حق فلسطين فى نفط وغاز شرق المتوسط - محمود الخفيف - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 2:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حق فلسطين فى نفط وغاز شرق المتوسط

نشر فى : الجمعة 25 يونيو 2021 - 7:00 م | آخر تحديث : الجمعة 25 يونيو 2021 - 7:00 م

يجب توزيع موارد النفط والغاز فى حوض الشام بشرق البحر الأبيض المتوسط بشكل منصف لتحقيق تسوية سياسية واقتصادية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية.

بعد العملية العسكرية الإسرائيلية الموسعة فى شهر مايو الماضى، وما تلاها من دمار هائل فى غزة، تعهد المجتمع الدولى بتقديم مئات الملايين من الدولارات للمساعدة فى إعادة إعمار القطاع، قد يكون هذا مفيدا كمسكن مؤقت لجروح الاحتلال المتكررة، ولكن أساس أى حل هو إنهاء الحصار والاحتلال الإسرائيلى للأرض الفلسطينية وهو الضرورة التى لا يمكن تناسيها مهما طال الزمن، وفى ذات الوقت يجب أن يكون هناك استثمار طويل الأجل فى التنمية الاقتصادية والبشرية فى فلسطين، وهذا بطبيعة الحال يتطلب مليارات الدولارات سنويا، وعلى المجتمع الدولى أن يفى بالتزامه تجاه الشعب الفلسطينى فى هذا الشأن. وبالإضافة إلى ذلك هناك موارد فلسطينية، مسلوبة ويتم تجاهلها، يمكنها أن تمول الاستثمارات اللازمة، ويمكن توفيرها بتخصيص حصة عادلة للشعب الفلسطينى من احتياطيات النفط والغاز الطبيعى فى الأرض المحتلة وشرق البحر الأبيض المتوسط، التى لا تستغلها حاليا سوى إسرائيل منفردة.

وقد أصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) دراسة بعنوان «التكاليف الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني: إمكانيات النفط والغاز الطبيعي التى لم تتحقق»، حيث تشير إلى أن الاكتشافات الجديدة للغاز الطبيعى فى حوض الشام (Levant Basin) بشرق البحر المتوسط قد تبلغ 122 تريليون قدم مكعب، فى حين يقدر النفط القابل للاستخراج بنحو 1.7 مليار برميل. وتتيح هذه الاحتياطيات فرصة لتوزيع وتقاسم حوالى 524 مليار دولار (بأسعار عام 2017) بين مختلف الأطراف فى المنطقة.

•••

إن الاحتلال العسكرى الإسرائيلى للأرض الفلسطينية منذ عام 1967 والحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007 منعا الشعب الفلسطينى من ممارسة أى سيطرة على موارده من الوقود الأحفورى، مما حرمه من عائداته المالية والتصديرية التى تتزايد الحاجة إليها مع اقتراب الاقتصاد الفلسطينى من حافة الانهيار التى يدفع إليها دفعا. إن التكاليف الاقتصادية التى يتحملها الشعب الفلسطينى من جراء الاحتلال موثقة جيدا، فمنها قيود مشددة مفروضة على حركة العمالة والبضائع؛ وقيود مفروضة على حركة أفراد الشعب الفلسطينى، ومنها مصادرة وتدمير الممتلكات والأصول وفقدان وسلب الأراضى والمياه والموارد الطبيعية الأخرى، وكذلك تجزئة وتفكيك السوق المحلية الفلسطينية وفصلها عن الأسواق العربية المجاورة والدولية والعنف الذى يمارسه المستوطنون وتوسع المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية التى تمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولى.

وقد أدى الإغلاق المطول من عام 2007 والعمليات العسكرية المتكررة فى غزة إلى هبوط أكثر من نصف سكان قطاع غزة إلى ما تحت خط الفقر. ونجم عن ذلك تكلفة تقدر بحوالى 16.7 مليار دولار من الناتج المحلى الإجمالى المفقود نتيجة الحصار، ولا يتضمن هذا الرقم التكلفة الهائلة للفرصة البديلة لمنع الشعب الفلسطينى من استخدام حقه فى حقل الغاز الطبيعى قبالة شواطئ غزة.

كما أن الشعب الفلسطينى لا يملك سوى سيطرة محدودة على حيزه من موارد ماله العام وأدوات السياسات الاقتصادية. ووفقا لبنود بروتوكول باريس للعلاقات الاقتصادية الموقع سنة 1994 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، تسيطر إسرائيل على السياسة النقدية والحدود والتجارة الفلسطينية، كما تقوم بتحصيل الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة على الواردات الفلسطينية وكذلك ضريبة الدخل على الفلسطينيين العاملين فى إسرائيل، والتى تقوم إسرائيل بعد ذلك بتحويلها للحكومة الفلسطينية. ويقدر الأونكتاد أن الشعب الفلسطينى خسر تحت الاحتلال 47.7 مليار دولار (بأسعار عام 2015) من الإيرادات المالية خلال الفترة 2007ــ2017، بما فى ذلك الإيرادات التى تسربت إلى خزينة إسرائيل والفوائد المتراكمة على هذه التسربات، وبالمقارنة بهذه المبالغ الطائلة، بلغ الإنفاق الإنمائى للحكومة الفلسطينية خلال الفترة نفسها 4.5 مليار دولار فقط لا غير.

وقد أعطى الاتفاق الإسرائيلى الفلسطينى المؤقت لعام 1995، المعروف باسم اتفاق أوسلو الثانى، السلطة الوطنية الفلسطينية ولاية بحرية على مياهها الإقليمية لمسافة 20 ميلا بحريا من الساحل. ووقعت السلطة الوطنية الفلسطينية عقدًا مدته 25 عامًا للتنقيب على الغاز مع «مجموعة الغاز البريطانية» فى عام 1999، وفى نفس العام تم اكتشاف حقل غاز كبير، هو «غزة مارين»، على بعد 17 إلى 21 ميلا بحريا من ساحل غزة. ومع ذلك، وعلى الرغم من المباحثات الأولية بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية و«مجموعة الغاز البريطانية» بشأن بيع الغاز والاستفادة من هذا الحقل وتوفير الإيرادات، التى تحتاجها الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل ماس، لم يتمكن الشعب الفلسطينى من الحصول على أى فوائد من مواردهم الموجودة فى مياههم الإقليمية.

وبعد فرض الحصار على قطاع غزة فى يونيو 2007، والمستمر إلى يومنا هذا، سيطرت إسرائيل فعليا على احتياطيات الغاز الطبيعى البحرية مقابل شواطئ غزة، ومنذ ذلك الحين، تتعامل «مجموعة الغاز البريطانية» مباشرة مع حكومة إسرائيل، مع تجاوز تام للحكومة الفلسطينية فيما يتعلق بحقوق الاستكشاف والتنمية. كما تسيطر إسرائيل على حقل «مجد» للنفط والغاز الطبيعى الواقع داخل الضفة الغربية المحتلة، وتزعم إسرائيل أن الحقل يقع غرب خط الهدنة لعام 1948، وذلك على الرغم من أن معظم الخزان النفطى يقع تحت الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. وفى الآونة الأخيرة، بدأت إسرائيل فى تطوير اكتشافات جديدة للنفط والغاز فى شرق البحر الأبيض المتوسط، وذلك لصالحها ونفعها الخاص والمنفرد.

•••

إن استيلاء إسرائيل على، واستغلالها، لموارد الشعب الفلسطينى من نفط وغاز طبيعى، يمثل انتهاكا لروح ونص «لوائح لاهاى» و«اتفاقية جنيف الرابعة» ومنظومة من القانون الإنسانى الدولى وقوانين حقوق الإنسان التى تختص باستغلال الموارد المشتركة من قبل قوة احتلال وذلك دون اعتبار لمصالح وحقوق وحصص السكان أصحاب الأرض والواقعين تحت الاحتلال.

وقد تعهد المجتمع الدولى حتى الآن بتقديم 860 مليون دولار لإعادة إعمار غزة بعد دمار شهر مايو الماضى، ولكن حتى قبل العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، يقدر الأونكتاد أن انتشال سكان غزة من براثن الفقر سيكلف ما لا يقل عن 838 مليون دولار سنويا (بأسعار عام 2015)، ومن شأن حصة عادلة من عائدات النفط والغاز أن توفر للشعب الفلسطينى تمويلا مستداما للاستثمار فى إعادة الإعمار الاقتصادى طويل الأجل، وإعادة التأهيل والانتعاش الاقتصادى، والبديل هو أن تستغل إسرائيل هذه الموارد بشكل فردى وحصرى، وأن تصبح الموارد دافعا آخر لمزيد من الصراع.

إن الانتعاش الاقتصادى المستدام والتسوية السياسية المستدامة يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب، وفى نفس الوقت تواصل الأمم المتحدة على العمل من أجل تأسيس دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية وذات سيادة ومتواصلة الأطراف وقابلة للحياة، تعيش فى سلام وأمن مع كل جيرانها. إن البقاء الحيوى، ثم الازدهار، الاقتصادى لدولة فلسطين يعتمد على قدرة الشعب الفلسطينى على السيطرة على اقتصادهم والحصول العادل على حصتهم من احتياطيات النفط والغاز فى كل الأراضى الفلسطينية.

هذا المقال يعكس رؤية الكاتب وليس بالضرورة رؤية المنظمة التى يعمل بها.

اقتصادي بالأمم المتحدة

محمود الخفيف اقتصادي بالأمم المتحدة
التعليقات