زيارة شيخ الأزهر للنجف - جورج فهمي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زيارة شيخ الأزهر للنجف

نشر فى : الأربعاء 13 أكتوبر 2021 - 9:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 13 أكتوبر 2021 - 9:35 م

صرّح أحد رجال الدين الشيعة العراقيين خلال مؤتمر فى العاصمة اللبنانية بيروت قبل سنوات، أن الدول العربية أهملت التواصل مع المجتمع الشيعى العراقى، ما سمح لإيران بزيادة نفوذها. يستعدّ شيخ الأزهر أحمد الطيب لتصحيح هذا الوضع. فقد أعلن الإمام الأكبر أنه بصدد القيام بزيارة لدولة العراق ستتضمّن كلا من بغداد، والموصل، وأربيل، والنجف الأشرف.
وستكون لزيارة مدينة النجف الأشرف أهمية خاصة خلال رحلة شيخ الأزهر إلى العراق. فالنجف هى مركز مدارس العلوم الدينية التى تُدرَّس فيها علوم الفقه والشريعة، وهى أيضا مقرّ إقامة المرجع الشيعى الأرفع شأنا فى العراق، بل والعالم، آية الله السيستانى. والسيستانى هو المرجع الدينى للشيعة الاثنى عشرية منذ العام 1992، وأحد أكثر الشخصيات الدينية تأثيرا فى العراق خلال العقود الثلاثة الأخيرة، خصوصا منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. ولد السيستانى عام 1931 فى مدينة مشهد فى إيران، إلا أنه يعيش فى مدينة النجف العراقية منذ العام 1951. وتتجاوز شرعيته الدينية العراق لتشمل الشيعة فى العالم كله.
•••
تأتى زيارة أحمد الطيب للنجف فى لحظة يشهد فيها الحوار بين الأديان مرحلة ذهبية. فقد شهدت السنوات الأخيرة تقاربا بين الأزهر والفاتيكان، أسفَرَ عن وثيقة الأخوّة الإنسانية التى وقّع عليها كلٌّ من شيخ الأزهر والبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، فى أبو ظبى عام 2019. كما شهد العراق فى مارس من العام الحالى زيارة للبابا فرنسيس، التقى خلالها آية الله السيستانى فى منزله فى مدينة النجف. وتأتى زيارة أحمد الطيب للنجف متمّمةً للمبادرتين السابقتين.
وتحقق زيارة الطيب عددا من الأهداف الدينية، بل والسياسية أيضا. على المستوى الدينى، تعطى الزيارة دفعا للحوار بين القيادات الدينية السنّية والشيعية، ويُنتظَر أن يكون لهذه الخطوة تأثيرٌ إيجابى على المجتمعات العربية التى تضمّ سنّة وشيعة، كما هو الحال فى العراق ولبنان، وكذلك العديد من دول الخليج العربى، فى اتجاه تخفيف حدّة التوتر الطائفى. وقد أكّد كلٌّ من الرمزَين الدينيَّين، الطيب والسيستانى، فى تصريحات سابقة على ضرورة إنهاء التوتر بين السنّة والشيعة. فشيخ الأزهر أعلن فى مناسبات عدّة رفضه للإساءة إلى الشيعة، مؤكّدا أن السنّة والشيعة هما جناحا الأمّة الإسلامية، ولا بد من العمل على إنهاء الخلاف بينهما. كما إن آية الله السيستانى يؤكّد دوما على ضرورة التعايش السلمى بين السنّة والشيعة، وبينهم وبين أبناء الأديان الأخرى فى العراق، علما أنه وقف أيضا فى وجه خطابات التحريض الطائفى خلال مرحلة الاقتتال الطائفى فى العراق خلال العامَين 2006 و2007، مؤكّدا على تحريم قتل المسلم للمسلم.
أما على المستوى السياسى، فتأتى هذه الزيارة لتخطو خطوة جديدة على طريق الحدّ من احتكار إيران للتمثيل الشيعى فى المنطقة العربية. فإيران تسعى دوما إلى استخدام الورقة المذهبية لتعطى نفسها حقَّ الحديث باسم الشيعة، ولا سيما خلال أوقات التوتر الطائفى؛ حيث تقدّم نفسها بوصفها حامية الشيعة فى الشرق الأوسط. وقد نجحت فى تصدير هذه الصورة حتى فى وسط المجتمعات العربية نفسها، إلى أن انتشر تصوّر خاطئ يربط بين المذهب الشيعى والولاء السياسى لإيران. فكثيرون يعتقدون أن الشيعة كلهم هم بالضرورة داعمون لنظام الثورة الإسلامى فى إيران. ربما يصحّ هذا الأمر مع بعض القوى السياسية الشيعية التى تدعمها إيران بهدف مدّ نفوذها فى المنطقة، إلا أن ذلك ليس حال السيستانى وقطاع كبير من شيعة العراق.
•••
الواقع أن بين مرجعية النجف والجمهورية الإسلامية الإيرانية خلافات عدّة، بعضها يتعلّق بالأفكار الدينية، والبعض الآخر بسياسات إيران تجاه العراق. فآية الله السيستانى يرفض على سبيل المثال مبدأ ولاية الفقيه المُعتمَد فى إيران منذ صعود الخمينى إلى السلطة عام 1979، والذى يعطى رجال الدين الشيعة ولاية سياسية على أمور الحكم. فى المقابل، يدعو السيستانى إلى مشروع الدولة المدنية، رافضا أن يكون له أى دور سياسى فى إدارة الدولة العراقية. هذا الموقف السياسى يعكس قناعات السيستانى الدينية، فهو يؤمن بولاية الأمّة على نفسها؛ حيث الشعب مصدر شرعية الحكم، الأمر الذى يتعارض مع نموذج ولاية الفقيه كما تبنّته الثورة الإسلامية الإيرانية.
تفصل بين الطرفَين أيضا خلافات سياسية. فمع تصاعد النفوذ السياسى الإيرانى فى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، أخذ السيستانى مواقف مُنتقدِةً للدور الإيرانى فى العراق، بالرغم من أن إيران هى بلده الأم. انتقد السيستانى شخصيات سياسية مقرّبة من إيران، مثل رئيس الوزراء العراقى الأسبق نورى المالكى، وهو داعم لرئيس الوزراء العراقى الحالى مصطفى الكاظمى، الذى يعطى أولوية لبقاء العراق مستقلا عن التأثير الإيرانى. كما أدان السيستانى فى مناسبات عدّة المحاولات الرامية إلى تقسيم العراق إلى مناطق نفوذ مختلفة، فى إشارة إلى مشروعات القوى الإقليمية، ومن ضمنها إيران. وكذلك ساند السيستانى مطالب المتظاهرين العراقيين، خلال السنوات الأخيرة، المُنادية بإنهاء الفساد السياسى، بما فيه فساد القوى السياسية المدعومة إيرانيا. وعندما تعرّضت التظاهرات للعنف، دعا السيستانى إلى إجراء تحقيقات فى تلك الحوادث، التى تشير أصابع الاتهام فيها إلى عناصر فى ميليشيات موالية لإيران.
على الجانب الشعبى، خرجت التظاهرات الحاشدة التى شهدها العراق خلال السنوات الأخيرة ضدّ الأحزاب الشيعية الحاكمة، فى المناطق ذات الأغلبية الشيعية بشكل أساسى. وقد نادت تلك التظاهرات من جملة مطالبها بإنهاء الوصاية الإيرانية على العراق، حتى إن بعض المتظاهرين فى مدينة البصرة عمدوا إلى حرق القنصلية الإيرانية احتجاجا على التدخّل الإيرانى فى الشأن العراقى.
•••
تأتى أهمية زيارة الطيب من تقاطع أهدافها السياسية والدينية. فهى ترسم خطوطا فاصلة بين الحوار الضرورى مع القوى الدينية الشيعية، وبين أهمية مواجهة الخطاب والقوى الطائفيَّين فى الوقت نفسه، ذلك أن المسارين مرتبطَان ارتباطا وثيقا.
تملك إيران مشروعا سياسيا للتوسّع فى المنطقة العربية، وهى تعتمد من بين أدواتها لتنفيذ هذا المشروع على ادّعاء تمثيل المجتمعات الشيعية فى الدول العربية. يكتسب هذا الادّعاء شرعية فقط فى لحظات التوتر الطائفى بين السنّة والشيعة، أما إن اختفى هذا التوتر، فلن يكون لإيران حجّة تبرّر بها تدخّلها فى المجتمعات العربية، بل ولن تجد لها آذانا صاغية حتى، إذا ما حاولت التدخّل. إن الحوار مع القوى الدينية الشيعية خطوة ضرورية لنزع فتيل التوتر الدينى الذى تستغلّه القوى الطائفية للدفع بمشروعها السياسى. فالقاعدة الذهبية فى العلاقات بين الجماعات الدينية بشكل عام هى أنه كلما زاد التوتر الدينى، نشطت القوى الطائفية، وحين يغيب هذا التوتر يفقد خطاب القوى الطائفية جاذبيته. فكلما قويت العلاقة بين سنّة العرب وشيعتهم، ضعفت فرص القوى الطائفية فى الدفع بأجندتها.
باحث بمركز مسارات الشرق الأوسط بالجامعة الأوروبية بفلورنسا

جورج فهمي أستاذ مساعد بالجامعة الأوروبية بفلورنسا
التعليقات