وتدهور التعليم الجامعى - سمير عبد الوهاب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قرارات المجلس الأعلى للجامعات وتدهور التعليم الجامعى

نشر فى : الثلاثاء 22 نوفمبر 2016 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 23 نوفمبر 2016 - 3:52 م
لقد أنشىء ﺍﻟﻤﺠﻠﺱ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺠﺎﻤﻌﺎﺕ كمجلس مسئول عن تخطيط ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻡ ﺍﻟﺠﺎﻤعى ﻭﺍﻟﺒﺤﺙ ﺍﻟﻌﻠمى، ﻭﺍﻟﺘﻨﺴﻴﻕ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺠﺎﻤﻌﺎﺕ ﻓﻲ ﺃنشطتها ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻝ ﻋﻠﻰ ﺘﻭﺠﻴﻬﻬﺎ ﺒﻤﺎ ﻴﺘﻔﻕ ﻤﻊ ﺤﺎﺠﺎﺕ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻷﻫﺩﺍﻑ اﻟﻘﻭﻤﻴﺔ ﻭﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻟﻠﺩﻭﻟﺔ. كما يختص المجلس بتنظيم قبول الطلاب فى الجامعات وتحديد أعدادهم، وبمعادلة الدرجات العلمية التى تمنحها المؤسسات التعليمية غير الخاضعة لقانون تنظيم الجامعات والشهادات الممنوحة من المؤسسات التعليمية الأجنبية.

على الرغم من أن المجلس قد قام بدوره فى تنظيم قبول الطلاب فى الجامعات وتحديد أعدادهم، كما نص على ذلك قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 فى مادته رقم 19 بناء على معيار مجموع الدرجات، وهو معيار عادل وموضوعى إلى حد كبير، فإن دوره فى تطوير التعليم الجامعى يحتاج إلى التقييم والمراجعة. فإذا كان التوسع فى إنشاء الجامعات والكليات حاجة تقتضيها الزيادة السكانية فى مصر، ورغبات الطلاب وأولياء أمورهم فى التعليم الجامعى، إلا أن هذا التوسع يركز على الكم على حساب الكيف، لأنه لا يأخذ فى اعتباره الضوابط الموضوعية التى تتمثل فى مدى القدرة على توفير التمويل اللازم لتقديم تعليم جامعى تتوافر فيه معايير الجودة العالمية، ومدى توافر أعضاء هيئات التدريس، ومدى حاجة سوق العمل، وطبيعة البيئات المحلية التى تنشأ فيها هذه الجامعات والكليات الجديدة.

يضاف إلى ذلك أن التركيز غالبا ما يكون على النمطية والتكرار، بدلا من التنوع والتنافس والتمايز بين الجامعات والكليات. فالحاصل حاليا هو تكرار ما هو موجود فى جامعات أخرى، وبنفس أسماء الكليات والتخصصات القائمة، وبغض النظر عن الضوابط السابقة. فنرى توسعا فى إنشاء كليات للاقتصاد والعلوم السياسية، وللإعلام، وللتخطيط الإقليمى والعمرانى وغيرها، علما بأن معظم خريجى هذه الكليات لا يجدون فرص العمل التى تناسب مؤهلاتهم. ومع افتراض أن هناك رغبة لدى بعض الجامعات فى إنشاء مثل هذه التخصصات، فهل بالضرورة أن تكون فى إطار كليات جديدة تحمل نفس أسماء الكليات القائمة وتكلف موازنة الدولة الكثير من النفقات فى الوقت الذى تواجه فيه أزمة اقتصادية حادة؟ وما الذى يمنع أن تكون دراسة هذه التخصصات فى نطاق كليات قائمة مثل التجارة أو الآداب أو القانون، حتى لو اقتضى الأمر تغيير مسمياتها أو فى ظل معاهد تقع ضمن نطاقها، خاصة أن القانون يسمح بذلك، حفاظا على خصوصية كل كلية وحتى لا تكون فى هذه الحالة كليات مناظرة تتيح لأصحاب المجاميع الأقل حق الانتقال إلى الكليات الأخرى ذات المجاميع الأعلى.

***
كما أنه على الرغم من ضرورة توافر الموضوعية والرشادة فى أى قرار، إلا أن بعض القرارات التى يصدرها المجلس الأعلى للجامعات لا يتوافر فيها ذلك بالضرورة. ودليلنا على ذلك القرارات المتعلقة بزيادة أعداد المقبولين فى الجامعات والكليات بمناسبة إعلان نتائج الثانوية العامة، دون ربط هذه الزيادة بحاجة سوق العمل، حيث يكون التركيز على رغبات أولياء الأمور والطلاب فى الالتحاق بكليات معينة، على الرغم من أن كثيرا من الكليات والنقابات المهنية تؤكد دائما أنها ليست فى حاجة إلى هذه الأعداد. ويتأكد عدم الموضوعية أيضا من معيار «تقليل الاغتراب» الذى يقوم مكتب التنسيق ذاته بتطبيقه، وهو ما يتناقض مع معيار المجموع، ولا يمت للموضوعية بصلة. فالطالب نفسه هو المسئول عن اختيار الكلية، التى تناسب مجموعه من ناحية، وتكون قريبة من محل إقامته من ناحية أخرى.

كما أن القول بوجود حد أدنى لكل قطاع مثل قطاعات الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، والطب والهندسة، وغيرها أمر يحتاج إلى تدقيق وإعادة نظر، إذ كيف يكون هناك حد أدنى للقطاع، وهناك حد أدنى لكل كلية فى داخل هذا القطاع؟ هل يبدى الطلاب رغباتهم فى القطاع أم يبدونها فى الكلية التى يريدون الالتحاق بها؟ وهل يكون منطقيا تضخيم العدد فى بعض الكليات وتقليصه فى البعض الآخر؟ أو ليس فى ذلك إخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب الذى أوجب الدستور على الدولة فى مادته رقم 9 أن تلتزم بتحقيقه بين جميع المواطنين، دون تمييز؟ إن معيار «تقليل الاغتراب» الذى يطبقه المجلس، بغض النظر عن الحد الأدنى لمجموع الدرجات لكل كلية فى داخل القطاع يستغله بعض الطلاب وأولياء الأمور الذين يتلاعبون بمحال إقامتهم عند كتابة رغباتهم، فيلتحقون بكليات معينة تقبل مجاميعهم، ثم يطالبون بعد ذلك بالتحويل إلى الكليات التى يعتبرها المجلس الأعلى للجامعات مناظرة للكليات التى تم قبولهم فيها، الأمر الذى يؤدى إلى عدم تكافؤ الفرص بين هؤلاء الطلاب وبين زملائهم الذين لا يعرفون للتلاعب سبيلا عند كتابة رغباتهم، فلا يكتبون كلية يريدونها، ولكنها بعيدة عن محال إقامتهم.

كما أن ذلك يتعارض مع استقلال الجامعات والكليات الذى تنص عليه المادة 21 من الدستور، والمادة رقم 1 من القانون، لأنها مقيدة فى النهاية بحد أدنى واحد، حيث يقوم المجلس ــ بعد أن يتم توزيع الطلاب على الجامعات والكليات، وفقا لمعيار المجموع ــ بنقل طلاب وطالبات من جامعة أو كلية ما إلى جامعة أو كلية أخرى، بغض النظر عن الحد الأدنى للقبول فى كل منها، ودون الأخذ فى الاعتبار موافقتها من عدمه.

***
أما فيما يتعلق بدور المجلس فى معادلة الدرجات الجامعية التى تمنحها المؤسسات التعليمية غير الخاضعة لقانون تنظيم الجامعات والشهادات الممنوحة من المؤسسات التعليمية الأجنبية فإن بعض القرارات هنا تستند إلى اعتبارات غير موضوعية، خاصة أن شهادات بعض هذه المؤسسات لا تعدو كونها مهنية يحصل عليها البعض لتمكينهم من ممارسة مهنهم، إلا أنه تتم معادلتها على أنها درجات أكاديمية. وحتى إذا منحت بعض الجامعات درجة «الماجستير المهنى»، فإنه يمكن تحويلها إلى درجة «ماجستير أكاديمى»، إذا قام الحاصل عليها بإعداد بحث صغير، على الرغم من أنهم لم يؤهلوا علميا ولا نفسيا أو شخصيا لإجراء مثل هذا البحث.

وأخيرا، فإنه يصعب على الجامعات والكليات توفير التعليم الجامعى وتطويره، وفقا لمعايير الجودة العالمية التى نصت عليها المادتان 19، و21 من الدستور فى الوقت الذى يقوم فيه المجلس بتحميلها بأعداد من الطلاب لا طاقة لها بها، وبما يفوق إمكاناتها وقدراتها على استيعاب هذه الأعداد، سواء من حيث القاعات أو المعامل وغيرها مما تستلزمه العملية التعليمية ويعوقها عن تحقيق هذه المعايير، وذلك فى مقابل تناقص أعدادهم فى الكليات الأخرى.

وفى النهاية، أؤكد أن الهدف من كل هذه الملاحظات والتساؤلات أن تكون هناك مراجعة لدور المجلس الأعلى للجامعات، وإعادة صياغته فى ضوء التطورات العالمية والإقليمية والمحلية، بما يسهم بالفعل فى تطوير التعليم الجامعى، وفقا لمعايير الجودة العالمية، وبما يحقق استقلال الجامعات والكليات، ويوفر التخصصات التى يحتاج إليها سوق العمل وتلبى رغبات الطلاب وأولياء أمورهم.

سمير عبد الوهاب أستاذ الإدارة العامة ومدير وحدة دعم سياسات اللامركزية بجامعة القاهرة
التعليقات