من أجل مزيد من التصنيف - باسم يوسف - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أجل مزيد من التصنيف

نشر فى : الثلاثاء 15 أكتوبر 2013 - 9:45 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:45 م

التكرار فى الكثير من الأحيان يكون مملا، وهذا بالضبط ما سوف افعله اليوم فى هذه المقالة. فبعض الافكار تستحق ان نناقشها ونتكلم عنها بل و«نعيد ونزيد فيها» وخاصة اذا كان ذلك يتعلق بمستقبل الوطن ومن يعيشون به.

كتبت الاسبوع الماضى عن موضوع الاديان السماوية وكيف نصنف بعضنا البعض على حسب «انت سماوى والا لأ» (لمزيد من التفاصيل برجاء مراجعة المقال السابق) «سماوى غصيا عنك»

والحقيقة ان ردود الافعال كانت متباينة. ففى حين ان هناك بعض القراء تقبلوا الكثير من الافكار التى وردت فى هذا المقال، الا ان هناك أيضا البعض ممن رفضوا الفكرة جملة وتفصيلا مستندين الى فهمهم هم للدين. ولذلك فربما من الافضل أن أناقش الموضوع مرة أخرى من زاوية مختلفة: من زاوية الدين نفسه.

من يدعون التمسك بالدين وتعاليمه ونهج الشيوخ والتابعين ربما لا يدرون ان من سبقونا كانوا أكثر تفتحا ومرونة فى التعامل مع الاديان «غير السماوية».

عندك مثلا الشيخ رشيد رضا - وهو شيخ سلفى - ذكر فى تفسير المنار، أن البوذيين والبراهمة والمجوسيين أهل كتاب سبق فقدوه بطول الأمد لذلك يجوز الحاقهم بطائفة أهل الكتاب فى الذبائح.

وقال نفس الكلام ابن حزم صاحب المذهب الظاهرى فى كتابه المحلى. عندما قال إن الذين يؤمنون بنبوة زرادشت يؤمنون بكتاب سبق وقال البغدادى فى كتابه الفرَق بين الفِرق، أن من يدعون نبوة زرادشت نسن فيهم سنة أهل الكتاب وقال ذلك من علماء الهند مولانا أبوالكلام أزاد.

وعند أبى حنيفة الصابئة أهل كتاب

إذن انت أمام علماء عاشوا وأفتوا فى قمة مجد واتساع الخلافة الاسلامية ومع ذلك افتوا بأننا يمكننا أن نضيف البوذية والمجوسية والبراهمية والزرادشتية لمفهوم الدين السماوى.

هل يجرؤ على ذلك علماؤنا وشيوخنا سواء من يهوون تكفير من لا يؤمن بمنهجهم أو من يؤثرون الصمت على أن يقولوا كلمة الحق لأنهم لا يريدون الاصطدام بمفاهيم مجتمعية وعنصرية لا علاقة لها بالدين.

فى أوج قوة الخلافة تولى أمور الديوان والوزارة اليهود بل والمجوس وعبدة النار وبعدها بقرون عدة ما زلنا نناقش مدى صحة ولاية القبطى على أمور العباد.

نحن لا نرى الأعداد المتزايدة من الملحدين واللادينيين والخارجين على الدين بسبب فشل خطابنا الدينى، فلم يعد أمامنا الا أن نجمع الناس تحت مظلة وهمية من التدين والورع ونظن أننا بذلك نحمى الدين.

بمناسبة الكافرين والملحدين، يهوى شيوخنا فى عصرنا الحديث توزيع صكوك الغفران أو حجبها كما يشاءون، ولكننا اذا رجعنا الى عصور ماضية نجد أنه عند جمهور العلماء، كما أورد الشيخ شلتوت فى كتاب الإسلام عقيدة وشريعة، أن من يموت باحثا عن الحق ولا يصل يموت على حق.. أى من يبحث عن الله ولا يجده، فهو ليس بكافر، ولا يستحق النار التى وعد الله بها الكافرين.

ويقول الامام أبو حامد الغزالى «أن من لم يسمع عن الاسلام سمعا لافتا للنظر فهو من أهل الفترة» أى أن من لم يقدم له الدين وتصل له الدعوة فى أفضل صور فهو من أهل الفترة أى يجرى عليهم حكم من لم تصلهم الرسالات. أى ان المسئولية تقع بالاساس على الدعاة والمسلمين وهم الحمدلله فى مهمة يومية يبذلون فيها أقصى جهدهم لتنفير الجميع من الدين.

وعند المعتزلة، من بحث عن الحق فوصل إلى الباطل ــ بحسن نية ــ أيضا يموت على حق. ويغفر الله له. لأن الله لا يكلف العبد بما لا يطيق.

واستشهدوا بآية.. (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا).. أى جحدوا بالرسالات. بعد أن تيقنتها أنفسهم. والسبب هو الظلم والتعالى.. فيكون الكافر هو الظالم المتعالى وهو يعلم الحق.

لو طبقنا المعيار نجد أن العالم الآن، من غير المسلمين، مغفور لهم على رأى المعتزلة.

لذلك وضعوا شروط الكافر الذى يستحق العذاب: وصله الإسلام ــ بشكل صحيح ــ أهل للنظر فيه ــ قد اقتنع فيما نظر.

الشرط الأخير مهم وانفرد به المعتزلة.. وبذلك من لم يقتنع بالإسلام ليس بكافر. لأن فى اقناعه إكراها يتنافى مع حرية الاختيار.

وقبل أن تشتم المعتزلة تذكر أنها كانت عقيدة الخلافة العباسية وعلى رأسها الخليفة المعتصم بتاع، وا معتصماااه.

ووافق هذا الرأى العالم الأزهرى الكبير الشيخ عبد المتعال الصعيدى.

أما ما يحدث فى موضوع مناقشة الأديان السماوية فى الدستور فهو محض هراء وصورة من صور النفاق العلنى. فكيف نطالب بالمواطنة ثم نضع حول هذا التعريف حدودا مصطنعة من المحرمات الدينية فنفرغ مبدأ المواطنة من مضمونه؟

انت فى أمريكا مواطن أمريكى له كل الحقوق على الأقل بقوة الدستور والقانون، أما نحن فنشترط لعضوية الجنسية المصرية بمميزات المواطنة الكاملة أن تكون من معتنقى ثلاث ديانات نسميها نحن ديانات سماوية. وان لم تكن كذلك فعليك أن تكذب فى خانة الديانة لتنضم الى العضوية المحدودة فى هذا النادى.

فى بلاد الغرب «العلمانى الكافر» توصلوا الى انه من العبث أن يستمر الناس فى التعامل مع بعضهم البعض على أساس تصنيف دينى وهنا مازلنا نتعارك على من هو السماوى ومن هو آت من دين سفلى.

ان العراك على من لديه الأفضلية يشبه عراكا طفوليا فى الصف الخامس الابتدائى ملخصه: «دينى حلو وانت لأ».

كل صاحب دين لديه الحق أن يشعر أن دينه هو الوحيد الذى على حق وأن فرقته هى الوحيدة الناجية من النار. لا باس فعلا اذا توقف الامر عند ذلك ولكن أن يتم تأصيل هذا الامر فى الدستور وفى المعاملات المدنية فهذا أكثر من عراك بين أطفال فى مدرسة.

ماذا حدث حين حدث مثل هذا العراك فى عهد الرسول؟

اختصم مجموعة من المسلمين واليهود والنصارى، من فيهم يدخل الجنة. فزايد كل فريق على الآخر واختص الجنة له وحده وأن من ليس على دينه فهو فى النار..

فنزلت الآية الكريمة: (ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب. من يعمل سوءا يجز به.. ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة).. النساء.

فجاءت الآية تقول ليس بأمانيكم، أمنياتكم، ولا أمانى أهل الكتاب..

رغم أن الطبيعى أن تنتصر الآية للمسلمين فى هذه الخصومة.. وأن الإسلام هو الدين الخاتم، ومن لا يلتزم به فهو فى النار.. لكن الله أنكر على أتباع أى دين ــ مسلمين أو أهل كتاب ــ أن يحتكر الجنة والمغفرة. ووضع ضابطا موضوعيا يتمثل فى العمل، وأنه وحده سبب للجزاء والعقاب. من يعمل سوءا يجزى به، ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن.. مؤمن بالله.. يدخل الجنة.

بعد كل هذه الأمثلة من سعة الدين وقدرته على التعايش نأتى بعد 1400 سنة لنكون أكثر تشددا ونحدد من المستحق للقب سماوى وعلى أساس ذلك يستحق لقب مواطن.

إن التصنيف الدينى فى الدستور هو أمر متوقع من جماعة المتطرفين الذين افتخروا بإنه «أفضل دستور فى العالم» ولكن الآن ما هو عذر النخبة المتفتحة فى لجنة الخمسين أن يخضعوا لهذا الابتزاز؟ ما هو عذر الازهر، الذى ذاقت قياداته الأمرين بسبب التطرف الديني، فى أن يدخل صراعات وهمية من أجل «هوية الدولة» وهم يعرفون أن مصر ليست فى حاجة الى تصنيف ديني؟

لقد حان الوقت أن يخرج المسلمون من فكر العصور المظلمة ليدركوا أن للدين ربا يحميه بدون الحاجة الى مواد مكتوبة فى الدستور. لقد شغلنا نفسنا بهذه الحروب الوهمية على هويتنا وعلى اسلامنا وعلى «الديانات السماوية» ولكن لو نظرنا حولنا لرأينا أن أكثر الحروب فى العالم ما هى الا حروب بين هذه الديانات بل اذا دققت النظر فستجد ان اكثر هذه الحروب ما هى الا بين المسلمين نفسهم. فمن الطبيعى ان تسمع أن «الشيعة أكثر خطرا من اليهود والنصارى».

اليس كل هؤلاء من تابعى الديانات السماوية؟

كيف تكفر هذه الاديان بعضها ثم تجتمع فى لجان كتابة الدستور فتطلق على أنفسها «سماوية» لتغلق الباب فى وجه معتقدات الآخرين لمجرد أنهم ليس لديهم العدد الكافى أو التربيطات السياسية الكافية لينظر لهم كمواطنين لهم جميع الحقوق؟

لقد حان الوقت ان نعترف بعنصرية المواد الدينية فى الدستور وأنها لا تؤدى الا الى مزيد من الكراهية بين المواطنين. يكفينا الكراهية التى تبثها الفتاوى المتطرفة عن كيفية معاملة اخواننا فى الاديان «السماوية». هل نحتاج حقا الى مواد حاكمة تلغى مبدأ المواطنة وتنسفه من أساسه؟

اعلم تماما أن هذا المقال وغيره من المقالات المطالبة بالمساواة ستذهب هباء. نحن نعيش نفاقا دينيا ومجتمعيا فمن المنطقى أن يعكس دستورنا ذلك.

سنظل نتظاهر بأننا نسعى لمبدأ المواطنة ولكن الحقيقة اننا عنصريون تجاه من لا يؤمن بما نؤمن به ونرى انهم لا يستحقون هذه المساواة.

سيوهمنا بعض الشيوخ ان هذه المواد لحماية «الهوية» وسيقنعنا شيوخ آخرون انه اذا نص الدستور على المساواة الكاملة بدون قيد أو شرط وبدون وضع مواد دينية فإن ذلك سيؤدى الى زواج الشذوذ وحفلات الجنس الجماعى لأنهم ببساطة يظنون ان أى شىء سيؤدى الى الشذوذ وحفلات الجنس الجماعي، ففى الواقع هذا كل ما يفكرون فيه.

يقولون إن التكرار يعلم الشطار، ولكنى أعلم يقينا أن تكرار الافكار فى هذا المقال وغيره لن يحدث فرقا سواء كانت السلطة دينية أو عسكرية أو نخبوية. كلنا منافقون، كلنا نتكلم عن «المواطنة» ولكن فى الواقع نحن نعشق التصنيف والتفرقة.

هنيئا لنا بدستور جديد ليكمل ما بدأه قبله من تأسيس الى مزيد من العنصرية والنفاق والتصنيف.

(شكر واجب لصديقى العزيز الكاتب محمد الدويك، لإمداد هذا المقال بجوانب فقهية وتاريخية كانت غائبة عنى ومشاركته القيمة ومساعدته فى الكتابة).

باسم يوسف اعلامى ساخر
التعليقات