أجور العمال.. عدالة لا استحالة - محمد بصل - بوابة الشروق
الجمعة 16 مايو 2025 2:10 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أجور العمال.. عدالة لا استحالة

نشر فى : الخميس 15 مايو 2025 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 15 مايو 2025 - 9:27 م

يبدأ تطبيق قانون العمل الجديد أول سبتمبر المقبل، ثم ستصدر تباعا القرارات التنفيذية اللازمة لتفعيله حتى ربيع العام المقبل. أمامنا فرصة كافية لتلافى سلبيات فترة إعداد القانون خاصة أمام مجلس النواب. فالحوار المجتمعى الذى طالب به الجميع تمخّض عن الأخذ بعدد ضئيل من الملاحظات، بينما طال التجاهل المتعمد انتقادات جوهرية التى وجهتها الكيانات النقابية والحقوقية لمشروع الحكومة المدعوم برلمانيًا.


وسمعت فى الأيام الأخيرة - بعد صدور القانون - اعتراضات وجيهة على نصوص ربما تثير لغطا أمام المحاكم العمالية، لكننى ضد تعديل القانون قبل تطبيقه وإفساح فرصة كافية لاستكشاف إيجابياته وسلبياته على أرض الواقع.


فى الوقت ذاته أظن أنه يجب على الحكومة، ممثلة فى هيئة مستشارى مجلس الوزراء ووزارات العمل والتخطيط والعدل، أن تحاول تعويض بعض ما فاتنا، بإجراء حوار مجتمعى حقيقى حول القرارات التنفيذية العديدة الواجب إصدارها، وألّا تكتفى بدعوة ممثلى عشرات الجهات، وإنما تنفتح بشكل كامل على مقترحاتهم، وتحاول صهرها فى صياغات متوازنة وضامنة لحقوق الطرف الأضعف فى معادلة التشغيل.. العمال.


على رأس القرارات التى ننتظرها ما سوف يصدر عن رئيس الوزراء بشأن المجلس القومى للأجور (فى موعد أقصاه أول مارس 2026) لتحديد نظام عمله واختصاصاته الأخرى غير المذكورة فى القانون. وهذا اختبار حقيقى لنوايا الحكومة تجاه أهم شواغل العمال.


فالقانون الجديد خلا من المعايير المتماسكة الملزمة لتحديث الحد الأدنى للأجور بما يواكب معدلات التضخم أو وفقا لآلية اقتصادية محددة تراعى حماية الفئات الأكثر فقرا على ضوء بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أو البنك المركزى، كما منح «القومى للأجور» سلطة تقديرية لوضع المعايير والضوابط لقبول أو رفض طلبات المنشآت لتخفيض العلاوة السنوية أو الإعفاء من صرفها.


وظلت أحكام القانون غير حاسمة تجاه أصحاب العمل الذين لا يطبقون الحد الأدنى رغم تشديد العقوبة لتصل إلى 20 ألف جنيه عن كل عامل، ولم تعالج واقعا مريرا يتمثل فى عدم البت فى المئات.. بل الآلاف.. من طلبات الإعفاء من تطبيق الحد الأدنى مما يتسبب فى تعطيل نظر الدعاوى التى يقيمها العمال لانتزاع حقهم، حتى أن كثيرين يتساءلون عمّا إذا كانت قرارات رفع الحد الأدنى ملزمة بحق أم أنها توجيهات حكومية للمنشآت، نظرا لانعدام آليات الإلزام.


الفرصة سانحة أمام الحكومة لتقريب وجهات النظر مع العمال من جميع القطاعات، الإنتاجية والحرفية والمهنية، وتحويل انطلاقة القانون الجديد إلى «مبادرة قومية لتسوية ملف الأجور» فى حضور أصحاب الأعمال بالتأكيد، وبما يراعى الحفاظ على معدلات الإنتاج.


والبداية تكون بالوصف البيانى الواضح لإشكالية عدم الالتزام بصرف الحد الأدنى، والوقوف على القطاعات التى تنتشر فيها المخالفات، ومراعاة ذلك عند تحديد المعايير لوضع الحد الأدنى فى جميع القطاعات على المستوى القومى، وعدم استثناء أى قطاع من قرارات «القومى للأجور».


ثم ننتقل إلى تصفية إشكالية طلبات الإعفاء من تطبيق الحد الأدنى والعلاوات، بوضع نظام سريع ومرن بشروط واضحة، تُلزم صاحب العمل بتقديم الوثائق والسجلات التى تؤيد موقفه، ومنع قبول أى طلب مُرسل وغير جاد، والاستماع إلى العمال، والفصل فى الطلب خلال 30 يوما وفقا للموعد المنصوص عليها فى المادة 12 من القانون، وإعلان القرار وإخطار مديرية العمل المختصة.


الأفكار الإيجابية كثيرة، ويمكن تضمينها فى القرار المنتظر لرئيس الوزراء، على أن يعقب صدوره تحرك عاجل من «القومى للأجور» فى المسار ذاته، لربما يشعر ملايين الخاضعين لقانون العمل بانفراجة تترجم التصريحات الرسمية عن أهداف القانون الجديد، وبأن الأجر العادل حلمٌ قد يكون بعيدًا لكنه غير مستحيل.

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات