العصابات الرأسمالية والحنين إلى السلطوية فى أمريكا الترامبوية - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العصابات الرأسمالية والحنين إلى السلطوية فى أمريكا الترامبوية

نشر فى : الجمعة 15 ديسمبر 2017 - 10:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 ديسمبر 2017 - 10:55 ص

نشر موقع «Salon» الأمريكى تقريرا للكاتب «هنرى جيرو» ــ أستاذ جامعى متخصص فى دراسات المصلحة العامة ــ والذى يتناول فيه استبدادية ترامب التى تضرب بعمق فى نسيج الحكومة والسياسة اليومية فى الولايات المتحدة، حيث إن الأمثلة الصارخة على الهمجية السياسية وعنف الدولة والتدنى الأخلاقى والفساد التام فى السياسة أصبحت مألوفة جدا فى السنة الأولى من رئاسة ترامب ولا زالت القائمة تتزايد، ويذكر أن ترامب يحط من شأن الأمة، ويحذر من كون ترامب قد وضع الولايات المتحدة على طريق الحرب العالمية الثالثة.

فى البداية يوضح الكاتب أنه فى السنة الأولى من حكم ترامب، أصبح واضحا ليس فقط فشل الديمقراطية الأمريكية، ولكن قفزت العديد من الجوانب الأكثر قتامة فى تاريخ الولايات المتحدة إلى مركز السلطة. فنجد على سبيل المثال: الايديولوجية البائسة، نوع من الحنين إلى العلاقات السلطوية القديمة، والآن أشكال مختلفة من إضفاء الشرعية على نظام ينتج مستويات فجة من عدم المساواة وزيادة دور المشرعين الفاسدين، ووجود مجموعة من المتعصبين اليمينيين فى مواقع السلطة، وتهديد معارضى النظام بالسجن، بالإضافة إلى شبكة متنامية من العنف التى تمارسه الدولة سواء فى الداخل أو فى الخارج. ولقد عمل ترامب على زيادة ثقافة العنف؛ فنجد على سبيل المثال آلية الاستبعاد النهائية، والتخلى الاجتماعى، وشن حرب على المهاجرين غير الشرعيين، والأقليات والشباب.

يذكر الكاتب أن ترامب يستخدم سلطاته الرئاسية فى التضليل ونشر المعلومات الخاطئة، ومحو أى شعور بالمواطنة المشتركة والسخرية من وسائل الإعلام المختلفة، والترويج لوسائل الإعلام اليمينية باعتبارها «آلة الواقع»، مثل فوكس نيوز وبريتبارت الإخبارية تحت شعاره التجارى «السياسة التليفزيونية الواقعية»، لقد أصبح كذب ترامب طبيعيا ومعتادا، هو ينظر للصدق باعتباره مسئولية، وينشر الجهل على أعلى مستويات الحكومة ووسائل الإعلام التى تسيطر عليها الشركات. بالفعل يمكننا القول إنه قد تم تسليح الثقافة واستخدامها كأداة قوية من أدوات السلطة للتضليل وتلقين المعلومات. ويعترف ترامب أن التطبيع والتماهى مع العقوبات التى تقرها الدولة يقتل الديمقراطية ويدمر القدرة على إصدار أحكام مستنيرة، ما يجعل مسلسل الكذب الترامبوى شاقا وخطيرا أنه يجعل خطاباته وإجراءاته وسياساته معفية من التقييم الأخلاقى ويجب التعامل معها على أنها أبعد من فكرة الخير والشر.

•••

وكما ناقش «حنا أريندت» فى كتاب «أصول الشمولية» أن محو الصدق والحقائق والمعايير المرجعية يعزز من انهيار المؤسسات الديمقراطية، ويجعل قبول الافتراضات السخيفة أسهل من قبول الحقائق القديمة والتى أصبحت مجرد طموحات. الابتذال والسخرية من المعايير ذات القيمة والنظريات المقبولة تحمل معها ما هو أسوأ من ذلك، وكما أن اللغة تفرغ من أى معنى فإن أصوات الاستبداد تملأ الفضاء والشوارع منادية بالعنصرية ومعاداة السامية والعنف.

يذكر كاتب نيويورك تايمز ومراسل Salon السابق «ميشيل كولدبرج» أن ترامب جعل من الصعب التمسك بأى معنى أخلاقى وهو طبيعى إذا نظرنا إلى محاولاته الدءوبة لإنهاء حكم القانون وسيادة العدالة والأخلاق والديمقراطية ذاتها.

ولقد كتب: «تغيرت البلاد كثيرا فى هذا العام والكثير منا قد نما بعد الصدمات التى تعرضنا لها، وما يتم تمريره الآن باعتباره هو العادى كان مجرد تصوره قبل ذلك مستحيلا. إن الحكومة تقع تحت سيطرة جماعة عنصرية منظمة تشارك فى صنع سياسات تضعنا على حافة الهوية، فنجده على سبيل المثال يضغط بشكل علنى على وزارة العدل للتحقيق مع معارضيه السياسيين. كما طالب ترامب باعتقال الصحفيين وطالبت إدارته بإطلاق النار على المذيع الذى انتقده، ونجد أن البيانات الرسمية الحكومية تقوم بعمل دعاية لفنادقه، ولا يمكنك الاحتجاج على أى شيء ولا يمكنك فعل أى شيء بالأساس».

ويقول «بيونج تشول هان» كل عصر وله توقيعه وبصمته المؤلمة، عصرنا هو عصر الاستيلاء على الشركات من قبل الحكومة الأمريكية بشكل لم يسبق له مثيل، هو عصر إعادة ظهور الشمولية فى شكلها الجديد، والمخاطرة هنا تكمن فى قوة الايديولوجية السلطوية التى تغذى النظام الاقتصادى الاستغلالى، والقومية المروعة والنداءات الوحشية للتطهير العرقى، والذى ينتج ما أسماه «بول ستريت» بـ«كابوس الرأسمالية».

•••

لقد انخرط ترامب فى الحرب الثقافية التى تعمل على عسكرة وسائل التواصل الاجتماعى وخلق سياسة التسريبات. وكما لاحظ «زيغمونت بومان» فى كتاب «الغرباء على بابنا» أن خطابات ترامب عنصرية بشكل فج، والسخرية التى يلقى بها على المهاجرين والمسلمين وسياساته تجاههم باعتبارهم أناسا غير جديرين بالاهتمام والرعاية، وانخراطه فى تجريد الآخرين من إنسانيتهم. ونلاحظ أن جميع « تغريداته» على «تويتر» تغذى العنصرية، وتركز على دعم اليمينيين، وتفوق البيض والأصولية الدينية والتعليقات الاستبدادية. ونجد أن القادة السلطويين مثل «بوتين» و«الرئيس الصينى» يمثلون جذبا خاصا بالنسبة لترامب، والذى لا يبدى اهتماما يذكر بانتهاكاتهم لحقوق الإنسان.

إن اهتمام ترامب الكبير بتفوق وسيادة البيض والسلطوية أصبح واضحا على الجبهة الداخلية وظهر ذلك فى إصداره عفوا عن عمدة أريزونا السابق «جوزيف أربايو» – العنصري ــ الذى شن هجوما شرسا ضد المهاجرين غير الشرعيين، والسكان اللاتينيين والأفراد الذين لا يتحدثون الإنجليزية، بالإضافة إلى أنه كان لديه محتجزون فى سجن خارجى أطلق عليه «المعتقل الخاص» وكان يتم إجبار المعتقلين على العمل فى ظروف قاسية، فضلا عن إجبارهم على القيام بأعمال تحط من كرامتهم.

إن استبدادية وسلطوية ترامب تضرب بعمق فى نسيج الحكومة والسياسة اليومية فى الولايات المتحدة، واستسلم الجمهوريون لأيديولوجية ترامب الاستبدادية والأصولية الاقتصادية ودعم العقيدة الدينية والسياسات الفاشية المتزايدة والتى تعنى قبول «غير المقبول». ومن المقلق أنهم تجاهلوا اتهام ترامب من قبل أعضاء بارزين فى الحزب؛ فعلى سبيل المثال اتهم السيناتور «بوب كوركر» ــ رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ ــ ترامب بأنه يحط من شأن الأمة، كما حذر من أن يكون ترامب قد وضع الولايات المتحدة على طريق الحرب العالمية الثالثة.

ولقد أصبحت الأمثلة الصارخة على الهمجية السياسية وعنف الدولة والتدنى الأخلاقى والفساد التام فى السياسة مألوفة جدا فى السنة الأولى من رئاسة ترامب ولا زالت القائمة تتزايد، فكراهية ترامب للمسلمين والمهاجرين غير الشرعيين واضحة فى دعوته إلى بناء الجدران بدلا من بناء الجسور، والتذرع بالمخاوف المشتركة بدلا من السياسات المشتركة، وتدمير جميع المؤسسات التى تجعل الديمقراطية ممكنة، وتوسيع ثقافة المصلحة الذاتية والجشع والنزعة العسكرية والقمع.

•••

نحن فى عصر التطرف الذى لا مثيل له، والعنف والقسوة والاستبداد تكسب أرضية على أرض الواقع، وسرعان ما يخلق المجتمع المخاوف المشتركة والكراهية دون رادع. وفى ظل نظام ترامب، يتم الاستخفاف بالمعارضة ورفضها باعتبارها تقدم أخبارا زائفة، ويصبح أدنى تعاطف مع الآخرين موضوع ازدراء.

ختاما، فى مواجهة استبداد ترامب نحن بحاجة إلى المفردات التى تسمح لنا بأن نعرف أنفسنا كشركاء، وليس ضحايا، فى خطاب السياسية الديمقراطية الراديكالية، كما أننا بحاجة إلى سياسة تعالج المشاكل النظمية، وترفض إصرار العصابات الرأسمالية على أن جميع المشاكل شخصية، وهى مسألة حصرية تتعلق بالمسئولية الفردية والحلول الشخصية.

يذكر النشطاء أيضا حقوق المهاجرين، والسجن الجماعى، وعنف الشرطة، وإلغاء الأسلحة النووية، والعدالة البيئية، ضمن مسائل أخرى. وأن مواجهة تحدى الفاشية لن يكون سهلا، ولكن الأمريكيين يتحدون. ونأمل أن يتحول السخط الجماعى إلى حركة عالمية النطاق تركز على جانب العدالة بدلا من الإفلات من العقاب، والجسور بدلا من الجدران، والكرامة بدلا من الازدراء، والعطف بدلا من القسوة. والأمر الحاسم هو أن هذه الحركات المنفصلة تجتمع ــ فى ظل تشكيل سياسى واجتماعى أكبر ــ من أجل تطوير تحالفات قادرة على التطور إلى حزب ديمقراطى اشتراكى، ومن ثم فهى تجعل المقاومة ضرورة وليس خيارا.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسي

النص الأصلي

التعليقات