خارج سرب الرئيس - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خارج سرب الرئيس

نشر فى : الأحد 14 أكتوبر 2012 - 1:05 م | آخر تحديث : الأحد 14 أكتوبر 2012 - 1:05 م

أنقذنى فجأة صوت الرئيس محمد مرسى من نوم محقق بعد أن غالبنى النعاس فى الربع الثانى من خطابه الاحتفالى، فى يوم 6 أكتوبر. والذى كان مثيرا حقا فى اللحظات الأولى، وقت دخوله فى سيارة مكشوفة أرض استاد القاهرة، فى مشهد نادر، لم أره من قبل، ومؤكد ولا من بعد. إلا أن الملل بدأ يتسرب بعد أن خلت المشاهد التالية من أى اثارة. غالبنى النعاس بالرغم من كل أساليب الاستيقاظ التى استعملتها بدءا من أكواب القهوة وانتهاءً بتبادل التعليقات مع الأصدقاء.

 

المهم أن صوت الرئيس أعادنى لليقظة مرة أخرى. حيث وصل إلى مسامعى ما جعلنى أعتدل فى الكرسى، وأفتح أذنى عن آخرها بعد أن نجح السيد الرئيس فى إثارة حماسى. ليس فقط من صوته المرتفع، وحركته التى لم تهدأ يمينا ويسارا ولكن لما كان يقوله. الرئيس أخيرا قرر أن يصدر قرارات يعدل بها حال بعض القوانين الفاسدة. فمن المؤكد أن الرئيس أقتنع على عكس وزراء حكومته، ورجال حزبه، أن الثورة لن ينصلح حالها، والفساد لن تندحر شخوصه بتطبيق ذات القوانين التى صنعها الفاسدون ذاتهم، التى قامت الثورة من أجل إسقاطهم.

 

أحقا وعى الرئيس أن القضاء على الفساد فعل ثورى، وأنه لن ينصاع إلى رجاله بأن تجميلا هنا أو هناك سوف يصلح حال الثورة، ويسكت كل من ثاروا. اعتدلت فى جلستى، والرئيس يقول إن هناك وقفة مع بعض الشركات التى خالفت العقود. وشرح لنا السيد الرئيس بالتفصيل أن احدى الشركات خالفت حتى القوانين الفاسدة التى كانت تسمح أن تكسب شركة فى صفقة واحدة فى البورصة 80 مليار جنيه، دون أن تدفع عنها ضرائب. وتصورت أنه ربما يدور فى خلد الرئيس مقارنة هذه الشركة بصاحب كشك السجاير الذى يدفع ضرائب، أو الساعى فى أى مصلحة حكومية الذى تقتطع منه الضرائب قسرا من المنبع.

 

●●●

 

سمعت السيد الرئيس يقول بالفم المليان، وسط تصفيق، وتهليل، وتكبير، وتصفير من جمهور الحرية والعدالة، إن «هناك شركة معفاة من الضرائب لمدة 50 سنة، وأخذت الخامات ببلاش. وعندما ارادت أن تبيع الأرض لشركة أخرى أدخلت هذه الشركة فى البورصة لمدة شهرين فقط. وطلعتها تانى. وخلال الشهرين باعت الشركة الأرض، وربحت 80 مليار جنيه (80000 مليون جنيه). وما أعفى من هذه الأموال من الضرائب علشان (اللعبة بتاعة البورصة دى) 64 مليار جنيه. ودول عليهم ضرائب كام؟» يسأل الرئيس ويجيب 14 مليار جنيه. وأتاخروا عن سدادهم مما رفع المستحق ليصبح 36 مليار جنيه.

 

تهللت وسمعت صوت الحاضرين يصفقون لما يقوله السيد الرئيس، وبدأت اردد وراءهم (حرية عدالة مرسى وراه رجاله) لأنى أصبحت على قناعة بأن رجال مرسى فى الاستاد فهموا أن رئيسهم سوف يقتحم المشاكل فعلا. وبأنه كان محقا عندما قال «إن كل هذه المفاسد وما حصلوا عليه من دماء هذا الشعب لن نتنازل عنه». فهمت من كلام السيد الرئيس أن ما قاله من أن «اللعب اللى فى البورصة ده» حرم خزانة الدولة من 36 مليار جنيه بفوائد التأخير. فهمت أن قرارا رئاسيا فى الطريق يغير من تلك القواعد الفاسدة الجائرة التى تجعل الحكومة تستعد حاليا لاستقطاع قرش كضريبة على كل دقيقة محمول تستهلكها بائعة خضار، أو خادمة فى منزل، أو سمكرى، أو سباك يمتلكون محمولا لقضاء أعمالهم. بينما لا تدفع شركة تكسب 80 مليار جنيه فى صفقة واحدة، بشهادة رئيس الجمهورية نفسه، أى ضرائب عما كسبته.

 

وزاد حماسى لحديث الرئيس، الذى ازداد هو الآخر حماسا عندما كان يقول وكأنه يقسم بأنه سيسترجع حق الدولة من شركة أخرى.. يقول السيد الرئيس أن «شركة أخذت أرض وقسمتها، ووزعتها على 35 ألف عيلة بعقود. وهذا اصبح حق لهم طبقا لحكم المحكمة.ولكن بقى 53% من الأرض ليس لها عقود، ولم يدفع فيها حاجة. والمفاوضات الجارية حول سعر 700 جنيه للمتر فى 5000 فدان تجيب لنا 14 مليار جنيه». صرخت وحدى « 17 مليار جنيه أخرى من دم الناس.

 

●●●

 

وبدأ الرئيس يعدد الحالات الثلاث الأخرى التى أخذت أحدهما أرض استصلاح بمساحة 26 ألف فدان، واغتصبت 14 ألف فدان أخرى. وكل ما زرعته لا يتعدى 3000 فدان. وأخذت موافقة شفوية على بنائها عقارات. وسأل الرئيس رجاله فى الاستاد عارفين علشان تبقى عقارات لابد أن تدفع الشركة كام؟. أصرخ انا معهم كام. يرد السيد الرئيس 47 مليار جنيه.

 

ومليارات أخرى وعد بها الرئيس رجاله من الشركة التى اخذت 240 فدانا لاستصلاحها على طريق مصر اسكندرية الصحراوى بسعر الفدان 200 جنيه وحولتها إلى منتجعات وعقارات. مع أن العقد يستوجب الفسخ إذا قامت بذلك. وبصوت جهورى يقول الرئيس «حنحط ايدينا على الأرض».

 

بعدها نمت نوما هادئا، لأستيقظ على عاصفة «بورصوية»، تناقلت المواقع أخبارها. تشير إلى أن تصريحات السيد الرئيس كانت سببا فى تراجع البورصة، وخسارتها 8 مليارات جنيه. بسبب أن الكل بدأ يخمن اسماء الشركات التى اشار إليها الرئيس. واصبح التراجع يطاول اسهمها. وبدأت عاصفة من البيانات، والبيانات المضادة بين البورصة والشركات التى طاولتها التلميحات. وراحت الشركات تدفع التهم عن نفسها، بمنتهى الثقة. وكأنها تلقن المسئولين درسا فى القوانين. شركة اوراسكوم أرسلت للبورصة ترد بأن الشركة ليس عليها اية ضرائب. وبأنه طبقا للمادة 50 من قانون الضرائب فإن جميع الأرباح الرأسمالية الناتجة عن بيع أسهم الشركات المقيدة بالبورصة معفاة من الضرائب. وإن الأسهم التى تم التعامل عليها فى وقت تنفيذ صفقة البيع فى عام 2008 تم قيدها بشكل سليم. وإن الشركة لا تتوقع فى حالة تعديل قانون الضرائب المعنى أن يتم تطبيقه باثر رجعى.

 

الشركة الأخرى التى سارعت للرد على الرئيس كانت مجموعة طلعت مصطفى صاحبة مشروع مدينتى والتى أصدرت بيانا تبين فيه أنه تم توقيع عقد جديد مع هيئة المجتمعات العمرانية. وابقى العقد على مساحة 7% من المسطحات السكنية التى ستسلم للهيئة. وهى لا تقل عن 9.9 مليار جنيه وان القضاء الإدارى اقر بصحة هذا العقد. وأقر بإعادة تقييم المساحة التى لم يتم استخدامها. وإن المحكمة سوف تنظر فى الخلاف حول التقييم فى 7 نوفمبر المقبل.الأهم أن الشركة أعلنت فى بيانها أنها لم تخطر من جانب أى جهة بأى قرار جديد.

 

●●●

هذا ليس كل شىء. ولكن مجلس الوزراء هو الآخر تنصل من تصريحات السيد الرئيس. عندما أسرع بإصدار بيان، يؤكد فيه على أنه «لا تغيير فى أية تعاقدات كانت سارية من قبل. وإن أية إجراءات سوف تتخذها الحكومة لن تتم بأثر رجعى». وبعدها توالت التصريحات من المسئولين. فقد صرح رئيس الوزراء هشام قنديل فى مؤتمر اليورومنى من أنه «لا تغيير فى القواعد المنظمة للبورصة. وأن التراجع الذى حدث فى البورصة يعود بالأساس إلى الشائعات». وأكد نفس المعنى وزير الاستثمار فى ذات المؤتمر. واستراح الجميع بعدها لانتهاء زوبعة تصريحات الرئيس وكأن شيئا لم يكن.

 

أى حرج هذا الذى أصبح فيه رئيس الجمهورية. هل كان ينوى بالفعل تعديل فى القوانين، وإرجاعا لما سماه حق الناس الذى لا يسقط بالتقادم. أم أن الأمر لا يعدو ان يكون سوء تفاهم بسيط بين الحكومة والشركات سيحل بحلول ودية، لا تخدش حياء الاستثمار؟.

 

وإذا كان رجالة مرسى قد سامحوه على سوء الفهم فنحن ممن خارج سرب الرئيس ننتظر اعتذارا عما لم يقدر الرئيس على فعله وهو استعادة حق الناس حتى لو غضب المستثمرون.

 

والحقيقة اقول يا ليتنى كنت قد أكملت نومى بعد الربع الأول من الخطاب، فور أن سمعت هتاف المشجعين فى الاستاد (حرية عدالة.. مرسى وراه رجاله) ووفرت على نفسى حرقة الدم.

 

 

 

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات