نظام التعليم الجديد.. هل نحتاج للغة العربية؟ - هانية صبحي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نظام التعليم الجديد.. هل نحتاج للغة العربية؟

نشر فى : الأحد 15 يوليه 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الأحد 15 يوليه 2018 - 9:15 م

أشرنا فى المقال السابق إلى بعض جوانب نظام التعليم الجديد المخطط تطبيقه بعد أقل من شهرين فيما يتعلق بالتابلت والتوسع فى الاعتماد على التكنولوجيا.. ولكن هناك تغييرات جوهرية أخرى يجب التطرق إليها لكى تتضح أسباب التحفظ على تصميم النظام الجديد وإمكانيات تطبيقه وفرص نجاحه، لعل أحدا يهتم بتصحيح المسار. ففيما يتعلق بالاتجاه نحو التعليم باللغات الأجنبية وبمدى التغييرات المخططة فى المناهج، هناك إشكاليات كبرى متعلقة بإمكانية التطبيق وبتحويل الموارد بعيدا عن المشاكل الأساسية فى القطاع وبتكريس اللا مساواة. ووفقا لتصريحات الوزير: «سوف يتم إدماج (العلوم والرياضيات والتاريخ والجغرافيا والدراسات واللغة العربية) داخل باقة متعددة التخصصات فى المرحلة الابتدائية بجانب ٣ مواد منفصلة: (اللغة الإنجليزية + التربية الدينية + التربية الرياضية)، وسيتم تدرس اللغة الإنجليزية من «KG1» فى هذا النظام الجديد لكل مدارس الجمهورية وحتى الصف الثانى عشر، وسيتم إضافة لغة أجنبية ثانية كمادة منفصلة بدءًا من الصف الأول الإعدادى، وستنفصل الباقات من الصف الأول الإعدادى إلى مواد منفصلة ويتم تدريس العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية حتى الصف الثالث الثانوى. وسيكون تدريس اللغة الإنجليزية فى النظام الجديد متوازيا مع تدريس الباقة بحيث يتعلم الطفل المصطلحات نفسها باللغتين العربية والإنجليزية ليسهل عليه الانتقال فى الصف الأول الإعدادى إلى العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية».
ويبدو من الصعب للغاية تطبيق مثل هذا التغيير فى ظل الموارد البشرية والمادية المتاحة. ويصعب أن نتخيل أن «باقة» اللغة الإنجليزية فى السنوات الأولى يمكنها بالفعل أن تعلم الأطفال ما يتم استخدامه من مصلحات فى كل «الباقات» التعليمية الأخرى. وحتى إذا افترضنا أن هذه المناهج تمت صياغتها بمنتهى الكفاءة والإتقان فى هذه الأسابيع القليلة ولا تحتاج لتجريب أو تدقيق أو تعديل، فمن الصعب أن نتخيل كيف سيتم توظيف هذه الأعداد الضخمة من المعلمين المؤهلين الذين يجيدون الإنجليزية واللغات الأجنبية الأخرى لتدريس هذه المناهج، هذا بالإضافة للموجهين والإداريين. ونحن نعلم أن معلمى اللغة الإنجليزية فى المدارس الحكومية أنفسهم غالبا ما ينقصهم الإعداد والكفاءة. ولا نعلم ماذا سيحدث للمعلمين الحاليين الذين يدرسون العلوم والرياضيات باللغة العربية فى أكثر من ٨٥٪ من مدارس الجمهورية. هل نستغنى فجأة عن خدماتهم أم نتوقع أن يتعلموا جميعا اللغات الأجنبية فيتقنوها ويدرسوا بها؟ ولم نر تقديرات بالموارد البشرية والمادية اللازمة لتطبيق مثل هذه التغييرات. ولكن ما يمكن أن نتوقعه هو أن «إصلاحا» كهذا، إذا تم تطبيقه، سيؤدى أيضا لاتساع اللا مساوة وكثير من التعثر؛ حيث ستجد معظم الأسر والمدارس صعوبة شديدة فى مواكبة هذه التغييرات ودعم الأطفال خلالها.
***
والأهم من هذا كله أن تحويل تدريس الرياضيات والعلوم إلى اللغات الأجنبية هو قرار له تبعات اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة، ولا يمكن أن يتخذ دون توافق مجتمعى واسع ودراسة مستفيضة لتبعاته. ومن هذه التبعات المتوقعة ضرورة تغيير لغة التدريس فى الكثير من كليات الجمهورية حتى يفهمها خريجو «النظام الجديد» وما يترتب عليه من توفير الموارد البشرية والمادية الضخمة لذلك. ومن التبعات الهامة تعميق اللا مساواة فى المجتمع، فالأكثر قدرة على تحصيل اللغات الأجنبية هو الذى سيتمكن من اللحاق بالمهن والتخصصات المتقدمة، أما الأقل حظا فيتم حصره فى مجالات محدودة. وهو أيضا قرار يرسل رسالة للطفل المصرى مفادها أن اللغة العربية ليست لغة علوم أو برمجيات أو محتوى علمى، أو أنها ليست لغة التقدم ولا يحتاجها حقيقة من يريد الاتجاه لمجالات «عصرية». والمتوقع أن يؤدى هذا لمزيد من التردى فى قدرات طلابنا فى اللغة العربية، وتقريبا يحصرها فى كونها لغة التراث والإسلام، ويعمق الفجوات المجتمعية والثقافية المتعلقة بذلك. وبدلا من أن نسعى لريادة خلق المحتوى العلمى والثقافى الذى تحتاج إليه الشعوب العربية، نتخلى عن اللغة بقرار سريع لم يدر أى حوار مجتمعى حول عواقبه. وهو أيضا قرار يعطى مكانة غريبة وغير متوازنة للعلوم والرياضات، فإذا كان هدف التعلم باللغة الإنجليزية أن يكون الطالب مواكبا لما هو متاح من أبحاث ومواد علمية، فهل يعنى هذا أننا لا نهتم أن نواكب أحدث ما هو متاح (ومعظمه بلغات أجنبية) فى الاقتصاد أو إدارة الأعمال أو التخطيط العمرانى أو علم الاجتماع أو فى كليات التربية، التى تحتاج إلى تحديث وإصلاح شامل؟ والعجيب أن هذا القرار لم يثر انتقادات أوسع من ذلك أو يؤدى إلى حوار مجتمعى مستفيض ولا نعلم إذا كان ذلك لأنه لم يؤخذ على محمل الجد أم لأن الطبقات القادرة والمتعلمة التى تشكل الرأى العام انفصلت منذ عقود عن قضايا التعليم الحكومى، اللهم إلا القلة التى تلحق أبناءها بالمدراس التجريبية، وهى جميعها مدارس لغات على أى حال.
***
ويعد التطوير والتحديث الشامل للمناهج فى المواد الأساسية وحده هدفا ضخما يجب تركيز الجهود عليه. وبدلا من التفكير فى إضافة اللغات الأجنبية وتغيير لغة التدريس فى مواد أساسية، يجب أن نعمل أولا على الأساسيات، أى على رفع قدرات القراءة والكتابة للطلاب فى اللغة العربية نفسها. وقد يعرف البعض أن أكثر من ثلث طلاب المرحلة الإعدادية لا يجيدون القراءة والكتابة. ففى نظام يظل هذا القدر من طلابه شبه أميين لا شك أن لدينا مشاكل أخرى يجب أن نعالجها. والأولى أن نفكر فى بديهيات وأبجديات المدرسة كمكان للتنشئة السليمة وتربية الشخصية وتنمية المواهب. ولا يزال آباؤنا يذكروننا بمدارسهم وأنشطة المسرح والموسيقى والخطابة والكشافة والفنون فيها. هل نعرف إلى أى مدى اختفت الأنشطة من المدارس المصرية؟ ألا يكفى كهدف للإصلاح أن تعود فقط الأنشطة للمدارس الحكومية؟ ألا يحتاج هذا الهدف وحده الكثير من الموارد والتنمية؟ بل هناك ما هو أكثر «بديهية» وقد يكون لدى بعضنا معرفة به وهو مقدار العنف النفسى والبدنى الذى يتعرض له الطلاب فى المدارس والذى يجعلهم يكرهون المدرسة ويعيدون إنتاج العنف بينهم وتصبح الإهانة هى اللغة العادية وغياب الاحترام هو السائد.
وبخلاف ذلك كله، إذا أردنا إضافة مواد جديدة على المناهج، يمكن أن نفكر فى دروس متعلقة بالتربية الصحية والبيئية التى تكاد لا تعالجها المناهج القائمة بأى طريقة فعالة، ما يفقد مصر فرصة كبيرة لوقاية أبنائها من مختلف الأمراض والأوبئة (من السمنة إلى التهاب الكبد) ورفع الوعى الصحى والبيئى لدى المواطنين منذ الصغر ولأجيال قادمة. وفى هذا الصدد يمكن أن تلتفت الوزارة إلى إصلاح ممارسات قائمة شديدة السلبية مثل عدم وجود معايير جادة لما يتم بيعه فى مقاصف المدارس بحيث تكون المدرسة الحكومية مصدرا لثقافة «البيبسى والشيبسى» أو الأطعمة غير الصحية، والتى تمنع بعض الدول تقديمها أو حتى تسويقها للأطفال. ولكن كما ألمحنا فإن إحدى المشاكل المركزية للتعليم الحكومى فى مصر أنه لم يعد له لوبى يحميه بسبب دفع الطبقات الوسطى خارج النظام نحو التعليم الخاص، فلا يوجد من يدفع لكى تواكب المدرسة الوعى الصحى المتنامى لدى الطبقات القادرة.
باختصار، إذا كنا حقا نريد إصلاحا يجب أن نبدأ من الواقع والوضع الحالى لا من الحلم والتمنيات، ومن الأساس لا من الفرعيات، وفيما يتعلق باللغة والهوية والاستثمارات القومية الكبرى يجب أن نبدأ من دراسة وافية للتبعات وبناء للتوافق المجتمعى وإلا فإننا بكل بساطة سنفشل ويذهب جهدنا هباء الرياح.. وسنشير فى المقال القادم للمزيد من هذه الأساسيات والمداخل المتعارف عليها لتطوير التعليم.

هانية صبحي باحثة متخصصة فى مجال تطوير التعليم
التعليقات