الفبركة والمفبركون - سامح فوزي - بوابة الشروق
الخميس 5 ديسمبر 2024 6:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفبركة والمفبركون

نشر فى : الثلاثاء 15 فبراير 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 15 فبراير 2022 - 8:55 م
فبركة إحدى البرامج الفضائية لاتصال هاتفى مع الطبيب العالمى الدكتور مجدى يعقوب كشف انخفاض براعة الفبركة، حيث اختار برنامج مجهول شخصية معروفا عنها الزهد فى الإعلام، وعدم المبادرة فى إجراء اتصالات بقنوات تلفزيونية فضلا عن أن من يستمع إلى المكالمة المزعومة سوف يدرك على الفور انخفاض مستوى الفبركة. وهذا فى حد ذاته مشكلة!
ولكن حديث الفبركة ممتد، وللأسف لا يكتشف فى معظم الأحوال.
منذ ما يقترب من ثلاثين عاما، عندما بدأت الحياة العملية عقب تخرجى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية اتصل بى زميل صحفى يعمل فى إحدى المجلات العربية، وقال لى هناك موضوع منشور عنك. استغربت، وزادت دهشتى عندما وجدت صورة شخصية لى منشورة فى تحقيق صحفى، منسوبة لاسم آخر، وهو خريج حديث يروى مأساته التى تتمثل فى عدم قدرته على الالتحاق بكلية الطب لضياع طابع التنسيق، وهو ما كان سائدا أيامنا، واضطر إلى الالتحاق بكلية التجارة. قصة مفبركة بامتياز، وبعد بحث واستقصاء تبين لى أن صحفيا فى إحدى المطبوعات القومية كان يعمل فى هذه المجلة العربية ووجد صورتى الشخصية على مكتب زميل له، كان قد حصل عليها منى لسبب لا أتذكره، وعندما أردت الشكوى، مدفوعا بحماس الشباب والمهنية وقتها، طلب منى زملائى العدول عن ذلك خاصة بعد أن أعتذر لى الزميل صاحب التحقيق المفبرك!
والفبركة لا تنتهى. أتذكر أنه فى أعقاب عام ٢٠١١م نشر موقع إلكترونى تابع للإخوان المسلمين مقالا لشخص يشبهنى فى الاسم، ونشر صورة لى، وكان المقال يدور حول حتمية قيام الدولة الإسلامية، وهو موضوع لا يعبر عن آرائى وقناعاتى، لا مضمونا ولا لغة بالمناسبة، وقد كتبت وقتها مقالا فى إحدى الصحف أكذب الواقعة، بعدها اعتذر الموقع لنشر صورتى بالخطأ نظرا لتشابه اسمى مع كاتب إسلامى اسمه سامح فوزى، بحثت عنه ولم أجده، ولم ينشر سوى هذا المقال على ما يبدو!
ومرة أخرى كنت موجودا بالقرب من سرادق انتخابى فى انتخابات ٢٠١١، وكان هناك مرشح يكيل الاتهامات بشكل فاضح للمرشح المنافس فى جولة الإعادة، وبينما كان السرادق يعج بالبشر، دعا المرشح شخصا، وقدمه للجمهور بأنه الكاتب الكبير بجريدة الأهرام، لفت الأمر انتباهى، لأننى أعرف الزملاء هناك جيدا، ومن لا أعرفه من الكتاب شخصيا أعرفه اسما وشكلا. المهم أننى أجريت اتصالا بقيادة مهمة فى الأهرام للسؤال عن هذا الشخص، وبعد بحث وتحرٍّ اكتشفنا انه منتحل صفة صحفى، وهو ليس بصحفى، وليس بكاتب فى الأهرام، ولا فى أى مطبوعة أخرى.
الفبركة لا حدود لها، خاصة إذا اقترنت بالفهلوة وغياب المعايير المهنية، وأكاد أزعم، ولدى عدد من الوقائع، أن هناك أبحاثا ورسائل علمية، ومقالات أكاديمية، اعتمدت على سرقة المجهود العلمى لآخرين، بعضها اكتشف، وبعضها لم يكتشف، وبعض الناس يستخدمون ألقابا علمية لم يحصلوا عليها ليس فقط فى الحياة الاجتماعية التى يغلب عليها المجاملات، ولكن أيضا فى محافل علمية لا يصح فيها ذلك على الإطلاق. ومن آن لآخر تنشر الصحف أخبارا عن سقوط أشخاص حاصلين على دبلوم تجارة أو معهد فنى يعملون أطباء، بل ويجرون عمليات جراحية لسنوات!
أتذكر عندما كنت أدرس الماجستير بجامعة ساسكس فى بريطانيا أن زميلا لى بالجامعة فى تخصص آخر من دولة عربية شقيقة أسمه أحمد، جاء له زميل يدرس معه القانون، وينتمى إلى نفس البلد يطلب منه التوسط لدى أستاذ القانون الإنجليزى الذى رسب فى مادته رغم أنه أعد بحثا متميزا على حد قوله. حاولت أن أثنى أحمد عن ذلك على أساس أن زميله يملك الحق فى سؤال الأستاذ، بل له أن يتقدم بشكوى إذا رغب. المهم أن أحمد لم يستمع لى، وذهب إلى الأستاذ الإنجليزى وسأله فى الأمر فابتسم على خلاف العادة، وفتح درج مكتبه، وأخرج بحث زميله الراسب وهو يقول: بالفعل هو بحث ممتاز. استغرب أحمد من كلام أستاذه، لكن لم يطل الاستغراب فقد استطرد أستاذ القانون الانجليزى المخضرم قائلا: عندما يأتى الطالب هنا للدراسة أتوقع أن يرتكب أخطاء، ولكن عندما يقدم بحثا مثل هذا فإن الأفضل له أن يدفع المصروفات ويرسب!
أدرك الأستاذ أن تلميذه استأجر من كتب له البحث، فلم يتورع أن يضع اسمه فى كشوف الراسبين.
الفبركة فى كل مكان وزمان، القضاء عليها يكون بالإقصاء النهائى لمن يقوم بها وفق نصيحة الأستاذ البريطانى أن يدفع المصروفات، ويرسب!
سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات