الاقتصاد الفلسطينى يُدفَع دفعا إلى الانهيار - محمود الخفيف - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد الفلسطينى يُدفَع دفعا إلى الانهيار

نشر فى : السبت 14 سبتمبر 2019 - 10:15 م | آخر تحديث : السبت 14 سبتمبر 2019 - 10:15 م

فى الثلاثاء الموافق 10 سبتمبر 2019، أصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تقريره السنوى حول الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطينى فى الأرض الفلسطينية المحتلة. وأفاد التقرير أن معاناة الفلسطينيين تتفاقم باطراد نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، ففى عام 2018 وأوائل 2019 تواصل الركود والتباطؤ الاقتصادى مما أدى إلى نقصان متوسط نصيب الفرد فى الدخل بنسبة 1,7% فى العام الماضى، وهذا أدى إلى زيادة البطالة، حيث إن هناك فردا عاطلا من كل ثلاثة يبحثون عن عمل، وفى غزة الحالة أفظع فنسبة البطالة وصلت إلى 52%. وبطبيعة الحال ازدادت نسبة الفقر حيث يعيش تحت خط الفقر ما يقرب من ثلث الـ 4.8 مليون فلسطينى فى الضفة الغربية وقطاع غزة، والفقراء فى غزة وصلت نسبتهم إلى 53% بما فى ذلك 400 ألف طفل فى حالة فقر.

***
وبالتأكيد ترجع أسباب هذه المعاناة إلى الإجراءات التى تفرضها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ففى قطاع غزة هناك 2 مليون إنسان يعيشون تحت حصار اقتصادى شبه كامل لأكثر من 12 عاما، والقدس معزولة عن باقى اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة، وفى الضفة الغربية تطبق سياسة الإغلاق وإعاقة الحركة لأكثر من ربع قرن، حيث كان هناك فى العام الماضى 705 حواجز مادية دائمة على مساحة الضفة الغربية التى لا تتعدى 6000 كم مربع، وتشمل تلك الحواجز نقاط تفتيش وبوابات وحواجز ترابية وحواجز على الطرق وخنادق. أضف على ذلك يستمر إضعاف الاقتصاد الفلسطينى بحظر إسرائيلى يمنع الفلسطينيين من استيراد سلع أساسية ومدخلات إنتاج ضرورية للصناعة والزراعة وذلك بحجة أنها تنتمى إلى قائمة طويلة تسمى «السلع ذات الاستخدام المزدوج» وهى سلع مدنية ترى إسرائيل أنه قد يكون لها استخدامات عسكرية.

والنتيجة الحتمية لكل ذلك هى تشوه هيكل الاقتصاد الفلسطينى حيث انخفض نصيب الصناعة فى الاقتصاد الفلسطينى من 20 إلى 11% والزراعة من 12 إلى 3% بين عامى 1994 و2018، والنتيجة الأخرى لإجراءات الاحتلال هى تبعية اقتصادية مفروضة قسرا على الشعب الفلسطينى، حيث إن حوالى 80% من الصادرات الفلسطينية تذهب إلى إسرائيل وحوالى 60% من الواردات الفلسطينية مصدرها الاقتصاد الإسرائيلى، حيث تصدر إسرائيل إلى الأرض الفلسطينية المحتلة أكثر مما تصدره إلى فرنسا أو ألمانيا، وتمثل السوق الفلسطينية رابع أكبر سوق للصادرات الإسرائيلية.

وأشار تقرير الأونكتاد إلى أنه فى يوليه ٢٠١٨ أقرت إسرائيل قانونا يقضى بأن تُقتطَع من الإيرادات الضريبية الفلسطينية (التى تجبيها إسرائيل ثم تحولها إلى الفلسطينيين وتسمى بإيرادات المقاصة) ما يعادل المبالغ التى تدفعها الحكومة الفلسطينية لأسر الشهداء والسجناء الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية. وبالفعل قامت إسرائيل فى فبراير ٢٠١٩ بخصم مبلع 11.5 مليون دولار شهريا من إيرادات المقاصة الفلسطينية (حوالى ١٣٨ مليون دولار سنويا). وردّت الحكومة الفلسطينية برفض استلام أى شىء أقل من كامل مبالغ الإيرادات الضريبية المستحقة لها. وهذه المواجهة المالية المفروضة على الشعب الفلسطينى تعنى حرمان الحكومة الفلسطينية من 65% من إيراداتها (ما يعادل 15% من الناتج المحلى الإجمالى). وقد اضطُرت الحكومة الفلسطينية إلى تخفيضات مؤلمة فى المساعدات الاجتماعية المقدمة لأشد الفئات فقرا، ودفع 50% فقط من رواتب موظفى القطاع العام. ويضيف التقرير إلى أن هذه الصدمة المالية، بالإضافة إلى التناقص الكبير فى دعم المانحين (فى السنوات الأخيرة)، سيؤديان إلى تفاقم الآثار السلبية (التى هى فى الأصل ضخمة) على الإنتاج وفرص التوظيف والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التى يعيشها الشعب الفلسطينى. ويحذر التقرير من أن استمرار إسرائيل فى استقطاع مستحقات فلسطين المالية، قد يفضى إلى انهيار مالى فى فلسطين.

وفى إطار ما يمكن إدراجه تحت بند «التكلفة الاقتصادية للاحتلال»، يشير التقرير إلى أن الاحتلال قد حرم الشعب الفلسطينى من استغلال موارده من البترول فى الضفة الغربية والغاز الطبيعى على سواحل قطاع غزة. وتُقدر خسائره المتراكمة لهذا المنع بمليارات الدولارات، إضافة إلى التكلفة الهائلة المتمثلة فى الفرص الإنمائية الضائعة التى كان من الممكن للشعب الفلسطينى أن يجنيها إذا أتيحت له هذه الموارد. وما دام الاحتلال قائما، فإن هذه التكلفة ستزداد وسيتواصل ارتفاع التكاليف الاقتصادية للاحتلال التى يتكبدها الشعب الفلسطينى.

وتسارعت وتيرة بناء المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية دوليا فى الضفة الغربية، وكانت حوادث عنف المستوطنين الإسرائيليين فى عام 2018 هى الأعلى فى السنوات الأخيرة، وهذا يدفع الفلسطينيون إلى مغادرة أراضيهم ومنازلهم والانتقال إلى أماكن أخرى ليبتعدوا عن هذا العنف المتعمد.

***

وفى مجال البيئة، فإسرائيل تستخدم الضفة الغربية «كمنطقة تضحية» وتلقى فيها كميات كبيرة من النفايات الخطرة التى تنتج داخل إسرائيل (مثل وسخ المجارى الصعب التخلص منه، والنفايات الطبية والمعدنية، والزيوت والمذيبات المستعملة، والنفايات الإلكترونية والبطاريات... إلخ)، وهذا يهدد بشكل مباشر صحة الشعب الفلسطينى وسلامة بيئته وموارده الطبيعية.

وبالطبع الوضع فى قطاع غزة ليس أفضل، حيث أدى تدمير وهدم البنية التحتية للصرف الصحى فى القطاع إلى انهيار بيئى شبه كامل، ففى كل يوم يُلقى أكثر من ١٠٠ مليون لتر من مياه الصرف الصحى غير المعالجة فى مياه البحر الأبيض المتوسط، مما يؤدى إلى تلوث الشواطئ إلى مستويات أربعة أضعاف المعايير البيئية الدولية، وكذلك يؤدى إلى فقدان الثروة السمكية التى يعتمد عليها الشعب الفلسطينى فى غزة كمصدر رئيسى للبروتين. بالإضافة إلى أن هذا التلوث يعرض الصحة العامة للخطر ويحرم السكان من الإمكانية الترفيهية الوحيدة الميسورة التكلفة على شواطئ البحر.

والأكيد أن مشاكل الشعب الفلسطينى واقتصاده لن تنتهى إلا بانتهاء الاحتلال، ولكن إلى ذلك الحين ينادى التقرير بضرورة زيادة دعم المانحين إلى الشعب الفلسطينى إلى المستويات التى كان عليه من سنوات قليلة، وكذلك يحث التقرير على ضرورة إجراء بحوث تفصيلية لضمان الحقوق الاقتصادية وحقوق الملكية للشعب الفلسطينى وتحديد حصته فيما يتعلق بموارد النفط والغاز الطبيعى التى تشترك فى ملكيتها العديد من دول شرق حوض البحر الأبيض المتوسط.

رابط النسخة العربية للتقرير

محمود الخفيف اقتصادي بالأمم المتحدة
التعليقات