نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتبتين نيها واديكار ورويدا عامر، ترصدان معاناة النساء الأرامل فى غزة، حيث أصبحن فجأة المعيل الأول للأسرة بعدما كانت تقع هذه المسئولية على عاتق الزوج. بالتالى، سيعرضهن هذا العبء لمخاطر جمة من أجل توفير حياة طيبة لأسرهن. لذا دعت الكاتبتان المنظمات والمؤسسات الحقوقية بالانتباه إلى قضية نساء غزة وحقهن فى العيش بأمان بتوفير الوظائف والدعم المالى لهن، لحمايتهن من التعرض للانتهاكات والعنف والأعمال غير القانونية... نعرض من المقال ما يلى:بداية، تقول الكاتبتان إن نساء غزة يتحملن النصيب الأكبر من المآسى جراء العمليات العسكرية البربرية التى تشنها إسرائيل الدموية ردا على هجوم حماس فى السابع من أكتوبر.
واحدة من هؤلاء النساء هى المواطنة الفلسطينية مريم أبو عكر، نجت مريم أبو عكر من الموت مرتين مع سقوط القنابل كالمطر على غزة. لكن الموجع هو عدم نجاة أحبائها، حيث استشهدت سارة، ابنة مريم البالغة من العمر 17 عاما، عندما سقطت قنبلة على منزلهم المكون من طابقين فى 17 أكتوبر، مما أدى إلى تمزيق جسد الفتاة المراهقة إلى نصفين.
وفى أعقاب وفاة سارة، اعتمدت مريم على زوجها سلامة للحصول على الدعم النفسى. «لقد ساعدنى على تحمل خسارة ابنتى. وقالت المرأة البالغة من العمر 40 عاما فى مقابلة أجريت معها فى منزل عائلة زوجها فى خان يونس، وهى مدينة تقع جنوب قطاع غزة: «لقد أخبرنى أن كل شىء سيكون أفضل وأن ابنتنا ذهبت إلى الجنة».
لكن مأساة مريم لم تتوقف عند وفاة ابنتها فقط، فبعد سبعة أسابيع استشهد زوجها سلامة أثناء حديثه مع أحد جيرانه جراء سقوط قنبلة فى مكان قريب منهما مما أدى إلى استشهادهما. وفى لحظة، أصبحت مريم أرملة، ومقدمة الرعاية الوحيدة لأطفالهما الأربعة المتبقين. إنها ليست القصة الوحيدة. لقد ترملت آلاف النساء فى غزة بسبب الحرب أو تركن مسئولات عن أسرهن، ويخشى خبراء الإغاثة من تجاهل المنظمات الإنسانية لمحنتهن المتفاقمة.
قالت مريم والدموع تنهمر على خديها الشاحبين: «لا أعرف كيف سأواجه غيابه وأربى الأطفال من دونه»، «فى بعض الأحيان، عندما يغضبنى الأطفال، أقول لهم: «سأتصل بوالدكم». ثم أتذكر أنه ليس هنا».
توضح الكاتبتان أن ابنة مريم الراحلة وزوجها هما من بين أكثر من 23 ألف فلسطينى قتلوا فى الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ أوائل أكتوبر ــ ويقدر أن نحو 70 بالمائة من الضحايا هم من النساء والأطفال ــ وفقا لمنظمة كير الدولية، وهى منظمة إنسانية عالمية.
ردت إسرائيل على هجوم حماس فى السابع من أكتوبر بحملة قصف واسعة النطاق على غزة أدت إلى استشهاد أعلى عدد من المدنيين فى الصراع الطويل الأمد منذ عام 2005. وتظهر بيانات من منظمة الأمم المتحدة للمرأة فى الدول العربية أن أكثر من 2780 امرأة فى غزة أصبحن أرامل. كذلك قالت العديد من المنظمات الإنسانية إنه مع نزوح ما لا يقل عن 85 بالمائة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وندرة الغذاء والوقود والأدوية والمياه، فإن هذه الأسر، التى تعيلها نساء، تكافح من أجل التعايش مع هذه الظروف الجديدة.
• • •
لا يتعين على هؤلاء النساء أن يتعاملن مع عنصرية المجتمع وعدم المساواة القانونية فحسب، بل أصبحن الآن عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعى، كذلك هن غير قادرات على إعالة أنفسهن وأسرهن، كما يجدن صعوبة للوصول إلى المنظمات التى يمكن أن تساعدهن وتوفر لهن الغذاء والمأوى الآمن والرعاية الصحية.
مزيد من الأدلة، كما جاء على لسان لوسى ثلجية، رئيسة برنامج المرأة فى مركز وئام الفلسطينى لحل النزاعات «the Palestinian transformation center»، وهى منظمة مجتمع مدنى مقرها بيت لحم، إن «معظم العبء سيقع على عاتق النساء»، لذا «يجب أن يكن أقوياء ــ ليعيشن ويساعدن أطفالهن، وليبدأن حياة جديدة، ربما مع زوج جريح أصبح معاقا، أو ربما كأرملة لديها أربعة أو خمسة أطفال لتعتنى بهم».
جانب آخر من معاناة المرأة فى غزة، طبقا لتقرير صدر عن الأمم المتحدة عام 2018، إن القوانين فى غزة تضع المرأة تحت حماية ووصاية الرجل، كما تفشل هذه القوانين فى حماية المواطنات من جرائم الشرف والاغتصاب الزوجى والعنف المنزلى.
على صعيد العمل، ووفقا لبيانات الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى، فإن 17% فقط من النساء كن نشيطات فى القوى العاملة اعتبارا من عام 2021، مقارنة بـ 69% من الرجال، على الرغم من ارتفاع معدلات معرفة القراءة والكتابة بين الإناث فى غزة.
شهدت غزة أعلى معدل بطالة فى العالم بنسبة 44% فى عام 2017، وفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فلم تحصل معظم النساء الغزاويات على وظيفة رسمية؛ والآن حتى لو تمكنّ من العمل فللحرب الكلمة الحاسمة.
أعلنت منظمة العمل الدولية فى أواخر ديسمبر الماضى أن ما لا يقل عن ثلثى الوظائف فى غزة فقدت منذ بدء الحرب ــ ما يقرب من 192 ألف وظيفة ــ محذرة من احتمالية خسارة النساء العاملات فى مجال الزراعة لوظائفهن لأن ارتفاع معدلات البطالة ستؤدى إلى استيلاء الرجال على أعمالهن.
عودة إلى مأساة المواطنة مريم، توضح الكاتبتان أن مريم تزوجت فى العشرين من عمرها ولم تكمل دراستها الجامعية. وكانت ربة منزل طوال حياتها تقريبا كما تعتمد ماليا على زوجها الراحل، الذى كان يكسب نحو 9 دولارات يوميا من بيع الملابس فى السوق. وجاء حديث مريم مؤكدا لما سبق قائلة إن زوجها «كان هو المعيل الوحيد لنا»، وأضافت: «لست معتادة على تحمل المسئولية وحدى. ولا أعرف كيف سأكمل الطريق مع أطفالى».
فى سياق متصل، تشير منظمة كير الدولية إلى أن بعض الأمهات يأكلن مرة واحدة فقط فى اليوم لأنهن يضعن صحة أطفالهن فى المقام الأول وسط تحذيرات برنامج الأغذية العالمى من ارتفاع حالات الجفاف وسوء التغذية.
• • •
من ناحية أخرى، توصلت الأبحاث التى أجرتها مجموعة من المنظمات مثل البنك الدولى ومكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعى، بما فى ذلك الاستغلال الجنسى والاتجار بالبشر، يتزايد أثناء الحروب وفى حالات ما بعد الصراع بسبب الصعوبات الاقتصادية والنزوح وانهيار المجتمعات المحلية.
فى ضوء هذا، قالت سانام أندرلينى، المؤسس والرئيس التنفيذى لشبكة العمل الدولية للمجتمع المدنى، وهى منظمة معنية بالمرأة والسلام والأمن، إن «مستويات الفقر تجبر النساء على القيام بأعمال محفوفة بالمخاطر، مثل العمل فى مجال الجنس، وإجبار الأطفال على العمل فى سن مبكرة، كما سنشهد ارتفاعا كبيرا فى زواج الفتيات المبكر».
ويقيم حاليا نحو 1.4 مليون فلسطينى فى غزة فى ملاجئ تابعة للأمم المتحدة، وقد حذرت وكالات الإغاثة من أن الاكتظاظ فى مثل هذه الأماكن يزيد من خطر الانتهاكات ضد النساء والفتيات.
حسب ما ورد على لسان كل من لوسى ثلجية وسانام أندرلينى، فإن مساعدة الأرامل وربات الأسر فى العثور على عمل وكسب المال لدعم أسرهن هى الوسيلة الرئيسية لمنع النساء والأطفال من اللجوء إلى الأعمال غير القانونية كخيارهن الوحيد.
على سبيل المثال، يخطط مركز وئام الفلسطينى لمساعدة النساء على الانضمام إلى القوى العاملة وتطوير مشاريعهن الخاصة التى تدر المال، فضلا عن توفير التمويل للمشاريع الصغيرة.
جوهر القول، تسببت حرب غزة فى ترمل عدد لا يستهان به من النساء، فأصبحن بين ليلة وضحاها المسئول الأول عن حياة الأسرة بعد اعتمادهن التام أو شبه التام على الزوج. وهذا يعرض النساء لمخاطر الاتجار بالبشر وزواج القاصرات؛ كذلك يتعرضن للمخاطر الصحية نتيجة عدم توافر الغذاء وإعطاء الأولوية للأبناء. لذا من واجب منظمات المجتمع المدنى المحلية والدولية توفير الوظائف والدعم المالى لهؤلاء النساء حتى يستطعن إعالة أطفالهن دون تعريض حياتهن للخطر.
ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمرالنص الأصلى
https://bit.ly/48tDSFt