الاستظراف والسفالة لهما عواقب - أسامة غريب - بوابة الشروق
السبت 15 نوفمبر 2025 12:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

الاستظراف والسفالة لهما عواقب

نشر فى : الجمعة 14 نوفمبر 2025 - 7:45 م | آخر تحديث : الجمعة 14 نوفمبر 2025 - 7:45 م

طالعت خبرا من البرازيل مع فيديو يصور مراسم زواج تجرى فى إحدى قاعات مبنى البلدية. سأل القاضى العريس: هل توافق على الزواج من فلانة، فأجاب مبتسمًا: نعم أوافق، فعاد القاضى يسأل العروس: هل توافقين على اتخاذ فلانًا زوجا لك؟ قالت مازحة: لا. بعد أن اكفهر وجه القاضى وبدا عليه الغضب تداركت العروس الأمر فأكدت أنها توافق وأنها فقط كانت تمزح لكسر روتينية الإجراء، لكن القاضى كان قد اتخذ قراره فأوقف الإجراءات وغادر القاعة لأن استمراره فيها يعد مخالفًا للقانون على حد قوله!

ذكرتنى هذه الواقعة بموقف شبيه صادفتُه فى مطار دورفال بمونتريال حيث حضر أحد الركاب إلى كاونتر السفر لرحلتنا المتجهة إلى القاهرة، وعندما سألته الموظفة عما إذا كان هو الذى حزم حقيبته بنفسه ويعرف محتوياتها جيدا فرد بالإيجاب، فلما استفسرت عما إذا كان بالشنطة أى ممنوعات أو مواد خطرة، فإنه أجاب مازحًا فى رقاعة لا مبرر لها: نعم معى قنبلة!. نظرت الموظفة الكندية التى تعمل فى شركتنا نحوه فى ذهول ثم طلبتنى على الفور وكنت فى مكتبى بالدور العلوى وأطلعتنى على الأمر منتظرة التعليمات. قلت لها فى حزم: تصرفى طبقًا لدليل العمل وطبقًا للبروتوكول الذى تعلمتِه بلا زيادة أو نقصان. بعد المكالمة غادرتُ المكتب متوجهًا إلى كاونتر الركاب حيث كانت الزميلة قد طلبت قوات الأمن بالمطار وشرحت لهم الحالة العاجلة. وجدت رجال الشرطة يقتادون هذا الشاب الذى كنت أعرفه شخصيًا وأراه من وقت لآخر فى المقهى الذى أسهر به. هو مهاجر من أصل مصرى وكان فى طريقه لزيارة أهله بالقاهرة، ولا أدرى ما الذى دهاه حتى يمارس السخافة والاستظراف فى مثل هذه الأوقات العصيبة. ما إن رآنى حتى صاح مستغيثًا: أستاذ أسامة الحقنى، أنا فى عرضك. فى ذلك الوقت كانت أحداث 11 سبتمبر لم تزل قريبة والرعب يسيطر على الجميع، وكانت المطارات مشدودة والإجراءات الأمنية لا تهاون فيها، وبطبيعة الحال فإن وجهًا شرق أوسطى مثل وجه صاحبنا هذا كان يثير الريبة، فما بالكم وقد تطوع بالاعتراف بأن فى حيازته قنبلة! لهذا فإن الموظفة قامت بما دربناها عليه ونفذّت البروتوكول المعمول به فى مثل هذه الحالات، وبمقتضاه يتم التعامل مع أى مكالمة تنذر بوجود قنبلة على الطائرة بجدية بالغة، واتخاذ كل الإجراءات على أساس أن البلاغ حقيقى، وكذلك استدعاء الأمن فى حالة الراكب عديم الإحساس الذى يتصور أن التصريح بوجود قنبلة فى شنطته يدخل ضمن اللطافة وخفة الدم دون أن يدرى أنه سيقلب المطار بفعلته هذه. فوجئ الأخ بالإجراءات الجادة التى تضمنت استجوابًا وتفتيشًا ذاتيًا خلع فيه ملابسه كاملة، وكذلك تم عزل حقيبته وفحصها بواسطة الأجهزة مع الاستعانة بالكلاب البوليسية.

من الطبيعى أن وظيفتى كانت تفرض علىّ حماية الطائرة والركاب واتخاذ ما يلزم مع سلطات المطار ضد أى تهديد.. وعلى الرغم من اقتناعى الداخلى بأن هذا الأفندى لا قنبلة لديه ولا يحزنون، وأنه فقط أراد أن يكون بطلاً لنمرة ضاحكة يرويها لأصحابه فإننى لن أستجيب لقناعتى هذه وسوف أترك البوليس يقوم بعمله. فى الوقت الذى كان يتم استجوابه كنت أتفقد الركاب وأطمئنهم بأن إجراءاتنا الأمنية دقيقة ولا يستطيع أى مجنون أو إرهابى أن يتسلل إلينا، وطمأنتهم كذلك بأن هذا الراكب وبصرف النظر عن نتيجة التحقيق معه لن يكون معهم على هذه الرحلة أو أى من رحلاتنا فى أى وقت.

بعد التفتيش الدقيق ثبت لنا جميعًا أنه مجرد شخص تافه ولا خطورة منه، ومع ذلك فقد أخطرنى مسئولو الشرطة بأنهم سيرفعون دعوة قضائية ضده لأن ما فعله يشكل جريمة ترويع فى حق الموظفة والركاب الذين استمعوا إلى تصريحه ثم تناقلوا الأمر فيما بينهم، وهو ما نشر الرعب بالمطار. وأشار الضابط كذلك إلى حقى أنا أيضا فى مقاضاته. ومع غيظى الشديد من هذا النطع وضيقى بما فعل إلا أننى أشفقت عليه من الملاحقة القضائية التى يمكن أن تخرب بيته، ولم أشأ أن أكون مشاركًا فى هذا الخراب.. ومن المعروف أن الأحكام القضائية بالتعويضات فى أمريكا وكندا فى حالات كهذه يمكن أن تقوض حياة الإنسان.

طبعًا كان الشاب فى تلك الأثناء فى حالة هلع كشفها وجهه الممتقع وتوسله إلىّ أن أتدخل لدى البوليس ليتركوه وظل يقسم بأنه كان «بيهزر» وأنه لن يفعلها مرة ثانية، كما أخذ يذكّرنى بأنه لعب معى طاولة فى القهوة ذات مرة!

  اكتفيت بإلغاء سفره، كما تحدثت إلى رجال أمن المطار وكانت علاقتى بهم طيبة ورجوتهم أن يسامحوه لأنه مجرد شاب طائش، وحرمانه من السفر يكفى. قبلوا على مضض وأخلوا سبيله. الغريب أن الأخ لم يقدّر معروفى لكن مضى يشهر بشركتنا ويشتمها فى كل مكان، كما أخذ يطوف بالمقاهى العربية فى مونتريال ويغنى حكايته على الربابة وكيف أنه تعرض للظلم على يد مدير شركة الطيران الظالم الذى منعه من السفر دون سبب ولم يراعِ أننا «مصريون زى بعض». لم يشعر الوغد بالامتنان بعد أن خلصته من يد الأمن المتحفز عقب 11 سبتمبر وحُلت بينهم وبين تقديمه للمحاكمة التى كانت ستنتهى بالسجن والغرامة. لم يتوقف إلا بعد أن وصلته دعوى قضائية كلفتُ محامى الشركة برفعها ضده حيث فقدت تعاطفى معه وقررت أن أترك الأمر بين يدى العدالة!

عاد يستسمحنى باكيًا بعد أن فهم متأخرًا أن الاستظراف والسفالة والكذب والتشهير لها عواقب!   

 

أسامة غريب روائي وكاتب ساخر
التعليقات