المواجهة العلمية للكورونا - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المواجهة العلمية للكورونا

نشر فى : الجمعة 15 مايو 2020 - 9:50 م | آخر تحديث : الجمعة 15 مايو 2020 - 9:50 م

قبل اجتياح فيروس كورونا كوفيد – 19، انتشرت مقولة علمية تصل إلى مستوى العقيدة نصها «إن العلم قد استطاع هزيمة الموت فى زمن ما بعد الحداثة». فكانت هذه المقولة بمثابة توجه ثورى ضد الدين حيث إن الدين على مدى التاريخ كان وما زال يركز على أن الموت له سلطان وقدرة لا تقاوم على الإنسان. أما اللاهوتيون والفقهاء والوعاظ فكانوا وما زالوا يتحدثون عن أن الموت هو المصدر الأساسى الذى يعطى لحياتنا المعنى. فمن أول تنفس للإنسان على الأرض يُعلّمه والداه ورجال الدين أن عليه «أن يعمل لحياته كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا». من هنا نستطيع أن نكتشف معنى الحياة وأسرارها. وإذا عرف الإنسان أسرار الحياة يحصُل على النجاة والخلاص الأبدى وإذا لم يعرف يُعَذب أبد الدهر. من هنا تأتى أهمية صيحة العلماء فى عصر ما بعد الحداثة «إن الموت قد انهزم» والنتيجة إذن أنه بلا موت فلا جنة ولا نار، ولا إعادة خلق، وهكذا تصبح الهندوسية والمسيحية والإسلام بلا معنى. على مدى التاريخ كانت أعظم العقول البشرية سواء اللاهوتية والفقهية أو الفلسفية والتقنية وكذلك الأدبية والروحانية مشغولة بسؤال: كيف تخلق وتصيغ معنى للموت وليس فقط مجرد هزيمته أو تجاهله؟!.
من هنا جاءت – قبل الأديان – أسطورة جلجاميش، ثم جاء العهد القديم من الكتاب المقدس فالعهد الجديد فالقرآن، ومعظم بل كل هذه الكتب تُعلن أن الله هو الذى وضع الموت نهاية لكل كائن حى، وعلينا كبشر أن نقبل هذا ونجتهد فى ظله، بكل تواضع، وكان الاعتماد لجميع أتباع الأديان على اليوم الآخر أى يوم القيامة... إلخ.
لكن بانفجار ثورة العلوم اختلفت النظرة إلى الموت وقام العلماء بوضع تعريف علمى للموت يقول «الموت هو مشكلة تقنية، على العلم أن يقوم بفحصها وعلاجها»، وشرحًا وتوضيحًا لذلك قالوا: إن الإنسان يموت ليس لأن الله أمر بذلك لكن بسبب الخلل العضوى فى تركيبة الإنسان، فالقلب يتوقف عن أن ينبض ويضخ الدماء، أو أن السرطان يدمر الكبد، أو أن الفيروسات تكاثرت فى الكلى فأفسدتها، وهكذا يرى العلماء أن لكل مشكلة تقنية حلا تقنيا، نحن لسنا بحاجة ليوم القيامة ونهاية العالم، لسنا بحاجة لعودة المسيح ثانية أو المهدى... إلخ لكى ننتصر على الموت بل إن عالمين يعملان فى معمل يمكنهما الوصول إلى حل لأى مشكلة تحاول تدمير صحة الإنسان، فبعد أن كان الموت مسئولية رجال الدين من مشايخ وقساوسة فى ملابسهم السوداء، أصبح اليوم مسئولية أصحاب البالطو الأبيض فى المعمل، إذا ضعفت نبضات القلب يمكن تقويتها أو حتى زرع قلب جديد. بالطبع نحن حاليًا غير قادرين على حل جميع المشاكل التقنية لكننا نعمل ليلا نهارا لحلها.
***
أفضل العقول البشرية وأرقاها لم تعد تضيع وقتًا طويلًا فى الحديث عن معنى الموت، لكن بدلًا من ذلك هم مشغولون بإعطاء مدد أطول للأعمار البشرية. هم يفحصون النظام أو الخريطة الجينية للإنسان للوصول إلى الجين المسئول عن الأمراض، وعن الشيخوخة واكتشاف أو تطوير دواء للأمراض والشيخوخة ومن هنا انطلقت ما أُطلق عليه «ثورة علاجية».
لا شك أنه فى النضال التاريخى للعلماء لتمديد عمر الإنسان وصلوا إلى نجاح ملحوظ لا ينكره جاحد، ففى القرنين الأخيرين قفز متوسط عمر الإنسان من أقل من أربعين عامًا فى بداية القرن الماضى إلى ٧٢ عام وحتى ٨٠ فى العالم الأكثر تطورا. كذلك الأطفال استطاعوا أن يتفادوا الموت، فحتى نهاية القرن العشرين نجا على الأقل ثلث الأطفال الذين لم يتجاوزوا فترة الطفولة، وذلك مقارنة بسقوط الأطفال ضحايا للدوسنتاريا وشلل الأطفال. فى القرن السابع عشر فى لندن كان يموت ١٥٠ طفلًا من كل ألف مولود فى السنة الأولى من ولادتهم، وفقط ٧٠٠ طفل يصلون إلى الخامسة عشر من عمرهم. الآن فقط ٥ فى الألف من الأطفال الإنجليز يموتون فى السنة الأولى من ولادتهم، ٩٩٣ من الألف يعيدون عيد ميلادهم فى سن الـ١٥ سنة، موت الأطفال فى العالم ككل صار أقل من ٥%. لقد نجح البشر نجاحًا ملحوظًا فى محاولاتهم تمديد عمر الأطفال وإنقاذهم من الموت. ذلك فى الوقت الذى فيه اعتبرت الديانات التقليدية أن المعنى الوحيد للحياة يوجد فيما بعد الموت. لكن منذ القرن ١٨ ظهرت على السطح حركات سياسية اجتماعية مثل الليبرالية، وتحرير المرأة والشيوعية والوجودية والهيبيز... إلخ كان شغفها بالحياة وليس لما بعد الموت. ما الذى حدث بالضبط لبشر كانوا يتبعون الديانات التقليدية وفجأة انخرطوا فى مثل هذه الحركات؟! لقد فضلوا إجابة كارل ماركس وآدم سميث وسيمون دى بوفوار... إلخ وذلك لأن دياناتهم التقليدية لم تقدم لهم إجابات جديدة مقنعة لسؤال الحياة والموت، لقد قدم رجال الدين إجابات سهلة قديمة لأسئلة صعبة جديدة أثارها التقدم العلمى والتكنولوجى. وهكذا نحن أمام إجابتين عكس بعضهما البعض... الإجابة الأولى تتمركز فى أصولها وحداثتها حول الموت، وهذه الحركات أكدت أن الذى يموت لأجل الوطن شهيد وهذه عقيدة ثابتة عبر الزمن وأضيف إليها إجابة الحركة القومية بأنه سوف يعيش للأبد فى ذاكرة الشعب، لكن هناك شكوكا كثيرة فى هذا الحل الأخير، تُرى كيف يعيش الإنسان فى ذاكرة الآخرين وإلى متى؟! وهكذا بينما يتابع العالم الصراع على قدم وساق بين أتباع الديانات التقليدية والحركات القومية ومركزها الموت من جانب وبين العلم فى قمته ومركز بحثه الحياة لا الموت من الجانب الآخر، فاجأ كوفيد – 19 العالم والبشرية وكانت الإجابة عند المتدينين – كما ذكرنا فى المقال السابق ــ أن الله أرسل الفيروس لعقاب البشر على ذنوبهم بينما قال العلماء بعد الاجتياح أن كوفيد – 19 يدعونا أن نضاعف جهدنا لحماية الحياة البشرية وهكذا كان رد الفعل بين العقاب والأمل أو الرجاء لمستقبل أفضل للإنسان.
***
إن التوجه العالمى الآن للمتدينين وغير المتدينين أنه عند حدوث كارثة نتيجتها قتل عشرات أو مئات كما فى حادثة قطار أو طائرة، أو حريق، يوجهون السبب مباشرة لعمل إنسانى خاطئ أو ما نسميه الخطأ البشرى أكثر من الغضب الإلهى... إلخ، ويبحثون عن الخطأ هل هناك خلل فى الصيانة للطائرة أو القطار؟ هل الحكومة لم ترسل مساعداتها للإنقاذ فى الوقت المناسب؟... إلخ وإذا كان قد حدث ذلك كان يمكن إنقاذ هؤلاء البشر.
فى القرن الحادى والعشرين أصبح موت الحوادث يخضع أوتوماتيكيًا للفحص القانونى والعلمى وليس إلقاءه أو تطويحه إلى القدر وإخلاء مسئولية الإنسان... إلخ. نحن نتفق أن الإنسان اليوم لديه المعرفة الكافية لحفظ الحياة على الأرض وإذا وقع أمر مفاجئ مثل كوفيد – 19 فهو استثناء. وفى خلال ستة أشهر أو عام على الأكثر يكون لقاح كوفيد – 19 بين أيادى كل البشر. نحن نحتاج أن نفحص أكثر كيف نحمى حياة البشر؟. اليوم حتى فى أمريكا يرددون أن ما حدث هو لعنة من السماء بسبب الترحيب بالمثلية الجنسية والتصريح بزواجهم، وهو ما قاله مستشارو ترامب له، لكن فى نفس الوقت لم يعتمدوا بقوة على السماء لترفع اللعنة لكنهم يعتمدون أكثر على المعامل والعلماء. لقرون طويلة ماضية وحتى اليوم استخدم الناس العقائد الدينية كحائط صد ضد المرض والموت مؤكدين على أن الحياة ستستمر بعد الموت فى الحياة الأبدية. واليوم يستخدم الناس أحيانا العلوم كبديل وهم يؤمنون جيدًا أن العلم سوف ينقذهم باستمرار ولذلك سيعيشون فى منازلهم للأبد. والتوجهان– فى رأيناــ خطأ. هنا نحن نحتاج إلى توازن بين التوجهين علينا أن نثق فى العلم حتى ندرك الأفضل لنا دائمًا، وفى ذات الوقت نحمى أخلاقياتنا وثقتنا فى الخالق الذى نعبده ومبادئنا الإلهية. علينا ألا نتطرف فى اتجاه دون الآخر فنحن نؤمن ونثق أن الله الخالق هو الذى أعطى الجينات للإنسان ووهب الذكاء للعلماء لكى يتقدموا وينتصروا على الضعف الإنسانى، وأن الله يُسر بنجاح العلماء فى تأجيل الموت لأن الله حى ويحب الحياة لخليقته، إن الإجابة على هذه القضية ليست بسهولة «إما أو»، لكن القضية هى أن الله هو الذى خلق الإنسان بعقل استطاع من خلاله أن ينتصر على المرض والفناء نسبيًا وهذا يعنى أنه يسير فى طريق الله، لقد كان الأنبياء يحيون الموتى بإذنه واليوم العلماء يطيلون عمر المريض أيضًا بإذنه، لا اختلاف بين الاثنين سوى أن الوسيلة فى يد الإنسان قد تطورت وتتطور أكثر مع الزمن وهذا أيضًا بإذنه تعالى.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات