قانون جديد للإدارة المحلية بين الضرورة الدستورية وتأخر الإصدار - سمير عبد الوهاب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قانون جديد للإدارة المحلية بين الضرورة الدستورية وتأخر الإصدار

نشر فى : الجمعة 8 يونيو 2018 - 10:30 م | آخر تحديث : الجمعة 8 يونيو 2018 - 10:30 م

نص دستور 2014 فى المادة 242 منه على استمرار العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه، ودون إخلال بأحكام المادة (180) من الدستور. وبالتالى، أصبح من الضرورى إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يتوافق مع الدستور من ناحية، ويستجيب للتطورات المعاصرة من ناحية أخرى. ولكن على الرغم من ذلك، ما زال مشروع قانون الإدارة المحلية فى مكتب مجلس النواب منذ انتهاء لجنة الإدارة المحلية بالمجلس من مناقشته فى فبراير 2017. وقد أدى ذلك بالفعل إلى إثارة العديد من التساؤلات والشكوك من جانب القوى السياسية والمدنية، بمن فى ذلك أعضاء البرلمان حول مدى الجدية فى أن يكون هناك قانون جديد للإدارة المحلية، حتى يتسنى إجراء الانتخابات المحلية لتشكيل المجالس المحلية التى مضى على حلها أكثر من 7 سنوات، دون أن تكون هناك مجالس بديلة لها أو حتى مجالس مؤقتة تتولى القيام بدورها إلى حين انتخاب مجالس جديدة، وهو ما جرى عليه الوضع فى جميع الدول فى حالة حل المجالس المحلية.
وقد أرجع بعض الأعضاء بمجلس النواب تأخر إصدار قانون الإدارة المحلية إلى تأخر الحكومة فى إعداد مشروع القانون، وازدحام الأجندة التشريعية لمجلس النواب، والربط بين مشروع القانون ومشروعات قوانين وقضايا أخرى.
ومع تقديرنا لوجهة نظر أعضاء البرلمان، نرى أن هناك أسبابا حقيقية وراء هذا التأخير. فهناك الخوف من جانب البعض من أن يؤدى التوسع فى سلطات المجالس المحلية، وإعطائها الحق فى استجواب رؤساء الوحدات المحلية إلى إضعاف الحكومة المركزية والدولة المصرية، حيث يرون أن مصر منذ إنشائها من آلاف السنين دولة مركزية. والواقع أن هذا التخوف مبالغ فيه، فنقل سلطات للمحليات لا يعنى انتهاء دور الحكومة المركزية. كما أن اللامركزية لا تعنى الفيدرالية التى وإن كانت شكلا من أشكال اللامركزية، إلا أنها ليست الشكل الوحيد، فهناك أشكال أخرى للامركزية منها الحكم المحلى، والإدارة المحلية اللذين يناسبان مصر كدولة موحدة. كما أن مصر ليست فى حاجة إلى الفيدرالية التى تحتاج إليها الدول المتعددة القوميات واللغات والعرقيات. ويضاف إلى ما سبق أن تطبيق اللامركزية والتوسع فيها لا يعنى غياب الحكومة المركزية التى تظل علاقاتها قوية بالوحدات المحلية، من خلال مؤسساتها وأدواتها الرقابية. كما أن الاحتجاج بأن مصر دولة مركزية منذ آلاف السنين ينطوى على مغالطة كبيرة، لأن مصر الفرعونية كغيرها من الدول القديمة لم تكن فى حاجة إلى اللامركزية فى شكل الحكم المحلى الذى يرجع ظهوره إلى أواخر القرن التاسع عشر، فلم يكن دور الدولة فى ذلك الوقت يتجاوز الحاجة إلى حفظ الأمن والنظام، وجمع وتحصيل الضرائب، وضمان عدالة توزيع مياه نهر النيل والتحكم فى فيضانه، وهى وظائف مازالت مركزية فى كثير من الدول.
***
وإلى جانب ما سبق، اقتصر إعداد مشروع القانون، سواء من جانب الحكومة أو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب على فئة قليلة ومحدودة. وكان الأفضل بالنسبة لمشروع قانون يدخل فى نطاق اهتمام العديد من الوزارات والمواطنين أن تكون هناك لجنة تمثل الأساتذة والخبراء ومنظمات المجتمع المدنى والأحزاب والقوى السياسية الرئيسية يتم تشكيلها بعد أو قبيل صدور الدستور فى يناير 2014، لوضع تصور متفق عليه لقانون جديد للإدارة المحلية فى ضوء الدستور والتطورات والخبرات المعاصرة، وفى ضوء ما يناسب البيئة المصرية. ولو حدث ذلك، لكان من الممكن صدور القانون حتى قبل تشكيل البرلمان، من خلال قرار بقانون، ولربما كنا انتهينا من انتخاب المجالس المحلية منذ سنوات، لأن القانون فى هذه الحالة كان سيحظى بقبول الأطراف المختلفة. ولكن ترتب على عدم تشكيل مثل هذه اللجنة قيام أحزاب التجمع، والوفد، والحرية بتقديم مشروع قانون، وعدم وجود توافق حول مشروع القانون المقدم من الحكومة. وقد أدى تعدد مشروعات القانون التى ناقشتها اللجنة إلى استهلاك الكثير من الوقت فى محاولة التوفيق بين مشروعات القانون الأربعة، وإلى عدم الرضا عن مشروع القانون الذى قدمته اللجنة لمكتب المجلس، حتى من جانب بعض أعضائها.
***
وفضلا عما سبق، هناك الخوف من احتمال سيطرة جماعات وقوى سياسية معينة على المجالس المحلية، خاصة فى ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية التى تمر بها مصر منذ ثورة 25 يناير بصفة عامة وثورة 30 يونيه بصفة خاصة. ونرى أنه إذا كان هناك ما يبرر هذا الخوف، إلا أن الشعب المصرى قد أصبح أكثر وعيا بحقيقة هذه الجماعات والقوى السياسية، وأكثر قدرة على الحيلولة دون سيطرتها.
ونضيف إلى ما سبق غياب الإرادة السياسية، فعلى الرغم من أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد صرح أكثر من مرة، خاصة فى عام 2016 بضرورة الانتهاء من الانتخابات المحلية، إلا أن عدم توافر هذه الإرادة السياسية، سواء من جانب الحكومة أو المواطنين لم يساعد على الوفاء بذلك. فالمواطنون أنفسهم لا يشعرون بغياب المجالس المحلية، ومن ثم ليس لديهم حرص على تشكيلها، وإلا لما صبروا لنحو 7 سنوات بدونها، ولمثلوا قوة ضغط على الحكومة لحثها على الانتهاء من إصدار قانون جديد للإدارة المحلية. ويرجع ذلك إلى عدم إدراك مفهوم وأهمية اللامركزية والمجالس المحلية من جانب المواطنين. وقد يكون السبب فى ذلك التجربة التاريخية للمجالس المحلية، وما ارتبط بها من تزوير لانتخاباتها وضعف لاختصاصاتها وسلطاتها وفساد لبعض أعضائها فى عهد الحزب الوطنى الديمقراطى الذى تم حله فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011. ولكن على الحكومة وعلى وسائل الإعلام المختلفة أن تؤكد للمواطنين جميعا أهمية اللامركزية بصفة عامة والمجالس المحلية بصفة خاصة، وأن طبيعة الظروف مختلفة عما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير 2011.
***
وفى النهاية، يمكن القول إن تأخر إصدار قانون الإدارة المحلية سوف يؤدى إلى تأخر إجراء الانتخابات المحلية ــ ربما كما جاء على ألسنة بعض أعضاء مجلس النواب، وعلى رأسهم المتحدث الرسمى باسم المجلس ــ إلى النصف الأول من عام 2019، وذلك على أساس أن إصدار اللائحة التنفيذية سوف يحتاج إلى نحو 5 أشهر بعد صدور القانون. ونرى أنه إذا صح هذا الرأى، فإن ذلك سوف ينطوى على مخالفة المادة 242 من الدستور الحالى التى أكدت على تطبيق ما ورد فى الدستور، وليس مجرد تشريع وإصدار قانون يترجم النصوص الدستورية. وفيما يتعلق باللائحة التنفيذية للقانون، نرى أنه يمكن البدء فى وضع المسودة الأولية لها من الآن، خاصة أن مشروع القانون الحالى سوف يتضمن الكثير من المواد الموجودة فى القانون الحالى ولائحته التنفيذية. وبالتالى، سوف يكون من السهل إعادة النظر فى هذه المسودة، بعد الانتهاء من مناقشة مشروع القانون، وذلك كسبا للوقت، حتى يمكن إجراء الانتخابات المحلية قبل انتهاء مدة الخمس السنوات التى نص عليها الدستور والتى ستنتهى فى 14 يناير 2019.

سمير عبد الوهاب أستاذ الإدارة العامة ومدير وحدة دعم سياسات اللامركزية بجامعة القاهرة
التعليقات