غزوة الفلاشا تزلزل إسرائيل - محمد عصمت - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غزوة الفلاشا تزلزل إسرائيل

نشر فى : الإثنين 15 يوليه 2019 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 15 يوليه 2019 - 10:10 م

بشكل أو بآخر يمكن القول إن المؤسسات الأمنية والسياسية فى إسرائيل نجحت إلى حد كبير فى احتواء العنف الذى صاحب «انتفاضة» اليهود الفلاشا على أوضاعهم الاجتماعية البائسة، بدون أن تتصدى هذه المؤسسات للبحث عن أسباب التمييز العنصرى الفظ داخل المجتمع الإسرائيلى، أو أن «تتورط» فى تقديم حلول ديمقراطية تعيد لليهود الإثيوبيين حقوقهم السياسية والاجتماعية المسلوبة، والتى قد تهدد بإنهاء سيطرة اليهود الغربيين «الأشكيناز» على مفاتيح السلطة والثروة والنفوذ فى إسرائيل!

لكن هذا الاحتواء للعنف الذى اجتاح شوارع المدن الإسرائيلية هو نصف الحل لهذه الأزمة التى قد تعصف على المدى الطويل بتماسك المجتمع الإسرائيلى نفسه ووضعه على أول طريق الحرب الأهلية، أما النصف الآخر فسوف يتمثل فى سعى النخبة الحاكمة فى إسرائيل للبحث عن خطر خارجى يعيد «توحد» اليهود فى مواجهته، قد يكون ذلك بإشعال حرب ضد إيران، أو ضد حزب الله فى لبنان، مع فتح جبهة قتال ضد حماس فى غزة.

العديد من الصحف الإسرائيلية حذرت من خطر تفتت إسرائيل من الداخل بسبب الممارسات العنصرية ضد الفلاشا، وضد اليهود الشرقيين «السفارديم» وإن بدرجة أقل حدة، وضد الفلسطينيين العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ووجهت انتقادات لاذعة للتركيبة العنصرية التى يتشكل منها المجتمع الإسرائيلى، لكن اليمين المتطرف الذى يحكم إسرائيل بتأييد شعبى واسع يضرب عرض الحائط بكل هذه التحذيرات، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح من خلال السماح للشرطة باستخدام مستوى مبالغ فيه من العنفــ بالمقاييس الإسرائيلية ــ ضد مظاهرات الفلاشا، واكتفاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتعبير عن أسفه لمقتل الشاب الإثيوبى برصاص شرطى إسرائيلى، دون أن يعد باتخاذ أى إجراءات محددة تنتشل الفلاشا من قاع السلم فى المجتمع الإسرائيلى، أو تغيير نظرة اليهود البيض لهم باعتبارهم «عبيدا» مشكوكا فى يهوديتهم، أو حتى مساواتهم فى الوظائف والرواتب مع بقية اليهود، أو حتى إجبار المستشفيات الإسرائيلية على قبول تبرعهم بالدم لا اعتباره «نجاسة» يجب أن تلقى فى القمامة.

نتنياهو نفسه أقر فى تصريحات صحفية أخيرا بأن «قانون القومية» الذى أقره الكنيست منذ عدة شهور، يستهدف دولة اليهود فقط، وأن أمام الفلسطينيين داخل إسرائيل 22 دولة عربية يمكنهم أن يرحلوا إليها إن لم يشعروا بالسعادة من هذا القانون، وهو ما يعنى تصعيدا عنصريا جديدا ضد السكان الأصليين لفلسطين المحتلة.

كل الأوضاع الإقليمية والدولية تتيح لنتنياهو القفز على الأزمات الطاحنة التى تواجهها إسرائيل، فالرئيس الأمريكى دونالد ترامب يقف فى ظهره، ويوفر له كل الدعم السياسى والعسكرى، وبعض العرب يسعون للسلام معه بكل السبل وعلى حساب حقوقهم ومصالحهم، ويقدمون التنازلات تلو التنازلات بدون أى مبرر منطقى.

لكن ما تتجاهله كل هذه الأطراف هو أن المستقبل له حسابات أخرى، الدول العنصرية مهما بلغ جبروتها سوف تتآكل من الداخل وربما تنفجر إلى شظايا، الشعوب قد ترضخ لسبب أو لآخر لسياسات لا تلبى حقوقها ومصالحها، لكنها فى نهاية الأمر ستنهض لاستعادة هذه الحقوق، وحتى الدول الكبرى لن تستطيع فرض إرادتها عليها، فموازين القوى العالمية تتغير باستمرار، وهيمنة أمريكا على مقدرات العالم لن تستمر للأبد.

رياح التغيير قادمة لا محالة وسوف تزيح من طريقها كل من يتصور أنه يستطيع وقفها أو حتى تغيير اتجاهاتها!

محمد عصمت كاتب صحفي